تتوالى الدعوات بين فترة واخرى لعقد مؤتمر وطني موسع يرسم خارطة طريق ، كما يفترض ،لبناء العراق بعد كل الخراب الذي اصابه بعد الاحتلال وافرازاته واشهدها خطراً المحاصصة بمختلف انواعها وتسمياتها .. اخر هذه الدعوات ما اعلنه رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي قبل ايام سبقها دعوة رئيس الجمهورية برهم صالح الى ما اسماه العقد الوطني ، وهي جميعا تلقى ترحيباً من قبل المواطن المسكين الذي يتحمل دون سواه ما يشهده العراق من اوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية متردية ، غير ان من المجحف بحق هذا المواطن والاستهانه بعقله اطلاق مثل هذه الدعوات من دون ان يسبقها تحضير لا نضاجها و توفير قاعدة صلبة لنجاحها لكي لا تفشل كسابقاتها منذ مؤتمر القاهرة الذي رعته الجامعة العربية عام 2005 وما تلاه من مؤتمرات لما وصفوها بالمصالحة الوطنية وغيرها من التسميات التي جرفتها رياح حب الاسئثار والانانية والنفعية وهي صفات الاحزاب الطائفية المهيمنة على المشهد السياسي منذ الاحتلال الى اليوم .. وبصراحة متناهية فان اول شروط انجاح اي حوار وطني هو الايمان بضرورته وهو ما لا يتوفر في سياسي الصدفة الفاشلين لانهم يخشون على مصالحهم وامتيازاتهم اذا ما تحققت فعلا مثل هذه الحوارات الوطنية وقطعت حتى ولو اشواطا بسيطة على طريق تحقيق هدفها الكبير المتمثل باعادة الحياة للديمقراطية ومبادئها التي اغتالتها الاحزاب الطائفية بتعمد واصرار . وبرغم ان دعوة الكاظمي الى عقد مؤتمر وطني في بداياتها ، فان المتابع يلمس من خلال ردود افعال الاحزاب الاسلاموية الطائفية محاولات لقتلها في مهدها تارة بالتلميح او التصريح برفض الحوار مع اطراف معارضة للعملية السياسية او اشتراط خروج القوات الاجنبية التي هي من سلمتهم سلطة لايحلمون حتى بالاقتراب منها على طبق من ذهب وغير ذلك من المواقف المتسمة بروح الكراهية والانتقام المتناقضة والمتاقطعة مع اي توجه حقيقي لبناء مجتمع متماسك تسوده قيم السلام !
ومن اجل طريق صحيح ومجدي لحوار وطني صريح لابد اولا من فتح حوار حقيقي مع شباب تشرين الابطال الحقيقيين بعيدا عن تلك العناصر التي اخترقتها الاحزاب وارتضت ان تعمل كواجهات لها للالتفاف على اهداف الانتفاضة الشعبية السلمية وتمييع مطالبها بل الانحدار بها من ( نريد وطن ) الى مطالب بالتعيينات وتقديم الخدمات .. فتلك العناصرفقدت احقيتها في تمثيل ثوار تشرين وشهدائها ، اضافة لفرض هيبة السلطات ونزع السلاح من جهات ما زالت تعمل وكأنها فوق اي قانون ، والا كيف يمكن ان يأمن المعارض للعملية السياسية على نفسه بوجود سلاح منفلت تتحكم به اطراف سياسية معروفة تعتقد انها الامر الناهي والوصية على الواقع السياسي لعراق ما بعد الاحتلال .. وقبل ذلك وكما اشرنا سابقا فلابد من توفر ايمان عند احزاب السلطة بجدوى وضرورة الحوار الوطني وهذا يحتاج منها الى تضحية وشجاعة تدفعها للتخلي عن عقلية الاسئثار بالسلطة وهو ما لانتصور امكانية تحقيقه حتى بالاحلام !!وهنا يكون الخيار بالتحرك على احزاب وشخصيات وطنية مقبولة بامكانها اجراء حوارات مع شخصيات واحزاب وطنية معارضة خارج العراق وبالتأكيد ان تلك الحوارات لاتشمل من تلطخت ايديهم بدماء العراقيين او ممن يحملون افكاراً متطرفة تلغي الاخرين .
ان نجاح اي حوار يتطلب شروطاً واسساً ومقومات وهو ما نتمنى على الكاظمي العمل عليها اذا كان جادفعلا فيه مع قناعتنا بان تحقيقها صعب جداً في ضوء عقليات احزاب السلطة المحاصصاتية لكنه ليس بالمستحيل اذا ما توفرت النيات الصادقة .