تأتي زيارة قداسة البابا والحبر الأعظم للفاتيكان إلى بلاد ما بين النهرين لتكون حدثا تأريخيا، فهي الزيارة الأولى من نوعها، وفي وقت صارت الحاجة كبيرة جدا لحوار الأديان من أجل التعايش السلمي وحفظ الأرواح وبقاء الوجود المتنوع في بلاد الحضارات والدين، الذي لا يكون إلا بالتعايش السلمي ومحبة الآخر وغرس وتثبيت التعليم بأن الدين للمحبة والسلام وإن تنوعت العبادات فيه.
ونستذكر بهذه الزيارة الميمونة قيام الصابئة المندائيين بزيارة حاضرة الفاتيكان ممثلين برئاسة مجلسهم الروحاني الأعلى. كانت الزيارة بدعوى كريمة من الحبر الأعظم يوحنا بولص الثاني بابا الفاتيكان الأسبق في حزيران عام 1990. ومعلوم أن هنالك روابط عميقة تربط بين الديانة المسيحية وديانة الصابئة المندائيين منها ما يتعلق بصلة القربى والنسب ذلك أن مريم العذراء هي ابنة خالة إليصابات (إنشبي) زوجة النبي زكريا وأم النبي يحيى (عليهم السلام). كما أن الديانتين تكرمان قيام يوحنا الصابغ (يوحنا المعمدان، يحيى بن زكريا) (ع) بتعميد السيد المسيح ويُعدان ذلك أمرا ربانيا صار على أثره التعميد سنة لدى المسيحيين على غرار الصابئة المندائيين وإن بفروقات في ذلك وإلى اليوم. وكذلك أن أتباع كلا الديانتين يعيشون منذ القدم في بلاد واحدة ومرت عليهم ظروف مشتركة وصاروا اليوم يعانون من توجهات إضطهاد وإرهاب وإقصاء واحدة، أجبرت الكثير منهم على مغادرة وطهنم الأم.
جرى التنسيق للزيارة من خلال سفارة الفاتيكان في العراق، وغادر الوفد برئاسة المرحوم ريش إما عبد الله نجم زهرون رئيس الطائفة آنذاك في الأول من حزيران عام 1990 وكان لي شرف أن أكون أحد أعضائه. أستقبل الوفد بحفاوة بالغة وكان برنامج الزياة حافلا باللقاءات التعارفية والحوار مع قسم الحوار. لم يكتم جميع من تم لقاؤهم دهشته من بقاء الصابئة المندائيين إلى الوقت الحاضر كشاهد حي على كل ما يمتلكون من إرث ديني وإنساني رغم الظروف التي مرت ببلاد ما بين النهرين، ولمعرفتهم بقلة عدد أتباع هذه الديانة حتى أن المرء يؤمن بأن وراء ذلك إرادة إلهية لتبقي التنوع، ولكي تظل هذه الأديان التي ذكرها الله سبحانه في القرآن الكريم (سورة البقرة والمائدة والحج) حاضرة وباقية ذلك أنه سبحانه هو القائل فيهم إنْ هم آمنوا به وبيومه الآخر وعملوا صالحا (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
في اليوم الأخير من الزيارة تشرف الوفد بلقاء قداسة البابا يوحنا بولص الثاني، وكان لقاء حميما تضمنت كلمة وفد الصابئة المندائيين الإشادة بروح العلاقة وأواصرها وما مطلوب من حوار لمزيد تعارف وتحاب على طريق أن يلتئم الدين ليحقق خدمة الإنسانية لا أن يفرقها ويروعها. وبالمقابل كانت كلمة قداسة البابا مرحبة وتحث على التمسك بالبقاء في أرض ما بين النهرين داعيا إلى مزيد من الحوار فكان أن تأسست على أثر دعوته اللجنة الحبرية العليا للحوار بين الديانتين المندائية والمسيحية. وفي اللقاء نفسه أشرنا إلى قداسته بضرورة قيامه بزيارة إلى بلد الحضارات ومنشأ الدين وتعقب مسيرة إبراهيم عليه السلام من أور فتهلل محياه لذلك. وفعلا كان المخطط أن يقوم بزيارة العراق التي أعلن عنها لكنها توقفت بأسباب ظروف الحرب العراقية الإيرانية.
