24 نوفمبر، 2024 5:01 م
Search
Close this search box.

رواية حب عتيق.. مخاض التغيير السياسي وتشابكاته مع شغف الحب  

رواية حب عتيق.. مخاض التغيير السياسي وتشابكاته مع شغف الحب  

 

خاص: قراءة- سماح عادل

راوية “حب عتيق” للروائي العراقي “علي لفتة سعيد” تحكي عن فترة هامة في تاريخ العراق، حيث بوادر الثورة السياسية التي أطاحت بحكم الملك وبالاحتلال البريطاني، حيث تتناول الرواية الفترة التي سبقت حدوث تلك الثورة في إحدى مدن الجنوب العراقي، والتي كانت تخضع لحكم العشائر، وقد تناولت الرواية قصص الحب في تلاحمها مع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفجرة.

الشخصيات..

عبيس: شاب فقير، ورث مهنة أبيه، حيث يحمل السلع والحاجيات للناس والتجار، وينقلها في عربته، يعيش في وحدة لكنه يرافق شابين آخرين يشكلان ثلاثيا متماسكا، يجمعهم افتقاد الحب والأمان.

ستار: رفيق عبيس، أودى به الحب إلى مصير بائس حيث قتلت حبيبته وأهله وأصبح بلا أهل، فلاذ بتلك القرية ليعيش فيها ويعمل حمالا، ويغني مساء بعد أن يحتسي الخمر بصحبه رفيقيه.

نعيم: الرفيق الثالث، وهو ابن شيخ عشيرة، كان له نفوذ وغنى، لكن الحب أوصله إلى حالة من الضياع، فأصبح متسولا يجول الشوارع وهجر أهله القرية ليعيش فيها وحيدا بلا منزل أو أهل.

بدرية: ابنه شيخ عشيرة، وهي التي رفضت حب نعيم وتسببت في بلاءه، لكنها رغم ذلك راجحة العقل وحكيمة يستشيرها والدها وزوجها فيما بعد.

محمود: فتى في بداية حياته، يأسره الحب أيضا ويفكر في أن يغير دينه لكي يتزوج ممن يحب.

سعد: مثقف، ينتمي إلى الحزب الشيوعي، أو إلى اتجاه يساري لأن الرواية لم تذكر اسم حزب وإنما توجه فكري، وهو يحاول تجميع الناس لأجل الحدث الكبير وهو التخلص من الملكية ومن الاحتلال البريطاني.

نعمان: مثقف آخر، ينتمي لنفس التوجه اليساري ويشكل مع سعد رفقة، يجتمعان في مقهى معروف في القرية ليبشران بالثورة التي ستحقق العدالة.

الرواية ثرية بشخصيات أخرى مؤثرة.

الراوي..

الراوي عليم، يحكي عن الشخصيات بالتناوب، يحكي عن أفكار الشخصيات وانفعالاتهم وأحاسيسهم، يركز في الحكي على قصص حب متعددة ومشاعر أبطالها، كما يحكي عن مخاض سياسي هام من خلال بعض الشخصيات المثقفة.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 260 صفحة من القطع المتوسط، محكمة البناء، يسير السرد في حكي متناوب عن الشخصيات، ويتنقل الحكي بين الزمن الماضي والحاضر، وأحيانا يكون الحكي على لسان الشخصيات. وجاء الحوار بالعامية العراقية، وقد استعان الكاتب بهامش لشرح معاني الكلمات العامية. وجاءت النهاية سعيدة حيث بعد توتر ومخاض يأتي التغيير الإيجابي، ليس فقط على المستوى السياسي وإنما على مستوى الأبطال أنفسهم، فنعيم يفيق من حالة الضياع التي عاشها سنوات، وستار يحدد له مستقبلا إيجابيا، ومحمود يعرف ماذا سيفعل إزاء علاقة حبه الشائكة، وبدرية تبشر زوجها رسول رغم شعوره بالقلق والخوف على مصيره كشيخ عشيرة.

حالة مخاض..

الرواية بارعة، حيث رصدت حالة المخاض التي عاشها الناس في العراق في الفترة التي سبقت أحداث تموز 1958، فقد امتد الحكي في الرواية من  منتصف العشرينات في القرن العشرين وحتى اندلاع أحداث تموز 1958، وركزت على تفاصيل ذلك المخاض، حالة السخط الشديد في نفوس الناس من حكم الملكية التابعة للاحتلال البريطاني، وحالة الفقر المادي والسياسي والاجتماعي التي سادت في البلاد. لكن الرواية ركزت على منطقة محددة اختارت أن تحكي عن الناس فيها وهي مدينة “سوق الشيوخ”، والتي تعد مدينة عريقة يمتد تاريخها إلى العصر القديم عصر الحضارة والتقدم.

تفاصيل تلك المدينة التي فصلت الرواية في رصدها أنها تخضع لحكم العشائر، وأن الانتساب القبلي هو الأهم، حيث يفخر الفرد بانتسابه إلى عشيرته، ويكن التقديس والاحترام لشيخ العشيرة وبالتالي تسود أخلاق وقيم العشائر، وتحدث الحروب والصراعات والمشادات على أساس حكم العشائر.

ومن يخرج عن تقاليد العشيرة يحكم عليه بالضياع مثلما حدث لستار، وتبين الرواية كيف ساهم الحكم العثماني  في تكريس نظام العشائر بإعطاء الأراضي لشيوخ العشائر الذين يتبعون الحكم العثماني ويهادنونه، ثم استمر الاحتلال البريطاني في تلك السياسة حيث كانوا يشترون رضى شيوخ العشائر بمنحهم للأراضي ليظهر نظام إقطاعي كبير خاصة في القرى والمناطق البعيدة عن العاصمة بغداد.

