عندما يقال أن الحوادث تصنع الرجال، فقد يكون الحدث ليس كبيراً، ولكن أن يصنع الرجال الحدث بقيمته فتلك هي العظمة بعينها، فالمكان أبسط ما يكون لكنه أروع ما يمكن أن يلتقي فيه قطبا الديانة الإسلامية والمسيحية، فعظمة المكان تستمد هيبة قلَّ نظيرها، من هيبة ذلك العالم المتواضع السيد علي السيستاني (دامت بركاته) في تلك المدينة القديمة من النجف الأشرف، ليحضر لقاءاً مع البابا الفاتيكان، في حدث تأريخي شهده العام (2021) والعالم يشهد تحديات سياسية وصحية خطيرة، لكن هذا اللقاء والحدث يحملان في طياتهما الكثير والكثير، لإنه لقاء الاجداد والامجاد.
الخامس من آذار وطئت أقدام البابا الفاتيكان أرض الحضارة، والمجد، والتعايش، الأرض الطاهرة صاحبة التنوع الأكثر غزارة في المنطقة العربية، حضر الى العراق ليقول للبشرية: أن الأديان السماوية لا تموت بموت أنبيائها بل على العكس تعيش خالدة حينما تكون بأيدٍ أمينة، لتعيش البشرية بسعادة وسلام.
عالم اليوم مليء بالعنف والحقد والكراهية، وهذه كلها نبذتها جميع الديانات السماوية، فمملكة الأرض ومَنْ عليها تعاني القسوة والتوحش والحيرة، أما لقاء الزعامات الدينية الكبيرة فيعني الأمل والحكمة، لدرجة يُترجى من آثارها أن تكون في طياتها رسائل إيجابية للعالم، لنشر المحبة والتسامح والتعايش، ومساعدة الشعوب المقهورة على النهوض، فمَنْ يرحم في الأرض يرحمه مَنْ في السماء.
الماضي والحاضر والمستقبل، أزمات متداخلة ومشتركة في حوادثها ورجالاتها، فأينما يحل الإعتدال والتواضع والتدبر تحل الحكمة والمساواة والسعادة، ومهما يحاول البعض إعطاء صور من التشويش، والخداع والزيف والتنكيل، عن زيارة البابا للعراق سيفشل لأنها في حقيقتها تعني الكثير لنا كمسلمين ولإخواننا من المسيحيين، وما حملتها رسالته من وضوح باننا معكم، أيها العراقيون مسلمون ومسيحيون، وكل الاطياف.
الماضي يحمل لنا صورة واضحة عن التعايش والإهتمام، من قبل الإمام علي (عليه السلام) عندما كان يعتني ويحتضن عامل مسيحي هرم مخلص حتى وفاته، واليوم سجل التاريخ مواقف مشرفة للسيد علي السيستاني في الدفاع عن حقوق المسيحيين، في الأراضي التي استباحها الإرهاب من عراقنا بعد (2014) لتكون رجالات الماضي والحاضر حوادث عظيمة، كي نأخذ منها دروس المستقبل، في التعايش مع الطوائف الأخرى.
ختاماً: مهمتنا هي أن تعيش الطائفة مع أخواتها دون طائفية تذكر ، أو حقد دفين، والحليم تكفيه الإشارة، فزيارة البابا تعني الكثير لمَنْ هم في سدة الحكم، لو كانوا يفقهون..!