العراق اليوم مثقل بالتحديات، وغالباً ما تكون تلك التحديات باهظة الثمن والذي انعكس سلبا على المستوى الاقتصادي والمعيشي للمواطنين ، واشاع الفقر بين صفوف ابنائه والتي تتلخص في اهم اسبابها الى عدم التوازن المعيشي بين مستوى دخل الافراد ومتطلبات الحياة المعيشية بالاضافة الى أنحسار الدخل الذي يحصل عليه الفرد والذي يعد أهم مقومات حياته وسبل معيشته أضافة الى تدني المستوى الاقتصادي للبلد وضعف آليات التعامل لأحداث تنمية مستدامة ، وتستثمره وتسعى الاحزاب والكتل المتصدية للعملية السياسية بشدة في الحفاظ على الوضع الراهن لكي يبقى المواطن ضعيفاً في المواجهة و هياكل السلطة التي اذا بقيت على هذا المنوال لا يمكن إصلاحها ببساطة او باصلاحات ترقيعية انما بشكل فعال من خلال جهود عقول وكفاءات متخصصة متضافرة العزم لعبور المرحلة بتقليل الخسائر الى شاطئ الامان والسلام اذا اريد انقاذ الوضع ،وعلى المشهود والمتحسس به ، ودون تشائم انما بواقعية ملموسة ، فعلى المستقبل القريب لا يمكن أن تكون المخرجات واعدةً رغم كل الامكانات المتوفرة .
الفرد العراقي اصبح يتمتع بمستوى من الوعي والحرية للتعبير قد يكون لا مثيل له تقريبًا في الشرق الاوسط، ولديه مجتمع مدني مزدهر وحيوي وعقول وكوادر متخصصة في جميع المجالات لواستغلت دون تمييز او محسوبية ، وثروة من العملة الاجنبية في البنك المركزي تعادل امكانيات عدد من بلدان المنطقة والدول المجاورة والذي اصبح بعيداً عن الاستقلالية في الوقت الحالي وتحت تأثير العملية السياسية الفاشلة ومزاجات الكتل الحاكمة ، وهو الذي يمكن ان يكون سببًا في نجاح استقرار اقتصاد العراق الذي يعيش على ثروة هائلة من الطاقات المتنوعة مثل النفط والغاز والفوسفات على سبيل المثال لا الحصر، ويُمَلكه القدرة على أن يصبح قوة إيجابية لاستقرار المنطقة.
من خلال اطلاعي على الاعلام والقراءة اليومية لمواقع التواصل الاجتماعي لفت نظري تصريح للسيد رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ( وهي من الجعجعات التي لا تورد الطحين ) يقول فيه بتحد ان “هناك تعظيم للاحتياطي النقدي، وزاد بـ 4 مليارات دولار”، مبيناً “مزاد العملة سيء الصيت تم الحد من فساده وأصبح من الماضي” وانا اقول بأن التحدي بشروط في ظل النظام السياسي المحاصصي الحالي في العراق امر يكاد يكون مستحيلاً حيث جعل كل وزير ومسؤول يتصدر تعامله بفرده عن الوزارات والمؤسسات الاخرى لانه يمثل كتلة او حزب معين يعمل بشكل مستقل عن الأخريات فغاب العمل المشترك المنظم والتكاملي، فضلا عن ان كل وزارة هي من حصة معينة تقوم بتسخير الوزارة لمنفعة أعضاءه ومؤيديه وفق أساليب بعيدة عن المصلحة الوطنية وتضمن المنفعة الآنية العاجلة للوزير وكتلته، المشكلة الاكبر في اعاقة اي استراتيجية مستقبلية شكّل الصراع الإقليمي والدولي على النفوذ في الساحة العراقية، معوقا كبيراً أمام التخطيط الاستراتيجي المطلوب لتحقيق التنمية في العراق تهدف إلى تحسين مستويات تقديم الخدمات، وخلق الوظائف، والحد من الفقر، ومشاركة القطاع الخاص في تنويع الأنشطة الاقتصادية و تبرز من خلالها أهمية تشكيل رؤية من شأنها أن تكون إستراتيجية اقتصادية للسنوات القادمة وبالتالي إمكانية تحقيق الإصلاح الاقتصادي في