واليوم، وبعد ثلاثين عاما، يتحقق ذلك بخطوة من البابا فرنسيس فيحدد زيارة لهذا البلد العريق بكل ما ظهر فيه من حضارة علمت البشرية، ومن إرث ديني كان أساسا للتوحيد والتشريع الأول، وتراث مثولوجي تضمنته الأديان في أساطيرها ومنها أسطورة الطوفان، ومن تنوع ديني الكل فيه عريق، ومن طقوس تتبارك بماء النهرين. تأتي الزيارة لتحط في أور سومر وإبراهيم (ع)، وفي بابل الحضارة، وفي النجف الحسين، وفي نينوى آشور وكنيسة النجاة وكنائس الموصل التي حطمها داعش، وفي أربيل. ولا شك أن الصابئة المندائيين سيكونون من بين المرحبين وسيحملون معهم خليطا ماء دجلة والفرات يقدمونه رمز طقس التعميد والصباغة مثال الذي إصطبغ به عيسى المسيح عليه السلام.
إن ما يؤلم ويؤسف له حقا أن الأمور، وبعد هذه السنين، قد ساءت أكثر في العراق مما أدى إلى أن يعيش شعبه عامة معاناة مستمرة، وإلى مغادرة النسبة الأكبر من أتباع ديانات العراق الأولين وطنهم نتيجة لكل ما حصل ويحصل فيه من ترويع وتهديد لوجودهم وأديانهم، فعافوه مكرهين مجبرين. ومع ذلك فإن الأمل معقود على هذه الزيارة وأن تكون نتائجها محفزة لأن يصلح الدين ما أفسده السياسيون وما خربه التطرف والجماعات الإرهابية التي صُنعت وظهرت في المنطقة عموما، وما عانى منه العراقيون بجميع أطيافهم بشكل لا يطاق. فالقائمون على الدين يجب أن يظلوا حريصين على ذكر الله سبحانه للأديان التي نص عليها ما بقيت سورة البقرة والمائدة والحج في القرآن وأن يعملوا على تحقيق وعده الذي قطعه لهم إن كانوا مؤمنين. وأن يبقى الصابئة المندائيين، وهم الأقل عددا بين الأديان الموجودة، يصطبغون بالماء الحي ويباركون جبين المصطبغ باسم الله الحي الأزلي فتتحقق الآية الكريمة (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) “البقرة 138”
مرحبا بقداسة البابا فرنسيس باسم الصابئة المندائيين في بلاد ما بين النهرين وفي عراق ماء الحياة والعبادة.
ونستذكر بهذه الزيارة الميمونة قيام الصابئة المندائيين بزيارة حاضرة الفاتيكان ممثلين برئاسة مجلسهم الروحاني الأعلى. كانت الزيارة بدعوى كريمة من الحبر الأعظم يوحنا بولص الثاني بابا الفاتيكان الأسبق في حزيران عام 1990. ومعلوم أن هنالك روابط عميقة تربط بين الديانة المسيحية وديانة الصابئة المندائيين منها ما يتعلق بصلة القربى والنسب ذلك أن مريم العذراء هي ابنة خالة إليصابات (إنشبي) زوجة النبي زكريا وأم النبي يحيى (عليهم السلام). كما أن الديانتين تكرمان قيام يوحنا الصابغ (يوحنا المعمدان، يحيى بن زكريا) (ع) بتعميد السيد المسيح ويُعدان ذلك أمرا ربانيا صار على أثره التعميد سنة لدى المسيحيين على غرار الصابئة المندائيين وإن بفروقات في ذلك وإلى اليوم. وكذلك أن أتباع كلا الديانتين يعيشون منذ القدم في بلاد واحدة ومرت عليهم ظروف مشتركة وصاروا اليوم يعانون من توجهات إضطهاد وإرهاب وإقصاء واحدة، أجبرت الكثير منهم على مغادرة وطهنم الأم.
