واحدة من استثمارات نفط كوردستان واستخداماتها الدعائية والانتخابية هي موضوعة استثمار حكومة كوردستان للثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط الذي تحول الى سلم لتسلق الاحزاب والاشخاص الى كرسي مجلس النواب في بيئة شعبية مسطحة بل وفي معظمها تعاني من غسل شديد في الدماغ والوعي والحقيقة التي تحاول تلك القوى تشويهها او اخفائها، فقد دأب البعض من المصابين بعمى الحقائق وثقافة إقصاء الآخر وإلغاء حقوقه على خلفية التفرد والهيمنة، بالخروج بين الفينة والأخرى بتصريحات لتأجيج الرأي العام خاصة أيام الدعايات الانتخابية أو صناعة الأزمات، حيث يتحدثون عن عدة آبار هنا وهناك تم حفرها واستثمارها بعد 2003م كما جاء في الدستور، وهي لا تتجاوز في أعلى إنتاجياتها 450 الف برميل يذهب اكثر من نصفها الى الاستهلاك المحلي واستحقاقات الشركات التي تستخرجها، وتستقطع معظمها من الحصة السنوية لاقليم كوردستان من الموازنة السنوية، بينما يتناسون مليارات البراميل التي شفطوها من آبار كوردستان في كركوك وغيرها من المناطق الكوردستانية المستقطعة عبر ما يقرب من مائة عام، وأحالوها إلى حديد ونار وغازات سامة أحرقت أجمل مدن وبلدات وقرى كوردستان؟
لقد كانت كركوك الهدف الأول للبريطانيين، ومن جاء بعدهم سار على نهجهم في مصادرة ما تنتجه ارض كوردستان منذ اكتشاف النفط فيها مطلع القرن الماضي، حيث يحدد الدكتور كاظم حبيب مستويات الإنتاج من حقول كوردستان في كركوك مقارنة مع ما كان ينتجه العراق خارج الإقليم منذ 1927 ولغاية 1989م فقط:
( بلغت مشاركة حقول كركوك 73,25 % من إجمالي إيرادات العراق النفطية، في حين كانت حقول البصرة تساهم بالباقي 26,75 % فقط خلال الفترة بين 1927و1989.
لقد أنتجت كوردستان نفطا بما قيمته 184.9 مليار دولار أمريكي من عام 1927 ولغاية عام 2000 من إجمالي إيرادات العراق البالغة لنفس الفترة 252.5 مليار دولار أي بنسبة قدرها 72.2 بالمائة من إيرادات العراق بأكمله. )
لقد استخدمت تلك الأموال الطائلة من نفط كوردستان المنهوب في حرق كوردستان وشعبها طيلة ما يقرب من سبعين عاما، حيث تعرض هذا البلد إلى التدمير الشامل في بنيته التحتية البشرية والاقتصادية والحضارية والصناعية، كما أنها كانت وسيلة في تدمير وحرق وأنفلة كوردستان وتعريب مدنها واستقدام مئات الآلاف من سكان محافظات جنوبية ووسطى، وما تعنيه هذه العمليات من تهجير مئات الآلاف من الكورد إلى الجحيم أو إلى مهاجر أخرى، كما حصل في كركوك والموصل وسنجار وربيعة وزمار وخانقين ومخمور ومندلي بعد عام 1975م، وزرع ما لا يقل عن عشرة ملايين لغم في أرض كوردستان لوحدها.
والطامة الكبرى أن الكثير ممن أتوا بعد سقوط النظام، يغرسون رؤوسهم في رمال وعقلية وسلوك النظام السابق في موقفهم من موضوع كركوك والموصل وسنجار وربيعة وزمار وخانقين ومخمور ومندلي، وموضوعة النفط في الإقليم ويتعالون على مآسي ثمانين عاما من السرقة والسحت الحرام وبحور من الدماء، التي سالت نتيجة لتلك العقلية المتخلفة والشوفينية المقيتة وفرص التقدم والازدهار التي اغتيلت على أيديهم، ويتناسون ما جرى بعد مؤامرة 1975 ضد شعب كوردستان الأعزل لكل من ساهم فيها أو سهل تنفيذها، ولعلني أستذكر فقط أن ما حدث لإيران والعراق والجزائر والاتحاد السوفييتي بعد هذه السنة لم يكن ( ربما ) محض صدفة، أن تغرق إيران والعراق والجزائر في بحور من الدماء وتتفتت الإمبراطورية السوفييتية إلى دويلات عاجزة ينخر فيها الفقر والذل.
لقد ولى زمن التفرد والهيمنة فالكوردستانيون فهموا تاريخهم جيدا وعرفوا أعدائهم وأصدقائهم، وهم يبنون بلدهم كما يشهد الأعداء قبل الأصدقاء بأنهم بناة بارعون ومخلصون كما كانوا مقاتلون أشداء، وأدركوا جيدا هم وأصدقائهم وشركائهم المخلصين في الوطن إن الحياة الجديدة لم تعد تتحمل شوفينيات مولودة من أرحام متعفنة غادرها الزمن.
إن فرصة ذهبية أمامنا في إنجاز عراق جديد نتعايش فيه جميعا يضمن حقوقنا السياسية والاقتصادية والثقافية والديمقراطية، ويعوضنا عما فاتنا طيلة مائة عام تقريبا، بعيدا عن الثقافة الشوفينية أو المذهبية الضيقة أو العنصرية المقيتة، والتعامل مع ثوابت الدستور بما ينميها ويطورها في التطبيق والسلوك، والتوجه إلى كوردستان بما ينميها ويعوض خسارتها من ثروتها المسروقة وفرصها في التطور والتقدم خصوصا مع تجربتها خلال السنوات العشرين الماضية التي تمتعت فيها بقسط من الأمان والسلام، حيث أنجزت تطورا كبيرا وملحوظا في كل مناحي الحياة وبإمكانيات بسيطة قياسا لحصتها الطبيعية في الثروة الاتحادية.
إن كوردستانا قوية ومزدهرة وآمنة ستكون سندا قويا لعراق اتحادي وان أي تطور في أي جزءٍ من العراق الاتحادي هو تطور وقوة لكل هذا الاتحاد.