لم يكن الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب حالة عابرة في السياسة الامريكية, فترامب المتهور -كما يصفه بعض الاعلاميين والسياسيين- ما هو الا مظهر من مظاهر العنجهية الامريكية, وتأكيد لحقيقتها المتغطرسة, ولكنه يختلف عن بقية الرؤساء الامريكان بانه اظهر هذه الحقيقة علنا, ضاربا بذلك السلوك الامريكي الناعم والداعم بالظاهر لحقوق الانسان, وحماية البيئة, والحفاظ على التراث, والاهتمام بالصحة.
خرج ترامب من اغلب المنظمات والاتفاقيات الدولية, فقد غادر اتفاقية المناخ, وسحب الدعم عن منظمة الصحة العالمية, واوقف الدعم عن المنظمات الداعمة للمهاجرين, وضرب الاتفاق النووي الايراني عرض الجدار.
ورث الرئيس الحالي جو بايدن هذه التركة الثقيلة من العلاقات الخارجية المرتبكة, وسعى منذ اول يوم تنصيبه للعمل على معالجة تهورات ترامب وتحسين صورة امريكا المهتزة, ومع خبرة بايدن بالشؤون الدولية -بصفته نائب سابق للرئيس اوباما- فإننا نرى انه سيعالج هذه الملفات تباعا ليخرج منها باقل الاضرار.
امام جو بايدن مشاكل دولية عديدة اقتصادية وسياسية وامنية, وتقف الصين في طليعة التهديد الاقتصادي, فيما تقف روسيا في طليعة التهديد السياسي, بينما تقف منطقة الخليج في طليعة التهديد الامني.
بادر بايدن للهجوم على الصين, وشن نقدا لاذعا لرئيسها شي جين بينغ حيث وصفه بأنه”لا يتمتع بذرة واحدة من الديمقراطية”, وقال بايدن ايضا “ان لم نواجه الصين فإنها ستأكل غداءنا” ثم تلاها بالهجوم السياسي على روسيا, حيث شن هجوما على نظيره الوسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر ميونخ للأمن حيث عبر عنه “أنه يسعى إلى إضعاف المشروع الأوروبي وحلف الناتو, وأشار إلى أن موسكو تقوم بمخاطر كثيرة وأنه يجب مواجهتها”.
وأكد بايدن على ضرورة مواجهة الهجمات الروسية الإلكترونية باعتبارها “أمر مهم لحماية الأمن الجماعي”.
وفيما يخص منطقة الخليج فقد قال بايدن خلال مؤتمر ميونخ للامن ” إن واشنطن لن تسمح بعودة تنظيم داعش إلى منطقة الشرق الأوسط والعراق تحديدًا” فيما شدد على “ضرورة مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة”.
المسارات التي سيتخذها بايدن نعتقد ستسير بثلاث طرق.
اولا مواجهة الصين: يعلم بايدن قبل غيره ان الصين تعد الصاروخ الاقتصادي المنطلق بسرعة, وان خبراء الاقتصاد اجمعوا ان الصين ستكون الاقتصاد الاول عالميا في عام 2030, ولغرض مواجهة هذا الصعود وبعيدا عن – الصِدام المباشر- فقد عمد بايدن الى العودة لاتفاقية المناخ, ومهاجمة الصين من خلالها, باعتبارها من اكثر الدول التي تسهم في انبعاث الغازات, لذا سيستغل بايدن اتفاقية المناخ لايقاف عجلة الصين عن الدوران, وتأخيرها عن تصدر الاقتصاد العالمي.
ثانيا سيكون المسار الثاني لمنطقة الخليج بطريقين فالاول هو التفرغ من العراق, وايكال المهمة الامنية فيه لحلف شمال الاطلسي –الناتو- وبوادر هذا الفعل ظهرت بإعلان الناتو عن زيادة قواته من خمسمائة جندي الى خمسة الاف, والهدف من هذا هو سحب الضغط عن امريكا, بعد تكرار الهجمات على قواعدها من قبل فصائل المقاومة.
الطريق الثاني من مسارات ملف الخليج سيكون مخصصا لإيران وملفها النووي, ونرى ان الادارة الامريكية ستتجه للتفاوض المباشر مع ايران, ويبدو انها – امريكا- ذاهبة باتجاه رفع العقوبات عن الجمهورية الاسلامية في ايران والعودة للاتفاق النووي.
الثالث: سيكون المسار الثالث هو التفرغ لمواجهة روسيا, وتحييد دورها السياسي والامني, وسيكون السجال بين الدولتين كبيرا جدا, ويبدو ان الامور ستتجه الى مرحلة كسر العظم بينهما, ونتوقع ان تكون مواجهة مباشرة خاطفة وسريعة بين الدولتين, وسيكون لبلاد الشام نصيبٌ من هذه المواجهة, والتي اخذت امريكا تؤكد وجودها من خلال بناء قواعد جديدة لها في الشمال السوري.
العالم مقبل على احداث جِسام, ويبدو ان مشروع اعادة توزيع القوى وتوازنها سيأخذ طريقه للتنفيذ, والذي سيفضي اما الى تقهقر القوى العالمية التقليدية وانكفاءها, او الاتجاه للقطبية العالمية الواحدة في حال انتصار طرف من الاطراف.
24 / 2 / 2021