دعا رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، إلى حوار وطني بين القوى السياسية وبين الشباب المحتجين. وقال: “على أساس هذه المسؤولية التاريخية، وفي أجواء المحبة والتسامح التي عززتها زيارة قداسة البابا لأرض العراق، أرض الرافدين، نطرح اليوم الدعوة إلى حوار وطني لتكون معبرا لتحقيق تطلعات شعبنا“، “إننا ندعو جميع المختلفين، من قوى سياسية وفعاليات شعبية وشبابية احتجاجية، ومعارضي الحكومة، إلى طاولة الحوار المسؤول أمام شعبنا وأمام التاريخ، وندعو قوانا وأحزابنا السياسية إلى تغليب مصلحة الوطن، والابتعاد عن لغة الخطاب المتشنج والتسقيط السياسي، وإلى التهيئة لإنجاح الانتخابات المبكرة، ومنح شعبنا فرصة الأمل والثقة بالدولة وبالنظام الديمقراطي“.
ومرة أخرى، وكما عودنا منذ جلوسه على كرسي الرئاسة، لا يكف عن إطلاق الوعود الكبيرة التي لا مكان لها إلا في أحلام اليقظة وحدها.
فهو يريد أن يجمع الماء والنار في إناءٍ واحد، وهو العارف، أكثر من غيره باعتباره كان رئيسا للمخابرات، بأن جميع الذين يدعوهم إلى حواره (الوطني) ليسوا أكثر من مندوبين معتمدين من حكومات وأجهزة مخابرات أجنبية، وأن كلامهم وأفعالهم محسوبة عليهم بدقة، ولا يملك أيٌ منهم حرية الخروج عن الصراط المستقيم الذي رسمه له سيده القابع وراء الحدود، وارتضى أن يكون من عبيده.
وحوار الكاظمي اليوم يذكرنا بمصالحة رئيس الجمهورية السابق فؤاد معصوم، أمس. فقد أصرّ، يومَها، ومعه نائبُه أياد علاوي ورئيس وزرائه حيدر العبادي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، على تدوير اسطوانة المصالحة الوطنية، وأغدق عليها الملايين من الدولارات من خرينة تمرّ بأسوأ حالاتها، وهو يعلم وهم يعلمون بأن لا مصالحة في العراق بين العراقيين، بل هي مطلوبة بين الحكومات الخارجية التي لا تتصالح ولا تتسامح، إلا بمقدار.
فمَن هو المختلف مع مَن، لكي يسعى رئيس الوزراء إلى جمعهما على طاولة حوار واحدة لتحقيق المصافحة بينهما، ثم يتوقف القتل والنهب وتفجير المفخخات، وتستعيد الخزينة عافيتها، وتمتليء بأكوام الدولارات، من جديد، ويصحو العراقيون على تغريد العصافير وأصوات الموسيقى تملأ الساحات والميادين بدل قعقة السلاح المجاهد المهيمن القدير؟
فمن أيام المعارضة العراقية السابقة، وقبل الغزو الأمريكي بأكثر من عشر سنوات، كان رؤساء الكتل والأحزاب والمليشيات يتحدثون عن المصالحة وعن “تغليب مصلحة الوطن، ومنح شعبنا فرصة الأمل والثقة بالدولة والنظام الديمقراطي”. ثم حين أسقط لهم الأمريكيون نظام عدوهم صدام حسين رأينا ولمسنا وعرفنا ماذا كان يعني لديهم الوطن، وماذا كانت تعني الوطنية، ولا يستحون.
حسنا. سنؤيد حوار الكاظمي، ونبارك جهوده، ولكن بشرط ألا تكون المصالحة التي يدعو إليها مصافحةً بين زعيم وزعيم، قائد مليشيا وقائد مليشيا، مختلس ومختلس، ثم يتفق المتحاورون على أن يؤخذ من نصيب هذا لترضية ذاك، وتُسحب هذه الوزارة من هذا الحزب لتُهدى لحزب غيره. فنحن نريدها مصالحة صادقة وجادة وحقيقية بين الشعب العراقي والشعب العراقي نفسه.
فإذا كان الرئيس الكاظمي أصحب سلطة وقوة واقتدار، فليتكرم ويتعطف ويأمر بتحقيق هذه الأمور التي بدونها لن تكون المصالحة إلا نوعا من الكلام الفاضي الذي لا يُسمن ولا يغني من جوع:
– إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين والأسرى والمحتجزين.
– تعويض المتضررين عن كل ما أصابهم، من أول أيام الغزو الأمريكي، إلى أيام مجلس الحكم، ثم رئيس وزراء نقل السيادة أياد علاوي، فنوري المالكي فحيدر العبادي فعادل عبد المهدي، فـ (مام جلال) و(كاكا مسعود)، وقاسم سليماني فاسماعيل قاءاني، وصولا إلى حكومة مصطفى الكاظمي الأضعف من كل ما مر من حكومات.
– سحب سلاح المليشيات، وترشيد عمل الأجهزة الأمنية والمخابراتية، والاستعانة بقوات دولية محايدة لحفظ الأمن لحين إجراء انتخابات جديدة، واختيار حكومة منتخبة.
– إغلاق جميع المساجد والحسينيات التي ثبت بالأدلة والوقائع المؤكدة أنها بؤرٌ تقوم بتجهيل المواطنين، وتضليلهم، ونشر الخرافات والتلفيقات، وترويج الأحقاد.
– منع تدريس حوادث التاريخ الخلافية في جميع مراحل الدراسة، ومعاقبة من يخالف ذلك، وخاصة من يُسفه عقائد الآخرين ومقدساتهم .
– ترشيد الإعلام العراقي، ووضع قوانين مشددة تعاقب الفضائيات والإذاعات والصحف على أي نوع من أنواع التحريض على العنف والكراهية، وتعميق الاختلافات الطائفية والقومية والدينية بين العراقيين.
– وضع أنظمة ولوائح محكمة واضحة لتعيين الموظفين، وتحديد سلم رواتبهم.
– مطالبة حكومات الدول الشقيقة والصديقة بتزويد الحكومة العراقية بكشوف أملاك المواطنين العراقيين، واموالهم في مصارفها ومؤسساتها المالية كافة.
– إلغاء جميع العقود التجارية والعسكرية والصناعية التي وقعها وزراء مشكوك في نزاهتهم، لحين قيام الحكومة الجديدة بتدقيقها وإقرارها.
– تنظيم العلاقة الإدارية والاقتصادية والأمنية والعسكرية بين حكومة المركز والاقليم والمحافظات، وحصر العلاقة بحكومات الدول الخارجية جميعها بدولة العراق الموحدة ومؤسساتها.
– محاكمة أي مسؤول، كبيرا كان أو صغيرا، ثبت عليه جرم من أي نوع، سواء كان اختلاسا أو إساءة استخدام سلطة أو تآمر أو تسهيل احتلال أو تهجير مواطنين أو اعتقال آخرين بدون حق.
– الأمر باستعادة قطع الأراضي والمباني العامة التي احتله حزب أو زعيم تنظيم أو رئيس مليشيا، أو أهداها رئيس أو وزير.
– وقف ضخ النفط من جميع موانيء العراق، مؤقتا، إلى أن يتم تعيين مسؤولين آخرين من أصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة.
بعد هذا كله سيصبح الحوار (الوطني) ممكنا وناجحا وفاتحة خير وصحة وعافية وسلام. فهل هذا ممكن يا رئيس الوزراء؟.