يحكى ان شابا مؤمنا متدينا, كان يسخر كل امكانياته لخدمة الأقارب والمنطقة, حتى وان كان على حساب نفسه وعائلته!
اهماله لأسرته وصل حد التقصير, فتفرق الأبناء ضاع مستقبلهم الدراسي, والزوجة اصبحت لا تتردد من الاستدانة من الآخرين..
في أحد الايام ذهبت الزوجة، بعد أن عيل صبرها، فشكت زوجها الى رجل الدين
فأرسل عليه ليتبين الحقيقة, فأخبره وهو يتفاخر, نعم انا اساعد الجميع, واضحي بكل شيء من أجل اقاربي, هم امتدادي وعزوتي.
اخبره رجل الدين بأنه مخطئ, وان التوسعة على العيال وقضاء حوائجهم أفضل من الصدقة على غيرهم, ثم يأتي بعد ذلك الأقارب والارحام وحسب الاستطاعة.
ان ما حدث مع الشاب وأسرته يشبه كثيرا ما نمر به في العراق، حيث ان بعض الاطراف وقادة البلد، على ما يبدو لا يعرفون تكليفهم مرة جهلا وغالبا عمدا, لان ذلك هذه الشعارات تنسجم مع مصالحهم الخاصة، وتحقق غاياتهم .. فتراهم يحاولون أن يدمجوا مع هويتهم وانتمائهم توصيف آخر, فيجعلون من كلمة “عراقي” غير كافية, او ان قائلها لا يشعر بالأمان..
لذلك يسوقون مع كلمة نقص الخدمات في الجنوب, عبارة” الشروكية المظلومين, او الجنوب الشيعي المظلوم” ومع ذكر غرب العراق, سنة العراق المسلوب حقهم, اما شمال العراق, فمسلوبي الحق والقرار والكلمة.
جميع تلك الشعارات الهدف منها، الخروج الى خارج حدود الوطن باسم القومية او العقيدة, والجميع يتحجج ان القومية والعقيدة مساحتها أكبر من حدود الوطن, وأن الاستعمار هو من قسمنا وفرقنا.
كلام يخاطب العواطف, ويدخل الى الوجدان مباشرة.. لكن من اجل ان نتبنى هكذا طرح, يجب أن نطرح السؤال التالي:
اي الدول التي نشترك معها بالعقيدة او القومية, على استعداد لتقديم مصلحة العراق على مصلحة شعبها ودولتها؟
دعونا من هذا السؤال لأن اجابته صعبة ومعقدة, ولنسأل سؤال غيره:
أي من الدول التي نشترك معها في القومية او العقيدة, مستعدة لمنح أي عراقي ينتمي لنفس عقيدتها جنسيتها؟
الجواب لا يوجد, بل ليس للعراقي ان يسجل عقارا بأسمه, حتى وان كانت مساحته متر واحد!
ألا يعني هذا أنه لا يمكن ان تكون الشجرة ثابتة وقوية إن لم تكن جذورها راسخة في ارضها، وأننا إن اردنا ان نكون اقوياء يجب ان نكون اقوياء بأنفسنا، لا بالاعتماد على غيرنا، حتى وان كنا نحمل نفس العقيدة او القومية.
يقال ان الانسان بطبعه, يتمنى ان يكون افضل من الجميع, الا أبنه فإنه يتمنى ان يكون افضل منه، ونحن يجب ان نعمل ان نكون كذلك.
قطعا هذا لن يحدث ونصبح الافضل، الا من خلال ترك التخندقات، التي لم تجلب الخير للبلد, طوال السنوات او العقود الماضية, اي منذ ان تكلم صدام حسين بالقومية وحتى يومنا هذا، والجلوس معا ومن خلال المشتركات تشكل الكتل والقوائم الانتخابية، التي تتجاوز البعد القومي والطائفي والديني.
فهل ساستنا مستعدون لبناء وطنهم؟