خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
انتشرت مؤخرًا الأنباء عن توقيع آية الله “السيستاني”؛ والبابا “فرنسيس”، على وثيقة “الأخوة الإنسانية”، وكان “رحمان العامري”، سفير العراق في الفاتيكان، قد توقع توقيع، آية الله “السيستاني”، على الوثيقة أثناء زيارة البابا إلى “العراق”.
لكن سرعان ما نفت وسائل الإعلام الخبر. وسواء تم التوقيع على الوثيقة، (التي هي مؤشر على الإرتقاء الحضاري في الحوار بين الأديان)، أم لا؛ فإن هذا الأمر لا ينتقص من أهمية الوثيقة, لكن ليت اسم الوثيقة كان: “الصداقة الإنسانية”؛ بدلاً من: “الأخوة الإنسانية”. بحسب “محمد جعفر أمير محلاتي”، في صحيفة (همشهري) الإيرانية التابعة لبلدية “طهران”.
“الصداقة” بدلاً من “الأخوة” !
ومن المقالات، في مجال أبحاث “الصداقة”، والذي كان ذا تأثير بالغ، هو مقال: “الأخوة، والتكافل، والصداقة المدنية”، للكاتبة “سيبل شوارزنباخ”، وقد وردت ترجمة المقال في كتاب (الصداقة في آتون التفكير الشرقي والغربي)، وفي المقال توضح الكاتبة أسباب حاجة الكثير من الفلاسفة المعاصرين والمفكرين الاجتماعيين لمصطلح يوطد تدعيم القوام الاجتماعي للبشر في كتلة سياسية: “مثل الاتحاد، الدولة أو المجتمع الأصغر”.
وبسبب هذه الحاجة أنكب الفلاسفة، بشكل رئيس، على ثلاث مصطلحات: “الصداقة المدنية” في أعمال “أرسطو”، و”الأخوة” في أعمال “روسو”، و”التكافل” في أعمال “ماركس” وفلاسفة الماركيسية.
وفي رأي “شوارزنباخ”؛ فإن مصطلح: “الصداقة المدنية” الأكثر قبولًا وترجيحًا.
وثمة ملاحظات تتعلق على مصطلح: “الأخوة”، والذي سبق استخدامها كأحد الشعارات الأساسية في “الثورة الفرنسية”، وورد في بعض النصوص الإلهية. أهمها أن “الأخوة” تنطوي على عبء ثقيل يتعلق بالجنس، ولا يؤشر لعلاقات صداقة الأخوات. بخلاف استخدام “الأخوة” بشكل أكبر في إطار النظام الديني، بحيث لا يشمل أتباع الديانات الأخرى. وعليه فإن المصطلح يستثني جزء من المجتمعات.
مما سبق، يتبادر إلى الأذهان أن “الأخوة” نوع من “رابطة الدم”، في حين يصنفها البعض خارج إطار القرابة. ومن منظور الكاتب؛ لعل ذلك هو السبب الرئيس في تغيير شعار الثورة الفرنسية: (الحرية، والمساواة والإيخاء)، إلى شعار: (الحياة، والحرية، والبحث عن السعادة)؛ في منشور الاستقلال الأميركي.
وقد أكدت “شوارزنباخ”، على الاستخدام الواسع لكلمة “الأخوة”، في “الحزب النازي” الألماني. وهي تعتقد، مع الأخذ في الاعتبار للإشكاليات السابقة، أن مصطلح “الأخوة”، (والذي استخدمه الفلاسفة بكثرة في القرن الثامن عشر)، قد فقدت مكانته تدريجيًا لصالح: “الوحدة” و”التكافل”، في القرن التاسع عشر.
“الصداقة” للجميع..
وبالنسبة لـ”التكافل”؛ فقد راج استخدامه بشكل رئيس، في كتابات الفلاسفة الماركسيين، لأن هذه الفئة من الفلاسفة تصورت أن الدعوات الحديثة لإقرار الحقوق الفردية والمواطنة؛ يجب أن تتجاوز المفاهيم الجزئية، وتترفع عن العرق، والجنس، والموطن أو الملكية الخاصة.
و”التكافل”، من منظور فلاسفة القرن التاسع عشر؛ يستلزم: “الوقوف معًا” و”القتال لأجل تحرر الإنسان من العبودية” أو “مكافحة حشود القمع”. وقد شاع استخدام هذا المصطلح، في القرن العشرين، داخل أوساط الاتحادات العملية والحرب ضد الاستعمار.
وأما “الصداقة المدنية”، والتي كانت مقصود، “أرسطو”، كعمل لا كنظرية، كانت نخبوية وصنفها الكثيرون خارج نطاق معادلاتهم.
فلم يساوي “أرسطو”، بين الإنسانية والعبودية. وفي الوقت نفسه، فإن كلمة: “الصداقة”؛ بمفهومها الحديث، يبدو أفضل وأشمل من اصطلاحات “الأخوة” و”التكافل”، لأن “الصداقة” تتجسد في خلفية المجتمع في ثلاثية: “الوعي المتبادل عن المساواة الأخلاقية” و”حسن النية المتبادل إزاء الآخرين” و”السلوك المفيد المتبادل”.
والأهم وما يلفت إنتباه القاريء؛ تحذير بعض علماء العنف المعاصرين، (مثل: حنة آرنت، سلافوي جيجك وغيرهم)، في أعمالهم من إساءة استخدام مصطلحات “الأخوة” و”التكافل”، و”حب الجار”، (من المصلطحات المسيحية المهمة).
وفي انتقاد المصطلح المسيحي: “حب الجار”، يقول “سلافوي جيجك”؛ إن تصور الجار يتضمن خروج غير الجار من النظرة العاطفية، كما لا يمكن تصور “حب الجار” دون وجود عداوة.
والسؤال بعد هذه الملاحظات: ما البديل الأكمل لمصطلح “الأخوة الإنسانية” ؟.. في رأيي أن تركيب “الصداقة العالمية متعددة الأجناس”؛ يلعب دورًا أفضل من مصطلحات: “الصداقة المدنية، والأخوة، والتكافل، والوحدة وغير ذلك”.
وتوقيع البابا وآية الله على وثيقة “الصداقة العالمية”، متى حدث، قد يعمل على إرتقاء منشور “الأمم المتحدة” ويبشر بالمودة العالمية.
إذ لا تنطوي “الصداقة” و”العالمية” على أي تمييز طبقي أو جنسي أو عقائدي أو وطني وعرقي، ويبدو مناسبًا في إرتقاء العلاقات الحضارية.