لكن مع ذلك لم يكن جميع شيوخ العشائر موالين للحكم العثماني أو للاحتلال البريطاني وبالتالي الحكم الملكي الذي رسخه، بل كان هناك شيوخ عشائر شرفاء لم يتعاونوا مع الحكم العثماني أو الاحتلال، وإنما حافظوا على استقلالهم واستقلال العشائر التي يحكمونها، بل وساهم كثير منهم في أحداث تمرد وثورات وأكبر مثال على ذلك ثورة العشرين التي شارك فيها شيوخ عشائر، وكذلك انتفاضة 1935 وقد كان رد الفعل الحكم قاسيا وعنيفا، حيث كانوا يقتلون بوحشية من يتمرد على نظام الحكم، يتساوى في ذلك العثمانيين والبريطانيين.

الشيوعيون والبعثيون..

كما رصدت الرواية ببراعة بداية نمو اتجاهين فكريين سوف يتسلمان مصير العراق بعد ذلك، وهم التيار الشيوعي والتيار البعثي، وتحكي الرواية عن بدايات نمو هذين الاتجاهين في مدينة “سوق الشيوخ” حيث يتجمع أفراد  كل اتجاه في مقهى معروف يحاولان ضم الناس إليهم، وتبشير الناس بالثورة ونهاية الحكم الملكي والاحتلال، لكن مع ذلك تظهر بوادر الصراع بين الاتجاهين واضحة للعيان. وتظهر أيضا نوايا أفراد ذلك الاتجاهين، حيث يعرف حتى الكادحين والذين لا يملكون أي قدر من المعرفة أن هذين الاتجاهين يسعيان للحصول على السلطة أكثر من سعيهما إلى أحداث تغيير مجتمعي حقيقي، حيث تحكي الرواية عن فئتين من الناس فئة الكادحين والمتمثلين في (عبيس- ستار- نعيم) وفئة المثقفين والمتعلمين متمثلين في (سعد – نعمان – محمود). وتبين الرواية مدى الاختلاف بين الفئتين في رؤيتهم للواقع وتداعياته.

علاقات الحب..

كما ينتظم مع هذا الحكي عن الأجواء السياسية والاجتماعية قبل أحداث تموز حكي عن علاقات الحب، والتي تتأثر بشكل كبير بهذه الأجواء، فحكم الشعائر يقوم بقمع بعض علاقات الحب وإجهاضها وملاحقة أفرادها أو التسبب في ضياعهم، كما يؤدي الفقر والعوز إلى التأثير على علاقات أخرى، وأيضا الأفكار العشائرية التي ترفض التعدد والتسامح وتكرس لفكرة تقديس الأديان وتقديس الانتماء القبلي. تؤدي تلك الأفكار إلى إفشال علاقات أخرى مثل علاقة نعمان الذي أحب فتاة مسيحية وخاف من أن يتزوجها لأن ذلك سيؤثر على حياته ومستقبله، لأنه خاف من الهجرة وترك أهله واختار أن يعيش في وطنه على أن ينتصر لحبه. بينما محمود اختار أن يغير دينه حيث ينتمي إلى الصابئة لكي يفوز بحبيبته، ولم يعارضه والداه وإنما تركا له حرية اختيار مصيره.

الرواية تعتمد أيضا على لغة عذبة أقرب إلى اللغة الشعرية، وعلى رسم حي وعميق للشخصيات وصراعاتها النفسية والفكرية، كما تحكي بالعامية العراقية التي لها سحر خاص، وتحكي عن الحب بشكل حميمي.

الكاتب..

“علي لفتة سعيد” روائي وقاص وشاعر وناقد وصحفي عراقي، ولد بمدينة سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار عام 1961. وهو عضو اتحاد الأدباء العرب، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وعضو عامل في نقابة الصحفيين العراقيين، ويعمل محررا ومراسلا في جريدة الصباح العراقية

وينشر في عدد من الصحف العراقية والعربية في البلدان العربية ودول المهجر.

صدر له:

في الرواية

  • 1 – وشم ناصع البياض  بغداد 2000.
  • 2- اليوم الأخير لكتابة الفردوس بغداد 2002.
  • 4- الصورة الثالثة  2015  الأردن.
  • 5- مواسم الإسطرلاب 2004  بغداد.
  • مثلث الموت 2016    بغداد.
  • السقشخي 2017    مصر.
  • مزامير المدينة 2018  مصر.
  • فضاء ضيق 2019   مصر.
  • حب عتيق 2020 الهيئة المصرية العامة للكتاب.
  • قلق عتيق
  •  البدلة البيضاء للسيد الرئيس 2021  مصر.

وله إصدارات في القصة وفي الشعر وفي المسرح وفي النقد.

الجوائز..

1-  الجائزة التقديرية عام 1989 عن مجموعة اليوبيل الذهبي / دار الشؤون الثقافية.

2- جائزة الإبداع لعام 1998 عن مجموعة قصص بيت اللعنة.

3- جائزة الرواية القلم الحر/ مصر عن رواية مواسم الاسطرلاب عام 2015.

4- جائزة مصطفى جمال الدين عن قصة قصيرة عام 2016.

5- جائزة توفيق بكار- تونس 2020 عن رواية حب عتيق.

طبعت رواية “حب عتيق” ثلاث طبعات في العراق عن مؤسسة ثائر العصامي للطباعة والنشر، وفي تونس والقاهرة. وقد فازت بالجائزة الثانية في الدورة الثانية لمسابقة “توفيق بكار التونسية للرواية العربية” التي ترعاها وزارة الثقافة التونسية من بين 52 رواية عربية شاركت في المسابقة من مختلف الدول العربية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة