15 نوفمبر، 2024 5:47 م
Search
Close this search box.

متاهات قانون الانتخابات والخيارات المطروحة  

متاهات قانون الانتخابات والخيارات المطروحة  

 منذ شهرين او اكثر، والجدل والسجال في داخل اروقة مجلس النواب العراقي، وفي اروقة سياسية اخرى لم ينقطع بشأن قانون الانتخابات الجديد المطرح للبحث والنقاش، من ثم للتصويت عليه حتى تجري وفقا له الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر اجراؤها في اواخر شهر نيسان-ابريل المقبل 2014.
  وبدلا من ان تضمحل وتتلاشى الخلافات والاختلافات بين الفرقاء راحت تتسع وتتعمق، لتزيد من حدة الاستقطابات في المشهد السياسي العراقي العام. 
  ويعكس ذلك في جانب منه حالة انعدام او اهتزاز الثقة بين الفرقاء وفي جانب اخر منه يعكس قلق الكبار من الاحتفاظ بمواقعهم ومساحاتهم التي تتيح لهم البقاء في مركز النفوذ والهيمنة والتأثير، وقلق الصغار من تهميشهم وابعادهم واقصائهم بالكامل من المشهد.
   واذا اعتبرنا ان الاكراد يمثلون احد الاطراف السياسية الكبيرة والمؤثرة في المشهد السياسي العام، واذا اقررنا بقلقهم الكبير، وطموحهم الاكبر، واذا اتفقنا على ان حجم الخلافات والاختلافات بين الاكراد واطراف سياسية اخرى غير قليل، فعندذاك يمكن ان نفهم حقيقة وخلفيات وظروف الموقف الكردي حيال قانون الانتخابات المطروح، دون ان يعني ذلك ان الاكراد وحدهم الذين يعدون اليوم عقبة امام تمرير القانون بأسرع وقت، بيد انهم الطرف الابرز والاكبر في ذلك الامر.
   في الواقع تتمحور الخلافات والاختلافات بشأن القانون حول جملة من المسائل هي:
-اعتماد القائمة الانتخابية المفتوحة ام المغلقة؟.
-جعل العراق دائرة انتخابية واحدة كما كان عليه الامر في انتخابات عام 2005، ام دوائر انتخابية متعددة كما حصل في انتخابات عام 2010؟.
-نسبة المقاعد التعويضية، وطريقها حسابها… ارتباطا بنسبة الاصوات، ام بنسبة المقاعد؟.
-محافظة كركوك.. هل تجرى فيها الانتخابات حالها حال محافظات العراق الاخرى، ام تبقى لها خصوصيتها وظرفها الاستثنائي؟.
   كل هذه المسائل التي جعلت الاكراد يبدون وكأنهم في واد والاخرين في واد اخر، اذا لم يتم حسمها بطريقة ما، فأن مصير الاستحقاق الانتخابي المقبل سيبقى معلقا وغامضا، وفي مهب الريح!.
   فالاكراد يريدون القائمة المغلقة لانها بنظرهم تتيح لهم تحديد خياراتهم مسبقا، وربما تتفق معهم بقدر معين اطراف اخرى، اي ان مساحة الخلاف والاختلاف بشأن هذه المسالة قد تكون اقل من المسائل الاخرى، فخيار الدائرة الانتخابية الواحدة، يعد بالنسبة للاكراد امرا مهما وغير قابل للنقاش، وهم ينطلقون من حقيقة، انه بأمكانهم ان يحصلون على نسب لابأس بها من الاصوات في محافظات وسط وجنوب العراق لاسيما بغداد وديالى وواسط وميسان، في ذات الوقت فأن المعارضين لخيار الدائرة الواحدة يدركون انه في مقابل قدرة الاكراد على كسب اصوات من خارج نطاق واقعهم الجغرافي والقومي، فأن الاخرين لايمكنهم كسب اصوات من اقليم كردستان.
   وبالنسبة للمقاعد التعويضية فأنه وان كانت هناك عدة اطراف، لاسيما الكبيرة تحبذ رفع نسبتها ، لان ذلك يتيح لها دفع شخصيات حزبية لم تنجح في الحصول على العدد المطلوب من اصوات الناخبين الى البرلمان، فأن الخلاف الجوهري بين الاكراد والقوى السياسية الاخرى، على كيفية حساب المقاعد التعويضية، فالاكراد، وبما ان نسبة التصويت تكون في الغالب عالية في محافظاتهم، يريدونها تحسب وفق نسبة الاصوات، بينما الاخرين، وبما ان نسب التصويت تكون منخفضة في محافظات الجنوب والفرات الاوسط، وكذلك المحافظات الغربية، فأنهم يصرون على حساب المقاعد التعويضية وفق نسب المقاعد لا الاصوات.
   وكركوك هي الاخرى، من المسائل الجدلية الشائكة، فالاكراد يحاولون فرض خيار جراء الانتخابات فيها، لان واقعها الحالي يصب في صالحهم، في حين ان عربها، والمكونات السياسية الممثلة لهم يرفضون هذا الخيار جملة وتفصيلا.
    وفي خضم الاستقطابات الحادة في المواقف والتوجهات لاتلوح في الافق بوادر اتفاقات وتوافقات، ولعل هروب البرلمان الى الامام، من خلال ارجاء التصويت على قانون الانتخابات الى ما بعد عطلة عيد الاضحى وسط تبادل الاتهامات واطلاق التهديدات والتلويح بالانسحاب، يمثل مؤشرا ودليلا على عمق الازمة.
   ففي الوقت الذي يؤكد الاكراد انهم سيقاطعون الانتخابات البرلمانية المقبلة في حال لم تؤخذ مطاليبهم بنظر الاعتبار ، وقد جاء ذلك التأكيد على لسان رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني وقيادات وشخصيات سياسية كردية اخرى من داخل البرلمان ومن خارجه. في ذات الوقت ظهرت تهديدات مماثلة من قوى وشخصيات سياسية من اطراف مختلفة بالانسحاب من البرلمان ومقاطعة الانتخابات المقبلة والعملية السياسية برمتها في حال خرج قانون الانتخابات مثلما يريد الاكراد.
  والنقطة المهمة والجوهرية في هذا السياق، ان اجراء الانتخابات في الموعد المحدد، وهو قبل خمسة واربعين يوما في اقصى تقدير، من انتهاء عمر الدورة البرلمانية الحالية، التي تنتهي في 22-حزيران/يونيو-2014، يتطلب شروع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بأجراءاتها وتحضيراتها الفنية، وهذه الخطوة لايمكن الشروع بها من الناحية الفعلية قبل حسم الامر من قبل البرلمان، واي تأخير من قبل الاخير، يعزز فرص تأخر اجراء الانتخابات في موعدها المفترض.  
  ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه هنا  هو … كيف سيكون المخرج من هذه الازمة وماهي الخيارات المطروحة؟.
   في الواقع يمكن للمتابع ان يؤشر من خلال جدل وسجال الفرقاء ثلاثة خيارات:
الاول: تأجيل الانتخابات لفترة غير معلومة، وتحقق هذا الخيار يمثل نكوصا خطيرا ومقلقا للعملية السياسية في العراق، وفقدان الغطاء الشرعي القانوني لسلطات الدولة التنفيذية والتشريعية، ورغم انه لم يبد اي طرف رغبته بتأجيل الانتخابات، الا ان بعض مايطرح خلف الكواليس يؤشر الى وجود مثل تلك الرغبة لدى هذا الطرف السياسي او ذاك.
الثاني: طرح مشروع قانون الانتخابات بصيغته الحالية، مع اجراء تعديلات طفيفة عليه، للتصويت في البرلمان، اي اللجوء الى مبدأ الاغلبية لا مبدأ التوافق، وهذا يعني مزيدا من الاحتقان والتشنج  ويمكن ان يفتح الباب واسعا لحدوث اهتزازات وتصدعات خطيرة في العملية السياسية، لاسيما في حال نفذ طرف سياسي كبير ومؤثر مثل الاكراد تهديداته بمقاطعة الانتخابات، او الانسحاب من البرلمان الحالي.
الثالث:العودة الى القانون الذي اجريت على ضوئه الانتخابات البرلمانية السابقة في عام 2010، اي اعتماد الدوائر المتعددة والقائمة المفتوحة وابقاء كركوك بعيدا عن الاستحقاق الانتخابي، واعتماد نسبة خمسة بالمائة للمقاعد التعويضية.
   ومن غير الواضح فيما اذا كان اصرار كل الكتل السياسية على عدم العودة الى القانون السابق في الانتخابات المقبلة يعكس المواقف الحقيقية لها، ام انه نوع من الضغط المتبادل والمزايدات السياسية ليس الا.
   ويبدو انه من الان حتى الى مابعد عطلة العيد ستبقى صورة المشهد غامضة رغم ان الحراك خلف الكواليس لن يتوقف، وان اطرافا دولية مثل الامم المتحدة وقوى دولية واقليمية يمكن ان تدخل على الخط بطلب من اطراف عراقية، وربما ينتقل الحراك ويمتد الى خارج كواليس بغداد، مع اهمية الاشارة الى نقطة جديرة بالاهتمام، الا وهي ان المرجعية الدينية في العراق لها رأي واضح بشأن قانون الانتخابات، يتلخص في اعتماد القائمة المفتوحة  والدوائر الانتخابات المتعددة، ولعله من غير الممكن القفز على رأيها ورؤيتها.
  ويبقى الخيار المنطقي والمعقول والممكن هو العودة الى القانون السابق، كمخرج للازمة، بدلا من مواجهة الطريق المسدود.. وهذا مايتهامس به بعض الفرقاء بعيدا عن عدسات التلفاز، واجهزة التسجيل، ومكبرات الصوت!.
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات