22 نوفمبر، 2024 5:01 م
Search
Close this search box.

جدل قانون المحكمة الاتحادية: الوظيفة القانونية والسياسية

جدل قانون المحكمة الاتحادية: الوظيفة القانونية والسياسية

تعد المحكمة الاتحادية العليا او ما تعرف بالمحكمة الدستورية احدى اهم مكونات مجلس القضاء الأعلى في العراق، وهي لم تكن وليده هذه المرحلة ككيان قضائي مستقل، وانما ترجع صلاحياتها الى مراحل سياسية سابقة من التاريخ الدستوري والقضائي في العراق، لذلك فان الدساتير التي ظهرت في العراق منذ أول دستور كان يسمى القانون الأساسي لعام 1925 ولغاية أحداث عام 2003، قد أشارت في بعضها إلى فكرة الرقابة الدستورية على القوانين كما أشار بعضها إلى تشكيل محاكم دستورية أو مجالس دستورية، الا ان جميع هذه النصوص الدستورية المتعلقة بالقضاء الدستوري كانت مجرد نصوص لم تفعل باستثناء حالة واحدة تم فيها تفعيل الرقابة الدستورية على القوانين عند النظر في دستورية قانون، حيث جاء في القانون الأساسي العراقي لعام 1925 من خلال المادة (81) التنصيص إلى وجود المحكمة الاتحادية العليا، وتتكون هذه المحكمة من ثمانية اشخاص، رئيس المحكمة هو رئيس مجلس الأعيان، ويشترط في أعضاء المحكمة الاتحادية أن يكون أربعة منهم من القضاة وأربعة من بين أعضاء مجلس الأعيان. وذكر إن اختصاصها الأصلي هو محاكمة الوزراء وأعضاء مجلس الأمة وأعضاء محكمة التميز على وفق التفصيل الوارد في النص، ثم منحها صلاحية تفسير النصوص الدستورية وبموجب آلية تعتمدها عند التصدي إلى هذا الموضوع على وفق نص المادة (83) من القانون الأساسي، وفي العهد الجمهوري صدر القانون المؤقت لعام 1968وكان يحتوي الشعارات الثورية البراقة وضمن مواده العديد من الأحكام التي يدل ظاهرها على تأسيس دولة القانون، ومن ذلك ما أشار إليه في نص المادة (87) على تشكيل محكمة دستورية مهمتها النظر في الرقابة الدستورية على القوانين، ولم يذكر أي تفصيل حول آلية تشكيلها أو شروط العضوية، وإنما ترك الأمر إلى قانون يصدر لاحقا ينظم عملها، ثم صدر بعد ذلك قانون المحكمة الدستورية رقم 159 لسنة 1968 لكنها لم تنعقد ولم تشكل إطلاقاً، وكانت هناك إشارات أيضا في دستور 1973 لكن بسبب عدم استقلالية السلطة القضائية لم تسجل أي دور للرقابة على التشريعات ورقابة القوانين.
بعد عام 2003 شهدنا الإشارة لها في القانون المؤقت لإدارة المرحلة الانتقالية لعام2004 ونصت عليها المادة(44) من القانون الموقت حيث وضعت هذه المحاولة لإدارة مؤسسات الدولة الرئيسة خلال وبعد انتهاء سلطة الائتلاف المدني الحاكم بقيادة الأمريكي بول بريمر، ونص القانون هذا على صلاحية المحكمة الاتحادية في الرقابة الدستورية على القوانين، من خلال الإشارة الى تشكيل محكمة اتحادية عليا، مما يجب الإشارة اليه أيضا ان القانون الذي تعمل به المحكمة الاتحادية ونظم عملها لغاية الان هو القانون الذي صدر خلال فترة الحاكم المدني بريمر ذو الرقم(30) لعام2005، حيث اريد منه ان ينظم عمل وصلاحيات المحكمة لغاية كتابة قانون الجديد وفق ما نص عليه فيما بعد الدستور العراقي الدائم لعام2005، وقد نص القانون رقم(30) الذي يتكون من(9 مواد)، المادة(1) اقرت انشاء المحكمة وسمتها بالمحكمة الاتحادية العليا، ويكون مقرها في بغداد تمارس مهامها شكل مستقل لا سلطان عليها لغير القانون، والمادة(2) اقرت باستقلالية المحكمة الاتحادية ماليا واداريا، فيما حددت المادة (3) تكوينية المحكمة الاتحادية العليا من رئيس وثمانية أعضاء، يجري تعيينهم من مجلس الرئاسة، بناء على ترشيح من مجلس القضاء الاعلى بالتشاور مع المجالس القضائية للأقاليم وفق ما هو منصوص عليه في الفقرة هـ من مادة رقم الرابعة والاربعين من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، ونصت المادة(4) على صلاحية المحكمة الاتحادية العليا وحددتها بالاتي:
اولاً: تتولى الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية.
