17 نوفمبر، 2024 3:25 م
Search
Close this search box.

في الذكرى الخامسة لرحيل زاجل الطيور الطايرة

في الذكرى الخامسة لرحيل زاجل الطيور الطايرة

برحيله الفاجع أجهز زهير الدجيلي على آخر ما تبقى في الذاكرة من غنج يليق بالعراق؛؛
الأزقة والدرابين،الملفعات، والسافرات،وقحات الجمال،خجلات المحيا.الإذاعة والتلفزيون. المباني، والأستوديوهات ، المجلة ؛؛رياض قاسم وحسين الحسيني واعتقال الطائي وسهيل سامي نادر ومهدي المصور ومريم السناطي ورياض عبد الكريم وفالح عبدالجبار وبسام فرج ومؤيد نعمة ويحي الشيخ وصبري الربيعي وجاسم المطير والفراش حميدابو تفلةوسيروان وأديب مكي ووو….
و140 صحفيا قال (ابو علي) أنهم مروا بين يديه، مثل آلاف الأبيات الشعرية؛ ومئات القصائد المغناة التي ما تزال الملايين فيالعراق وخارجه تترنم بها، و لا تعرف ان مؤلفها زهير الدجيلي كان يهدي المغنين والملحنيين ليس الكلمات والأبيات فقط بلواللحن لان شعره المموسق يولد ملحونا.
 
اجتمعتع في زهير الدجيلي مواهب لم تجتمع في غيره الا نادرا.
كان صحفيا يجيد كل فنون الكتابة. مخبرا ومحققا وكاتب عمود ومدبج افتتاحيات ورئيس تحرير لا يترك حرفا يفلت من بين يديهدون ان يوّسمه بخطه الرشيق وان كان النص سليما. فزهير حين يقرا يدوس بقلمه المبلل بالحبر الاخضر على النصوص وكأنه يربتعليها ويمنحها جواز المرور الى المطبعة.
حتى الذين لا يخضعونللرقابةكان زهير يربت على مقالاتهم فلا أحد يفلت من قلمابو علي ولا من مسحاته“!
هكذا كنا نمزح حين نختلي
بدونه، ويشبعنا رياض قاسم بنكات بطلها زهير الذي كان يسمعنا في غرفته المغلقة؛ اذ لا كاتم لصوت رياض قاسم الملعلع فيالمبنى العتيق.
حتى سهيل سامي نادر الذي عَلّمَ أجيالًا من الصحفيين في العراق المهنة، ولقنهم الكتابة، وزرع في نفوسهم الثقة، وجعلهم لايخشون ركوب القلم؛ لم يفلت من دوسات قلم ابو علي.
وفي الساعات الأخيرة من الليل، وقبل ان تغلق آخر صفحات مجلة الإذاعة والتلفزيون ، كان زهير يختلي بسهيل بعد ان يفرغالمبنى المجاور للسفارة الإيرانية في الصالحية من العاملين. ليضعا اللمسات الاخيرة علىمياسةالصفحة الاخيرة من المجلةالاوسع إنتشارا في العراق سنوات الأمل بعد مجلة الف باء.
ومنمياسةيسمع القرّاء القيل والقال ويغفون على القفشات،وينام العشاق على كلماتها العذبة وسطورها الرشيقة. ودلعهاالمثير. فيبعثون برسائل الحب والشجن وكم طلبوا يد مياسة اللعوب لكن بابا زهير ما كان ليقبل لجميلته عريسا حتى لو جاء منكوكب اخر.
 
كتب زهير الدجيلي بالفصحى والعامية.
سبح مع اقحوانات اللغة الساحرة التي كانت تتفتح أزهارا وأشواك حملها ابو علي اهات والام ومعاناة في قلبه وكان يحرق كل يومعلب السكائر كأنه يبخر للأفكار كي تتجسد كلمات.
كل العاملين في مجلة الإذاعة والتلفزيون لم يكونوا منتمين لحزب البعث الحاكم . ولا حماية لهم من عوادي الدهر غير الشيوعيالسابق نزيل السجون على مختلف العهود زهير الدجيلي المتفنن في تحاشي الضربات وافشال الدسائس ضد المجلة والعاملينفيها. مخلصا مع زملائه اذا اخلصوا معه. لم يطالبهم يوما بموقف سياسي يخدم أهداف السلطة. وتحمل بسبب ذلك لطمات مؤلمة. واستثمر علاقاته الحسنة مع مدير عام الإذاعة والتلفزيون آنذاك محمد سعيد الصحاف وجعلها مضلة تحمي المجلة، والعاملينفيها من شرور المتربصين ،والاعداء. تلك كانت سبعينات قرن مضى وانتهى الأمل بالموت.
كان شيوعيا كتب أجمل القصائد عن حزب فهد وسلام عادل ورثى من سقط تحت التعذيب وعلى أعواد المشانق برصاص الانقلابات. و مع ان قادة الحزب لم يبادلوه الود على قاعدة انه انخرط مع النظام؛ فانه لم يكتب تزلفا من قادة كانوا أنفسهم يفاوضون حزبالبعث للحصول على حقائب وزارية على قاعدة المحاصصة ضمن ما سمي بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية.
كان زهير متعدد المواهب. إذاعي وتلفزيوني. مؤلف مسلسلات تأريخية، واُخرى إجتماعية . كاتب أطفال ومنتج برامج تعليميةواُخرى ترفيهية.
كان ساخرا مكتظا بمرارة سنوات العسف والقمع والملاحقات والجوع والفاقة.
رضعته والدته الشعر مع حليبها. فام زهير شاعرة ووگوالةصدحت في التظاهرات، وفي حفلات التأبين لضحايا الانتفاضاتالوطنية وفي المآتم.
وأورثت شعرها الأنثوي العذب لنجلها البكر، و توجته بنفحات من جمال وجهها الأخاذ، وطلعتها البهية. ولا يمكن لذواق الا وينبهربمحيا السيدة الام والمناضلة حتى بعد ان عبرت عقود الشباب.
غنى زهير للعراق حتى الرمق الأخير من حياته العاصفة المديدة . دخل السجون في سن الصبا. ونهل من الحياة رحيقها الإبداعي. كان عاشقا أبديا للمرأة والجمال. وكانت (أم علي) زوجته الوفية تدرك بحسها الأنثوي ان المرأة تعني لزهير العراق الوطن الذي لميبح صوته من مناغاته . مناغاة كالنحيب .
كان يامل في ولادة عراق حْنِين، عراق خوش ولد،عراق ابن حمولة. ولعله على فراش الموت لم ينطق الا باسمه وروحه الشفافةتطير.
مات طائر اخر من تلك الطيور الطايرة وما ردت لأهلها .
ليس أفضل من يتحدث عن زهير الدجيلي غير (ابو علي )نفسه. هذا الفيديو من بين تسجيلات نادرة على اليوتوب للراحل الذي لفالعراق بجناحيه ولا ادري ان كان الوطن وجد له قبرا بين خرائبه .
مقابلة تلفزيونية أجمل ما فيها ان المقدم كان من شدة الانسجام والإعجاب بتدفق زهير الدجيلي، لا يكثر من الأسئلة فاتاح لنا اننستمع الى زهير الراوية والمنشد والمؤرخ . وفي المقابلة يكشف زهير عن نزر قليل من سجل حياته السياسية والصحفية والإبداعيةالحافل .
ومثل زهير الدجيلي يحتاج الى عشرات البرامج لتغطي سفره العميق.

أحدث المقالات