البلاد والنهوض بمتطلبات التنمية الشاملة، ومن البديهي والمنطقي في أي اقتصاد ولأية دولة أن تكون هناك إستراتيجية للتنمية الاقتصادية، تلك الإستراتيجية التي تحدد ملامح الاقتصاد في أي مرحلة من مراحل النمو الاقتصادي وذلك كي يتسنى تحديد العوامل التي ستؤثر في العملية الاقتصادية وكذلك المؤشرات التي تظهر خلال تنفيذ الخطط الاقتصادية للمؤسسات والمشاريع والشركات المعنية بعملية التنمية الاقتصادية، وكما تحدد قدرات الموارد التي يمكن من خلالها تحديد الاستغلال الأمثل للطاقات المتاحة، وبالتالي تحديد مكان السلب والإيجاب في مستوى الأداء الاقتصادي
، إذ ان التخطيط الاستراتيجي الناجح يهدف لتحقيق مصلحة البلد بالدرجة الأولى حتى لو كان ذلك على حساب مصالح الدول الأخرى، لذلك تسعى الدول ذات النفوذ في العراق إلى إفشال أي تخطيط استراتيجي وطني لأنه ربما يلحق الضرر بمصالحها خصوصا في ظل غياب الشخصيات الوطنية الكفوءة ذات القدرات الدبلوماسية التي تمكّنها من التوفيق بين المتطلبات الكتلوية و المصالح العراقية اولاً ومن ثم التعامل مع مصالح الدول الأخرى التي تعتمد على السيادة الوطنية والاستقلالية .
ان التحدي يكون في ظل تشخيص مهم لتذليل العقبات والسير قدما في مراحل الانجاز والبلد يمر بازمات شديدة وحادة ” وهذا يحتاج الى استراتيجية واقعية ولان التخطيط الاستراتيجي يُعد عاملا مهما في صياغة وتصميم سياسة أية دولة، وذلك لانه يشكّل مرتكزا تستند إليه آليات ووسائل إدارة الدولة في الجوانب كافة سواء الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية أو الإدارية، يتطلب تحديد الأهداف التي تسعى إليها البلدان بطرق علمية، مع التركيز على المستقبل للوصول لنتائج مستقبلية بمعنى إن التخطيط الاستراتيجي هو تخطيط بعيد المدى يأخذ في الاعتبار المتغيرات الداخلية والخارجية ويحدد القطاعات المستهدفة .
ولاشك ان تبني اي سياسة إستراتيجية من شأنها أن تحدث عملية التحول وفي الحاجة إلى معرفة الهدف والمحور في كل هذه العملية ، فبدون ان يكون المحور المواطن لا يكون هناك بلدٌ اسمه العراق ، وبذلك يمكن القول بأن التخطيط الاستراتيجي هو تحديد للأهداف والغايات الأساسية في مجال معين، وهنا نقصد المجال السياسي في المدى البعيد ثم اختيار وسائل بعينها من بين خيارات مدروسة ومحسوبة لتحقيق هذه الأهداف أي يعتمد على تفكير منظم لما يريد أن يفعله الإنسان أو أن يكون عليه في المستقبل البعيد كغاية يسعى للوصول إليه من خلال البحث الدقيق لاختيار أفضل الوسائل لتحقيق المكاسب أو الأهداف بأقل كلف وبأقل وقت، بالتخطيط الاستراتيجي الذي يتضمن كل من التحليل الاستراتيجي والاختيار الاستراتيجي وتحديد البدائل التي يمكن الوصول إلى الترابط والتناسق بين الأهداف الاستراتيجية والمرحلية والأهداف قصيرة المدىمن خلالها، وكذلك الترابط والتناسق بين الأهداف والتشريعات والسياسات الاستراتيجية، وتحقيق التكامل بين كل منها بحيث تصب كل الجهود في اتجاه تحقيق الغايات المحددة بأفضل السبل وفي ظل الظروف والمخاطر والتطورات وعلى الصعيد المحلي والإقليمي والدولي ،وبالتالي فان نجاح الحكومة في إدارة شؤون دولها يتوقف على درجة إتقانها للاستراتيجية التي تضعها وتكريس جهودها وإمكانياتها لتنفيذ بنودها.