ثانيا: الفصل في المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين والقرارات والانظمة والتعليمات والاوامر الصادرة من اية جهة تملك حق اصدارها والغاء التي تتعارض منها مع احكام قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، ويكون ذلك بناء على طلب من محكمة او جهة رسمية او من مدع ذي مصلحة.
ثالثا: النظر في الطعون المقدمة على الاحكام والقرارات الصادرة من محكمة القضاء الاداري.
رابعا: النظر بالدعاوى المقامة امامها بصفة استئنافية وينظم اختصاصها بقانون اتحادي .
وأشارت المادة (5)الى الية عقد اجتماعاتها وحضور أعضائها وقراراتها حيث نصت ان تؤخذ القرارات بأغلبية الثلثين ، وهذه المادة ستكون نقطة خلاف في تعديل القانون بين المكونات السياسية ونصت المادة(6) على إعطاء الصلاحية لرئيس وأعضاء المحكمة الاستمرار بالخدمة دون تحديد اعلى للعمر الا اذا رغب بترك الخدمة، وهنا يبدو ان تقاعد بعض أعضائها فيما بعد هو ليس الى احالتهم على التقاعد بسبب العمر وانما قد يكون برغبة منها الى الإحالة الى التقاعد وقد يكون بموجب قانون التقاعد لعام2020، وهو ما تسبب في تعطيل المحكمة الاتحادية في المصادقة الى المسائل المناطة بها وابرزها المصادقة على نتائج الانتخابات، واصبح هناك فراغ دستوري، وبتالي لابد من تعديل القانون حتى تستطيع المحكمة الاتحادية الاستمرار بعملها بالطريقة التي نصت عليها القوانين، اما الفقرة ثانيا من نفس المادة فقد حدد راتب رئيسها وأعضاءها بمخصصات وزير، المادة(7) اشارت الى القسم الذي يوديه الرئيس والأعضاء، المادة(8) الى اشارت الى صلاحية تحويل الصلاحيات للأعضاء من قبل رئيس المحكمة. وأخيرا نظمت المادة(9)من القانون الى الجانب الاجرائي في تنظيم سير العمل في المحكمة، اما عن طريقة تعيين رئيس المحكمة واعضاءها فأشار لها القانون، وقد عين رئيس والأعضاء بمنتصف عام 2005 بقرار مجلس الرئاسة القرار الجمهوري رقم (2). لكن في الاغلب تكون هكذا مواقع خاضه للأمزجة السياسية والحزبية والمحاصصة السياسية رغم ان القانون انف الذكر، يحدد ان التعيين يكون باقتراح من مجلس القضاء الأعلى، وهذا بحد ذاته غير مقبول في الأعراف القضائية لما للسلطة من استقلالية تامة عن السلطات الأخرى وابزرها السلطة التنفيذية التي تتكون من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء.
