يعد التعليم التقني الجامعي في البلدان المتقدمة كلها الركيزة الاساسية لتزويد سوق العمل بالمهارات الجامعية المدربة والتي حظيت بدراسة جامعية نظرية وعملية وتدريب فني عالي ومتميز ومن ثم فأنها تتميز بدرجة عالية من المعرفة العلمية التي تواكب العصر وتطور الزمان من حيث تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتقنيات الهندسة بكل فروعها المتعددة كالقدرة الكهربائية وهندسة تقنيات الحاسوب من شبكات واتصالات وبرمجيات ، فضلا عن هندسة تقنيات الاجهزة الطبية كتقنيات البصريات والكسور والاطراف الصناعية والتحليلات المرضية وتقنيات صناعة الاسنان ووقايتها وتقنيات الاشعة الملونة والسونار والرنين . بالإضافة الى التقنيات الادارية والمالية الحديثة كتقنية المعلومات الادارية والاحصاء والمحاسبة والمصارف والمكتبات والادارة القانونية ومختلف التقنيات التكنولوجية المتقدمة ، والتي اسهمت بشكل فاعل في نقل الحداثة لمجتمعاتنا العربية ومنها العراق .
يحظى هذا النوع من التعليم بقدر كبير من الاهتمام في معظم البلدان المتقدمة والتي تلعب دورا بارزا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمختلف مراحلها ونقل البلاد اذا ما توافرت لها الفرص من بلد متخلف ومتأخر عن ركب التطور العالمي الى بلد متقدم وقادرا على تجاوز كل مراحل التخلف بسنوات قليلة جدا .
وفي واقع الحال يتعرض التعليم التقني الجامعي في عدد قليل من الدول الى نوع من عدم الاهتمام نتيجة الى قصور في الرؤى والافكار ومن ثم القصور في اعداد السياسيات اللازمة تبعا لذلك . وذلك بسبب عدم ادراك مكانة التعليم التقني الجامعي ودوره الفاعل والكبير في تطوير الواقع الاجتماعي والاقتصادي . ومن أفضل الجامعات التقنية في العالم هي جامعة ستانفورد وجامعة هارفرد ومعهد كاليفورينا للتقنية وجامعة اوكسفورد وجامعة كامبريدج وجامعة ماساتشوستس للتقنية في امريكا والمعهد السويسري الفيدرالي للتقنية ، وكذلك تميزت الصين على سبيل المثال بأفضل عشرة جامعات تقنية كأمثال جامعة بكين وجامعة فودان وجامعة العلوم والتكنولوجيا التقنية وجامعة شنغهاي جياو تونغ وجامعة ووهان ، فضلا عن العديد من الجامعات التقنية في البلدان العربية ، ومن بين هذه الجامعات التقنية العربية برزت وتميزت الجامعة التقنية الوسطى في العراق ، لما تحمله من أرث تاريخي علمي طويل أمتد لأكثر من خمسون عاما فهي وريثة هيئة التعليم التقني في العراق والتي كان لها دورا رائدا في رفد القطاعات الاقتصادية والانتاجية الحكومية وغير الحكومية بالطاقات الشابة ذات المهارات العالية والكفاءات العلمية والعملية والفنية ، فتطورت في العراق على أثرها خلال العقود الماضية القطاعات الصناعية والصحية والزراعية والخدمية والادارية المختلفة .
ونحن نقف اليوم على أعتاب تاريخ جديد تسجله الجامعة التقنية الوسطى بما تحققه من انجازات كبيرة يصعب ذكرها ، لما تتميز به من قيادة حكيمة وحريصة على التطوير والتنمية المستمرة وفق خطط علمية مدروسة وسياسات عامة محكمة تمكنت من خلالها من تحقيق الجودة في الاداء والجودة في المخرجات الفنية التقنية في مختلف التخصصات . كما وحققت الجامعة من خلالها على مراكز متقدمة في التصنيفات العربية والعالمية عبر كلياتها التقنية المتميزة والتي كان من بينها الكلية التقنية الهندسية الكهربائية التي استطاعت من نشر ما يقارب 300 بحثا علميا في المجلات العالمية الرصينة ذات معامل تأثير عالي سكوبس وكلارفيت .
وامام هذه المعطيات تبرز لنا أهمية التعليم التقني في العراق برغم من التحديات الصعبة والكبيرة التي تواجه التعليم في البلاد بسبب جائحة كورونا وما ترتب عليها من أثار ليس على العراق فحسب وانما على العالم بأسره . بأنه ركن أساسي من أركان التعليم العالي في نقل الحداثة الفنية والتقنية والتكنولوجية للبلاد وتطويرها وفقا لحاجة البلاد الاساسية .