ربما لا يصيب الذين يتحدثون عن غياب التعبير عن الرأي في مجتمعاتنا , إذا أغفلوا ما كتبته الأجيال على الحيطان من العبارات والكلمات والأفكار والرسومات , ولهذا أطلق الكارهون لهذا السلوك , لأنه يهددهم مقولة “الحياطين دفاتر الشياطين”!
والحائط ومنذ العصور القديمة منبر للرأي ومرآة لما يعتمل في أعماق الناس , فيسطرونه على الجدار أو الحائط تحت جنح الظلام.
وفي مدينتنا كانت “مدرسة سامراء الأبتدائية الأولى” ذات حائط طويل أبيض اللون , وعليه كنا نقرأ عند الصباح كلمات وعبارات جديدة مكتوبة في الليل , وأول مرة قرأنا “فلسطين” على حائطها , وكانت مكتوبة بحجم كبير , فنحسبها “فلس + طين”, وما كنا في طفولتنا ندري بأنها قضية سترافقنا طول العمر!
ولا يزال الناس إلى يومنا هذا يكتبون على الحيطان , وبعض المجتمعات تتفوق على غيرها بهذا السلوك , وكأن الإنسان فيها لديه وسوسة بالحيطان , فلا تجد حائطا في مدنها بلا كتابة أو رسم!
وبرغم وسائل الإتصال المعاصرة , لكن الحائط لا يزال المنبر المؤثر على أفكار الناس , وقد تم إستخدامه في مراكز المدن ليكون موقعا إعلانيا , يتقاضى مالكيه أموالا مقابل تأجير مساحة محددة منه للإعلانات الضوئية واللونية.
ويبدو أن البشر ينجذب إلى المكتوب على الحائط , أو لديه رغبة لهذا السلوك , فلا يخلو حائط في الأماكن العامة إلا ووجدتَ عليه كتابة أو رسم.
ويزداد نشاط الكتابة على الحائط في فترة المراهقة والشباب , مما يشير إلى طاقة الأفكار المتجددة والرغبات المكبوتة , التي لا تجد منفذا للتعبير عنها إلا بخطها فوق الحيطان , ليطلع عليها أبناء ذلك المجتمع.
وأصبح من الواضح أن على قادة المجتمعات قراءة مدونات الحيطان , لأنها تعبّر عن المعاناة الحقيقية والمواقف المؤثرة في التفاعلات اليومية.
وفي المجتمعات المقهورة , لا يوجد ميدان للتعبير عن الرأي والحاجات والمعاناة , ولهذا إزدحمت الحيطان بالكتابات بأنواعها , وخصوصا المناهضة للأوضاع السياسية القائمة.
ومن الأصوب أن يكون في كل مدينة وناحية وقرية , حائط حرّ , يسّطر الناس عليه آراءهم وتطلعاتهم وحاجاتهم , فيكون منفذا حضاريا ديمقراطيا وتربويا , لترسيخ مبادئ الحرية والحقوق الإنسانية!!