هكذا ننال محبة الناس
سألتني شهرزاد ذات يوم : يقولون إن رضا الناس الذي يشعرنا بالسعادة غاية لا تدرك وإنْ سعينا لذلك جاهدين فهل لذلك الرضا من سبيل ؟
اجبتها قائلا : نحن نجتهد في إرضاء كل من حولنا لننال الإهتمام وعبثا نحاول ، علينا أن نسعى لكسب محبة الناس وحسب ، فهي في متناول أيدينا إنْ عرفنا إن منبعها في داخلنا نحن ، علينا أن نفرق أولا بين صنوف الناس ، فمنهم من يكون في محيط همومنا ،وآخرون في دائرة إهتمامنا ،وصنف ثالث في ساحة التاثير المتبادل أمّا الصنف الرابع فهم خواص الخواص، وعن هؤلاء لنا حديث طويل في مقام آخر.
وأمّا الصنوف الثلاثة الأولى ففيها قول ذو شجون ،وحديث ترتسم فيه معالم الرشد والجنون، وله أثر في الذات الكبيرة،وشفاء لعلة النفس الصغيرة ، ولاندعي إننا سنجد دواء لكل علّة ، وإصلاحا لكل مِلّة ، غير أننا نستقي من تجارب الحياة عبرا ودروسا تنحاز إليها غالبية النفوس .
وحقا أقول : إن الرضا غاية لا تدرك عند عامة الناس او الخواص ، إلا الوالدين فان رضاهما رسالة رضاً من الله تعالى ،او حبيب نذر عمره فداءً لمن يحب ، غير أن محبة الناس عامة أقرب إلينا مما نتصور ، نحن لا نحتاج الى الرضا ،وهو مرتبة علوية من مراتب الحب ،كل ما نحتاج إليه أن ننال طيبة قلوبهم لنحيى بينهم بسعادة وطمأنينة ،وتلك الطيبة مُستنهَضَةٌ لامحالة إن لامست محبتنا شغاف قلوبهم .
ونحن نعلم علم اليقين أن الله قد أودع المحبة في أرواحنا التي تظلل قلوبنا ، وإن النفس لتقترب من نورها او تنحدر في ظلام الأجساد تبعا لمجاهدتنا وتصوراتنا الذهنية التي ترسم سلوكياتنا وتصرفاتنا ،لكننا نعلق اخطاءنا على مانصفه بقساوة قلوب الآخرين ، كيف لنا أن ننال محبة الناس وطيبة معاشرتهم إنْ كنّا لا نحمل هذه الصفة في نفوسنا ؟ ، غاية القول إن أحدنا ليجد الناس من حوله متآمرين عليه ، كارهين للقائه ، ساعين الى إيذائه بكل صغيرة وكبيرة، من غير أن يصارح نفسه بقول بليغ مفاده :حقيقة الامر إنني لا أحب نفسي ولا أحب الناس فلماذا يفعلون؟ ! .
وعلى هذا الاساس فان الإنسان يتحمل مسؤولية حب الناس له من عدمها ، ذلك هو جوهر القول ،وعلينا ابتداءً أن نحب أنفسنا ، ومحبة المرء لنفسه لا تعني تفضيلها على الخلق بل إدراك قيمتها وعظيم شرفها بين المخلوقات واكتشاف أسرارها وصفاتها الفريدة ، كل ما حولنا يشهد بأننا فريدون في صفاتنا وطاقاتنا وعقولنا وحسن تدبيرنا إلا نحن ، الطيور تهلل لحفنة حنطة في أيدينا ،والأشجارالتي نزرعها تظللنا وتحفنا بثمارها،والعصافير تزقزق فرحا بصباحنا المليء بإبداعاتنا ، الشمس تنير لنا مسالك الحياة ، والقمر ينعش الآمال في قلوبنا ،والملائكة تستغفر لنا،ورب السموات والأرض يسَخِر لنا في كل يوم ما لا يحصى من نعمه ويغمرنا برحمته ، والأعلام ترفرف فوق رؤسنا فخرا بأمجادنا في ميادين التنافس الشريف ، غير أننا نتجاهل تلك الصفات الفريدة ، ليست لبني البشرعن بقية المخلوقات فحسب ،وإنما لكل فرد منا ، فأحدنا يحمل من الذكاء والطاقة والقدرة على الإبداع وإعمار الأرض مالا تدركه إلا العقول العظيمة ، وما عظمتها إلا بإدراكها لقدراتنا ، فكل آدمي عظيم إنْ عرف صفاته الفريدة .
ختاما ياشهرزاد فان ْ تقدير الإنسان لتلك الصفات الخارقة لبقية المخلوقات على الأرض ، والتعرف على أسرارها أساس لتوقيرها وصولا الى محبتها ،فإن أحببنا أنفسنا بهذا المعنى وأيقنا بأن لكل الناس من حولنا صفات وطاقات فريدة في خصالها ،وقدرات إبداعها ، لامتلكنا مفاتيح قلوبهم ومحبتهم .
#شهريار_من_بغداد_وشهرزاد_من_القاهرة
للتواصل مع الكاتب : [email protected]
مُرفقان (2)