في المفاوضات العسيرة التي جرت بين ايران ودول 5+1 في جنيف ، وجدنا ان المفاوض الايراني قد انتصر بدبلوماسية وحنكة سياسية كبيرة وكبيرة جدا . ،فماحصلت عليه ايران في نهاية المطاف هو حقها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 5% ، كما وحصلت على حق الاستمرار في تشغيل محطات تخصيب اليورانيوم ، وكذلك حصلت على حق استثمار ما انتجته سابقا من يورانيوم بنسبة 20% نصفه يتحول الى اوكسيد لتصنيع وقود تشغيل محطة بوشهر ، وتمييع النصف الاخر الى نسبة 5% ، فضلا عن تعليق عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على ايرادات ايران البتروكيمياوية ، اضافة الى الخدمات المرتبطة بها ، وعن الذهب والمعادن الثمينة والخدمات المرتبطة بها ، وتعليق العقوبات عن صناعة السيارات الايرانية اضافة الى الخدمات المرتبطة بها ، والسماح لزبائن ايران الحاليين بشراء معدلاتهم الحالية من النفط الخام ، واعادة مقدار الايرادات المتفق عليها المحجوزة في الخارج وغيرها الكثير من الامتيازات تتعلق بالصحة والقطاع المدني والخدمي.
ان اقرار الدول الكبرى بحق ايران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 5% وهو اقرار مكتوب ولاول مرة بعد الاجتهادات والمناورات في تفسير مواد القانون الدولي ، وبعد هذا الاقرار اصبحت لدى ايران وثيقة مكتوبة تعلن عن حقها في تخصيب اليورانيوم .
كما وان ايران سبقت وان اكدت انها لاترغب في امتلاك السلاح النووي بقدر رغبتها على امتلاك التكنولوجيا النووية للاغراض السلمية ، ونسبة 5%تكفي لحصولها على ماتصبو اليه .
والنجاح الاكبر في هذه الاتفاقية ان ايران كانت تقترح على الدول الكبرى ان يتم تبادل مالديها من يورانيوم بنسبة 20% في دولة محايدة ، وكانت تقترح ان تكون تركيا على سبيل المثال ، بالمقابل كانت الدول الكبرى ترفض وتشترط ان تسلم ايران مالديها من مخزون وبعد ذلك يتم التبادل ، لكن في الاتفاق الجديد نجد ان ايران قد حصلت على حقها في استثمار نصف مخزونها من اليورانيوم بنسبة 20% لتشغيل محطة بوشهر وتقليل المتبقي الى نسبة 5% ، وكل هذا يحصل داخل الاراضي الايرانية .
بالمقابل حصلت الدول الكبرى على ضمانات من ايران على عدم انتاج اليورانيوم بنسبة 20% وهذا لايعد انجازا للغرب لماذا ؟ لان ايران لاترغب في الوصول الى هذه النسبة ، وان انتاجها لهذه النسبة من باب الضغط السياسي ليس الا ، ولهذا وجدنا وزير الخارجية الايراني يقول نحن احتفظنا براس المال وتنازلنا عن الربح ، وهي في غنى عن هذا الربح .
كما واعطت ايران ضمانات بعدم تطوير اجهزت الطرد المركزي ، وهذا الطلب لاترفضه لانها في غنى عن تطوير هذه الاجهزة على اعتبار ان مالديها من اجهزة الطرد يكفي لتحقيق نسبة الانتاج المطلوبة .
هذا على البعد التقني ، اما على البعد السياسي فاول انجاز تحقق في هذه المفاوضات ان ايران اصبحت لوحدها في قطب والدول الكبرى كلها في قطب اخر ، وهذا بحد ذاته يمثل مكانة جديدة لايران في المنطقة والعالم .
ان التلويح بتوجيه ضربة لايران اصبحت في زوايا التاريخ ، وان ايران رسخت قناعة لدى الدول الكبرى ان لغة التهديد لن تجدي نفعا معها ، لانها اكبر من ذلك بكثير وهي ليست لقمة سائغة يمكن ان تبلعها هذه الدولة او تلك .
ان ايران ترفض لغة المساومة او سياسة الصفقات على حساب ثوابتها الدينية والاخلاقية والسياسية ، ففي الوقت الذي كانت الادارة الامريكية والغرب تريد ان تحل جميع القضايا في المنطقة بسلة واحدة ومنها القضية السورية والفلسطينية وحزب الله ، وجدنا ان ايران تريد ان تحل كل قضية من هذه القضايا بمعزل عن بعضها البعض الاخر ، وقد تحقق ماتريده .
من خلال هذه المفاوضات تبين بما لايقبل الشك للادارة الامريكية انها لابد ان تتعامل مع ايران كدولة مؤثرة في المنطقة ، ولايمكن الاستغناء عنها في حل المشاكل في المنطقة ، على خلاف بقية الدول الاخرى وتحديدا في الخليج كونها لاترتقي الى مستوى التاثير الايراني ، وانها – تلك الدول – لاتمتلك مقومات الدولة فضلا عن ان تكون دولة مؤثرة ، وان اي اتفاق مع ايران سيكون من شانه ارساء الاستقرار السياسي والامني في المنطقة .
اتصور ان ما حققته ايران من لقاءات جانبية مع ممثلي ووزراء الدول الكبرى سيفتح افاقا كبيرة لاعادة العلاقات مع تلك الدول ، وتفكيك التحالف الغربي بناءا على مصالح تلك الدول الاقتصادية في ايران لما تمتلكه ايران من امكانات كبيرة يجعل هذه الدول تتنافس على فتح صفحة جديدة من العلاقات المتكافئة معها .
هذا كله كان حاضرا في تفكير الكيان الصهيوني ، وكذلك لدى قادة المملكة العربية السعودية ، ولهذا وجدنا الطرفين – الصهيوني والسعودي – قد استشاطا غضبا من هذه الاتفاقية الى الحد الذي يسميها نتنياهو ب( الخطا التاريخي ) ، وكان موقف السعودية خجولا ومرتبكا، واضطرت الى اصدار بيان خجول جدا بعد ان وجدت اغلب الدول العربية رحبت بهذا الاتفاق ، لان كلا من السعودية واسرائيل كانا يصوران للغرب ان الخطر الايراني لابد ان يواجه بعزلة سياسية واقتصادية ، وعندها وبسبب هذه المخاوف تبقى السعودية هي الدولة المعول عليها في الوقوف ضد ايران( سياسيا ) مقابل حماية نظامها السياسي ، اما اذا حصل تفاوض واتفاق بين ايران والدول الكبرى ، وهذا الاتفاق من شانه ان يشمل كل الملفات السياسية في المنطقة ، وعندها سوف لن يكون للسعودية دور اكثر من كونها عبارة عن مخزون نفطي تستثمره الدول الكبرى ، ولهذا قد تعيش السعودية على هامس التاريخ السياسي.