باءت كل محاولاتهم الدنيئة بالفشل حين أرادوا ثني إمامنا أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، عن الاستمرار بالتثقيف والتوعية وبث المعرفة الدينية والعقائدية في نفوس فئات متعددة في أوساط المجتمع الإسلامي في القرن الثاني الهجري .
مرحلة قيادة الأمة في ظل الكوكب السابع من كواكب العصمة والهداية التي استمرت على مدى (35) عاما، كانت زاخرة بالعطاء الفكري والعلمي والتميز الواضح لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في نشر علومهم وبث معارفهم وأعداد جيل من الشباب يعي خطورة المرحلة، ودقة إحاطة العدو العباسي بضرورة القضاء على هذا الإمام الهمام، فلا بد من استثمار كل لحظة من لحظات وجوده من قبل اتباعه أيما استثمار، واغتنام فترته الذهبية في اغتراف المزيد من فيض علومه وهدي معارفه.
بين ولادة الإمام الكاظم (عليه السلام) في 7 / صفر / 127 هجرية، وحتى يوم استشهاده بدس السم إليه بالرطب المسموم (روحي له الفداء) في 25 /رجب / 183 هجرية، نجد العطاء الفذ من قبل الإمام لأتباعه، والمنهج الواضح في أسلوب التعامل مع أعدائه، وصبرا وصمودا أمام كل أساليب الوعيد والتهديد والوان العذاب، وأباءا كبيرا أمام أنواع المغريات الدنيوية.
ازدادت المضايقات على الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) من الأبواء محل ولادته والمدينة وحتى البصرة وانتهاءاً ببغداد وسجن الشاهك بن سندي، الذي أمره هارون العباسي بأن يضيّق على الإمام الكاظم (عليه السلام) أشد التضييق في العبادة ولقاء محبيه ومعرفة أحواله من قبل أتباعه وشيعته.
لقد جعل الإمام الكاظم (عليه السلام) قعر السجون المظلمة سراجاً منيراً يضيء إلى أهل الأرض والسماء، وأحال تلك المطامير إلى منزل من منازل اللطف الالهي، يرهب العباسيين ويهدي الضالين لنور الإيمان، وموئلاً للخائفين ينجي من لجأ إليه بصدق.
نتعرف في حياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) على كثير من الشخصيات التي استثمرت وجود راهب آل محمد (عليه السلام)، وتبرز لنا أسماء لامعة في تأريخ التشيع، مثل: علي بن يقطين وهشام بن الحكم وعبد الله بن جندب وغيرهم، اذ دأبت هذه القامات على الأخذ بنصائح الإمام الكاظم (عليه السلام ) والعمل بتوجيهاته في مجال الحكم والسياسة وتقديم الخدمة كابن يقطين، أو العقيدة والمناظرات والدفاع عن المذهب الحق كابن الحكم، أو الفقاهة والورع كابن جندب .
حري بنا اليوم أن نطيل المكوث أمام أعتاب باب الحوائج كاظم الغيظ في بغداد، وأن تأسرنا هذه القباب الذهبية في الكاظمية المقدسة، وتأخذ لب القلوب تلك اللحظات الروحانية الجميلة التي يعيشها زوار الجوادين (عليهما السلام)، وأن نلثم هذه الأبواب لأنها محال رحمة الله، وفيض الشفاعة، ولنتعلم من منهج العبد الصالح ماينير طريقنا في شتى ميادين الحياة.