وبعد كتابة الدستور العراقي الدائم لعام2005 نص المحكمة الاتحادية وحدد تكوينها بذات الالية التي حدد القانون المشار اليها والصادر خلال فترة القانون خلال المرحلة الانتقالية ككيان مستقل ضمن السلطة القضائية او ما يعرف بمجلس القضاء الاعلى، وأشار الدستور الى عدد من المسائل منها ان تتكون أيضا من رئيس وهو بموقع وزير، وثمانية أعضاء. ونصت المادة(92/ثانياً)من الدستور على: تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.
ولم يحدد دستور 2005 عدد أعضاء المحكمة وأنما ترك ذلك لقانون يسنه البرلمان بموافقة ثلثي أعضاءه، كما أوردت بعض التغيرات فيما بعد أي بعد ان اصبح الدستور الدائم نافذا تغييرات على تشكيل المحكمة عما كانت عليه في قانونها رقم (30) لسنة 2005 حيث ادخل إلى جانب القضاة، خبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء في القانون، وترك ان يكون أمر اختيارهم وطريقة عمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب (المادة 92 من الدستور) هذا فضلا عن توسيع صلاحياتها واختصاصاتها، فالمحكمة تتكون من القضاة، وخبراء الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، حيث هناك جدل وردود كثيرة حول وظيفة خبراء الفقه الإسلامي، ودورهم في المحكمة. ومرجعية هؤلاء الفقهاء وعودة الى مؤسسات تعشش فيها المحاصصة ومؤسسة على أساس الانقسامات المكوناتية كالوقف السني والوقف الشيعي والاوقات الدينية الأخرى، وهناك من يختلف حول وظيفة هؤلاء الفقهاء اذ هناك من يرى أن أعضاء الفقه الإسلامي أن دورهم استشاري وبيان رأي فقط مستندين إلى أن القضاء وحده يقع عليه حق اصدار القرار والفصل في الخصومة لأن القضاء هو الجهة التي تختص بفض المنازعات بمقتضى القانون سواء أكانت هذا المنازعات واقعة بين الأفراد أم بينهم وبين الحكومة وأعطاء الحقوق لأصحابها. وهذا الخلاف نظرا للصلاحيات الكبرى والاساسية المناطة بالمحكمة الاتحادية، اذ نص الدستور العراقي لعام2005 على اختصاصات المحكمة الاتحادية في المادة(93) حيث خصص صلاحيات المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي:
أولاً: الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة.
ثانياً: تفسير نصوص الدستور.
ثالثاً: الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن، من الأفراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة.
رابعاً:الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية.
خامساً:الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الأقاليم أو المحافظات.
سادساً: الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وينظم ذلك بقانون.
سابعاً:المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.
ثامناً: الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والفصل في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للأقاليم، أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم.
وبالتالي هناك مسائل مهمة تعرض على المحكمة الاتحادية ولها حق الرفض ورايها ملزم كصلاحيات دستورية، وبما ان الأحزاب والكيان السياسية من كل المكونات تريد ان تمرر ما تريد عن طريق المؤسسات فهي تسعى جاهدة ضمان ذلك من خلال المحكمة بعد ان سيست كل مؤسسات الدولة وتقاسمتها وفق المحاصصة الحزبية والمكوناتية.
