” نتيجة الحروب خلق اللصوص, ونتيجة السلام قتلهم” جورج هربرت / فيلسوف أمريكي.
عند قراءة تأريخ العراق, نرى صفحاته مليئة بالحروب, التي لم تُنتج سوى الدمار, وسفك الدماء وضياع الثروات وهدر الأموال, مما جعل من بلدنا, بؤرة يتوالد فيها الفساد, والعصابات التي لا ترغب بالسلام, كونه يولد قوة الأمن, الذي يقتل الفاسدين.
تمكن العراق من بناء دول, تُعتبر من أقدم دول المنطقة تأريخياً, فما بين الشمال والفرات الأوسط والجنوب, قامت حضاراتٌ كآشور وأكد وسومر, وسنت تلك الدول القوانين, من أجل إقامة التعايش بين أفراد المجتمع؛ فما بين مسلتي أور نمو وحمورابي, وقد كان سن القوانين ملزماً, كون الاعتقاد السائد, أن تلك القوانين كان إلهياً, في حين يمثل الملك الحاكم, الوسيط بين الإله والرعية, لإدارة شؤونهم ولم تكن حينها, ما يسمى بالقوانين الوضعية.
تطورت القوانين تدريجياً, فأصبح التدوين مُلزماً, لتسهيل الحكم وفرض السيطرة, على أمور الدولة المتعددة, وكان العراق سباقاً بذلك, وتم توحيد الدويلات, التي نشأت على أرضه, ليصبح دولة قوية, تتمتع بالرصانة الداخلية, لها ما لها من الاستقلالية, والتصدي للتدخلات الخارجية, ومع ذلك فإن الحروب لم تنتهي, فقد ظهرت دولاً مجاورة, للسيطرة على العراق, فكان عُرضة للاجتياح, من إمبراطوريات كبيرة كالرومانية والفارسية,وهما القوتان اللتان تُعدان القوتين العظيمتين, في ذلك الزمن, الذي كانت الشعوب ما بين, من يعبد الكواكب والقوى الطبيعية والأصنام, بالرغم من أن الخالق جل شأنه, أرسل الأنبياء والرسل, من أجل توحيد الأرض, تحت نظامٍ واحد وإحلال السلام, وبناء الأرض التي خلقها, لتكون عامرة بوجود آدم عليه السلام ونسله.
لم ينتهي التناحر فالمصالح الدنيوية, كانت تسيطر على أهواء, بعض من يرون أنفسهم, هم الأحق في الإتباع, فنشأت دويلاتٌ هزيلة, تحكمها قوانين وضعية, تميل لهذا الطرف أو ذاك, حتى وإن كانت تحكم, تحت شعارات دينية, إلا أنَ قوانينها, هجينٌ ما بين الدين واللادين, أداتها القوة والبطش, بكل من يعارضها, والتهم جاهزة تحت قانون, فما بين العمالة والخيانة, غصت السجون منذ الدولة الأموية, مرورا بالدولة العباسية, فقد سيطر السيف على رقاب المعارضين, ما أتنتج عبر الزمن, تَجمعات عُرفت عبر الزمن بالأحزاب, تستهوي الشعوب بشعارات براقة, ولكن جوهرها هو السيطرة الحكم, وثروات البلاد واستعباد الشعوب, حتى وإن كانت تلك القوانين, التي يسنها أولئك الحكام, تظهر بعض الاستقرار, إلا أنَّ ذلك هدفه, إحكام القبضة على الحكم.
ظهرت الجمهورية العراقية, بعد القضاء على الحكم الملكي, لنرى سيطرة الحزب الواحد, مع أن ذلك التغيير في الحكم, كان شعاراته تحرير العراق وخدمة الشعب, ليبدأ الصراع الفكري, بين الشعوبية والقومية, ويضرب عرض الحائط, الفكر الإسلامي الحقيقي, الذي يريده الخالق, فأصبح العراق امتدادا, لحكم قشرته إسلامية, وداخله علمانياً أو ليبرالياً, بقوانين ديباجتها باسم الشعب, ولبها الانتقام من الشعب, فلا سلام ولا كرامة, ولا عيش رغيد, بَل سجون وحديد, لنعود جاهلية من جديد, يقتل فيها من يريد, ويهاجر خارج الحدود, كثيراً من المعارضين, أملاً أن يعودوا لخدمة العراق.
بعد سقوط نظام صدام, كان ثمة فرحة, فالحكم أصبح ديمقراطياً, أي أن الشعب سيحكم نفسه, الأمر الذي لم يرق لمن أسقط ذلك النظام, المحتل لا يعجبه إلا الاتفاق, مع جهة معينة تحفظ مصالحه وتنفذ أوامره؛ وهناك من دول الجوار, من ينتظر الفرصة, للسيطرة على العراق الغني, بثروته ومكانته الإقليمية, التي يسيل لها لعاب كل طامع, فدست تلك الدول أذرعها, لتعيث في العراق فساداً, وبشعبه الذي يأمل بالتحرر الحرية, قتلاً وتنكيلاً عن طريق إدخال, منظمات الإرهاب العالمي, وعصابات سيطرت على مفاصل الحكم.
منذ 2003م لوقتنا الحالي, ثمانية عشر عام, قاسى العراق ما قاسى, من الحرب الداخلية, مع انتهاكات خارجية, فلا سيادة تُذكر, باعتراف من حكموا, إذ أنَّ تشكيل الحكومات, كانت تتم بموافقة هذا الطرف أو ذاك, حكوماتٌ فشلت في تحقيق الأمن, وفشلت بمحاسبة الفاسدين, بحجة المحافظة على العملية السياسية, ولم يعمل أحد على تصحيح المسار, والسبب الرئيسي, سيطرة السلاح الذي, يعمل خارج نطاق الحكومة, ومن يعترض على ذلك, تجده عرضة للتشويه الإعلامي, أ التهديد بالتصفية.
أكثر من عامين ساد العراق, من وسطه إلى أقصى جنوبه, تظاهرات واحتجاجات بدأت بحاملي الشهادات العليا, فاخترقت من قبل مندسين, ما بين ساسة شعر بعضهم, بسحب بساط الهيمنة من تحتهم, لتأتي فرصة زيارة البابا ملك الفاتيكان, وعند اجتماعه بالقادة من الساسة, أطلق جملة قال فيها ” إذا كنت تريد السلام فاعمل من أجل العدالة” بولس السادس/ ملك دولة الفاتيكان.”
العراق هو أرض الحضارة والأديان, ولا حضارة دون سلام, ألسلام هو الطريق الأصلح, للتقدم والعيش بكرامة,
لقد أكد السيد السيستاني على “أهمية تضافر الجهود, لتثبيت قيم التآلف, والتعايش السلمي والتضامن الإنساني, في كل المجتمعات، مبنياً على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل, بين أتباع مختلف الأديان والاتجاهات الفكرية”. وأشار السيستاني إلى “مكانة العراق وتاريخه المجيد وبمحامد شعبه الكريم بمختلف انتماءاته.”
العراق هو أرض الحضارة والأديان, ولا حضارة دون سلام, ألسلام هو الطريق الأصلح, للتقدم والعيش بكرامة, فهل سيعمل الساسة وأصحاب الرأي, لدرء الصدع ومحاربة الفساد, واللجوء للحوار بدل السلاح؟
” إذا كنت تريد السلام, فاعمل من أجل العدالة” بولس السادس/ ملك دولة الفاتيكان.