جرى التنسيق للزيارة من خلال سفارة الفاتيكان في العراق، وغادر الوفد برئاسة المرحوم ريش إما عبد الله نجم زهرون رئيس الطائفة آنذاك في الأول من حزيران عام 1990 وكان لي شرف أن أكون أحد أعضائه. أستقبل الوفد بحفاوة بالغة وكان برنامج الزياة حافلا باللقاءات التعارفية والحوار مع قسم الحوار. لم يكتم جميع من تم لقاؤهم دهشته من بقاء الصابئة المندائيين إلى الوقت الحاضر كشاهد حي على كل ما يمتلكون من إرث ديني وإنساني رغم الظروف التي مرت ببلاد ما بين النهرين، ولمعرفتهم بقلة عدد أتباع هذه الديانة حتى أن المرء يؤمن بأن وراء ذلك إرادة إلهية لتبقي التنوع، ولكي تظل هذه الأديان التي ذكرها الله سبحانه في القرآن الكريم (سورة البقرة والمائدة والحج) حاضرة وباقية ذلك أنه سبحانه هو القائل فيهم إنْ هم آمنوا به وبيومه الآخر وعملوا صالحا (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
في اليوم الأخير من الزيارة تشرف الوفد بلقاء قداسة البابا يوحنا بولص الثاني، وكان لقاء حميما تضمنت كلمة وفد الصابئة المندائيين الإشادة بروح العلاقة وأواصرها وما مطلوب من حوار لمزيد تعارف وتحاب على طريق أن يلتئم الدين ليحقق خدمة الإنسانية لا أن يفرقها ويروعها. وبالمقابل كانت كلمة قداسة البابا مرحبة وتحث على التمسك بالبقاء في أرض ما بين النهرين داعيا إلى مزيد من الحوار فكان أن تأسست على أثر دعوته اللجنة الحبرية العليا للحوار بين الديانتين المندائية والمسيحية. وفي اللقاء نفسه أشرنا إلى قداسته بضرورة قيامه بزيارة إلى بلد الحضارات ومنشأ الدين وتعقب مسيرة إبراهيم عليه السلام من أور فتهلل محياه لذلك. وفعلا كان المخطط أن يقوم بزيارة العراق التي أعلن عنها لكنها توقفت بأسباب ظروف الحرب العراقية الإيرانية.
واليوم، وبعد ثلاثين عاما، يتحقق ذلك بخطوة من البابا فرنسيس فيحدد زيارة لهذا البلد العريق بكل ما ظهر فيه من حضارة علمت البشرية، ومن إرث ديني كان أساسا للتوحيد والتشريع الأول، وتراث مثولوجي تضمنته الأديان في أساطيرها ومنها أسطورة الطوفان، ومن تنوع ديني الكل فيه عريق، ومن طقوس تتبارك بماء النهرين. تأتي الزيارة لتحط في أور سومر وإبراهيم (ع)، وفي بابل الحضارة، وفي النجف الحسين، وفي نينوى آشور وكنيسة النجاة وكنائس الموصل التي حطمها داعش، وفي أربيل. ولا شك أن الصابئة المندائيين سيكونون من بين المرحبين وسيحملون معهم خليطا ماء دجلة والفرات يقدمونه رمز طقس التعميد والصباغة مثال الذي إصطبغ به عيسى المسيح عليه السلام.
إن ما يؤلم ويؤسف له حقا أن الأمور، وبعد هذه السنين، قد ساءت أكثر في العراق مما أدى إلى أن يعيش شعبه عامة معاناة مستمرة، وإلى مغادرة النسبة الأكبر من أتباع ديانات العراق الأولين وطنهم نتيجة لكل ما حصل ويحصل فيه من ترويع وتهديد لوجودهم وأديانهم، فعافوه مكرهين مجبرين. ومع ذلك فإن الأمل معقود على هذه الزيارة وأن تكون نتائجها محفزة لأن يصلح الدين ما أفسده السياسيون وما خربه التطرف والجماعات الإرهابية التي صُنعت وظهرت في المنطقة عموما، وما عانى منه العراقيون بجميع أطيافهم بشكل لا يطاق. فالقائمون على الدين يجب أن يظلوا حريصين على ذكر الله سبحانه للأديان التي نص عليها ما بقيت سورة البقرة والمائدة والحج في القرآن وأن يعملوا على تحقيق وعده الذي قطعه لهم إن كانوا مؤمنين. وأن يبقى الصابئة المندائيين، وهم الأقل عددا بين الأديان الموجودة، يصطبغون بالماء الحي ويباركون جبين المصطبغ باسم الله الحي الأزلي فتتحقق الآية الكريمة (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) “البقرة 138”
مرحبا بقداسة البابا فرنسيس باسم الصابئة المندائيين في بلاد ما بين النهرين وفي عراق ماء الحياة والعبادة.