ومما تقدم نستنتج في خاتمة هذه الورقة ان هناك تعطيل دستوري بعد توقف عمل المحكمة الاتحادية وهناك الكثير من المسائل متوقفة رفع التعطيل وبالتالي لابد من تعديل القانون رقم(30)لعام2003 خاصة المادة(3) الصادر في المرحلة الانتقالية من إدارة الدولة، او العمل على تشريع قانون جديد وهذا الأقرب الى توجهات مجلس النواب الان، وهناك جدل داخل مجلس النواب وخارجه بين الأوساط السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني تراقب بحذر هذا القانون، هناك رغبة من قبل الكتل النافذة داخل مجلس النواب ليس بتعديل القانون وانما بوضع قانون جديد ينسجم مع اطروحاتهم الفكرية والسياسية، والجدل الثاني حول مسالة التصويت داخل المحكمة حيث ان المحكمة كانت تمرر القرارات بمسالة اغلبية الثلثين كما نصت عليها القانون رقم(30) وهناك من يريد ان تكون الاقرارات بالأجماع اذ ان هناك إصرار من قبل القوى الكردية على أن تكون قرارات المحكمة بالإجماع، وهو ما ترفضه القوى العربية، مشيراً إلى أن القضايا التي تخص المحافظات والأقاليم تُتخذ القرارات فيها بنسبة الثلثين وباقي الأمور تُحسم بالأغلبية، من جهة أخرى، تطالب الكتل السياسية الممثلة للأقليات بالتواجد في عمل المحكمة الاتحادية بما يضمن الحفاظ على خصوصيتهم في المجتمع العراقي، فيما يثار الجدل حول وجود الفقهاء في قانون المحكمة ووظيفتها اذ هناك رغبة من قبل القوى الإسلامية بان يكون للفقهاء دورا أساسيا في المحكمة الاتحادية، في حين يطالب البعض على مستوى المنظمات غير الحكومية وبعض الناشطين بان لا يكون أي دور للفقهاء في المحكمة لأسباب كثيرة منها الخوف من ان تصبح المحكمة وظيفها دينية وفقهية اكثر من قانونية حتى شبهها البعض بولاية الفقيه، فيما رأى اخرون ان تكون وظيفة الفقهاء في قانون المحكمة دور استشاري فقط ، اما مسالة تعيين أربعة فقهاء سيؤدي إلى التأثير على قرارات المحكمة الاتحادية، في حين ذهب مجلس القضاء الأعلى في بيان له باقتراح يحدد وظيفة خبراء الفقه الإسلامي الى مطابقة القوانين والتشريعات مع الشريعة الإسلامية على اعتبار ان الدستور النافذ ينص على انه لا يجوز تشريع قانون يتعارض مع الإسلام ، وتكون وظيفة خبراء القانون مطابقة التشريعات والقانون مع مبادئ الديمقراطية وهذا وان كان يحدد الوظيفة والتخصص لكن قد تكون تعارضات كثيرة قد تصدر لاسيما وان هناك الكثير من المسائل قد لا تكون متوافقة ما بين الإسلام من جهة وما بين الديمقراطية من جهة أخرى فما تبيحه الديمقراطية قد لا يقره الإسلام والعكس صحيح، وقد سبق وان قلنا ان هذه المادة في الدستور النافذ في تناقض وازدواجية. ومما تقدم نستطيع القول استنتاجا ان عمل المحكمة غاية في الأهمية وان أي تأثيرات من خارج المؤسسة القضائية على عملها سيضعف من دورها القضائي الذي حدده الدستور، وهذا ما لاحظناه في آرائها الملزمة في عدد من القضايا ومنها مسالة تفسير الكتلة الأكبر، وكيف اثر ذلك على مجمل العملية السياسية، وحالة عدم الاستقرار السياسي بعد الضغوط التي تعرضت لها المحكمة آنذاك من قبل بعض الكتل السياسية، كما ان الضغوط الان في تشريع بنود قانونية لتنظيم عمل المحكمة لابد وان يكون بكل حيادية ووطنية واستقلالية ومنها وظيفة الفقهاء في القانون، وان الراي الصائب في مجتمع تعددي مثل العراق ان تكون وظيفة الفقهاء استشارية فقط طالما أشار الدستور الى وجود الفقهاء في المحكمة حتى لا تكون محلا لتجاذبات السياسية والدينية والاجتماعية مما قد تثير فيما بعد تداعيات على حيادية السلطة القضائية بكل مؤسساتها ومنها المحكمة الاتحادية وتفسيراتها ورايها، وكذلك شكل الدولة وطبيعة نظامها الدستوري والقضائي حتى لا تتحول وظيفة سلطة المحكمة الاتحادية في العراق من الوظيفة القانونية الدستورية الى وظيفة سياسية.

أحدث المقالات