في ظل النظام الرأسمالي العالمي، الحالي، وبالشكل الجديد، والمتجدد؛ الذي يسود تقريبا، أو يطغى الى حد كبير على النظام العالمي السائد الآن، الى البعض من الحين، والذي لن، يستمر طويلا؛ لأنه، يعاني من الموت السريري الذي يحمل في داخله، قواعد لعبة جديدة، شكلت منذ بعض الزمن، منطلقا للتغيير، بفعل حاجة الواقع للتحول، بحمولته الفكرية والعملية؛ بأدوات موت القديم الذي يحاول التجديد بوجه عصف المتغيرات الكونية، بانتظار من يجهز عليه في الوقت المناسب القادم. ان نظاما عالميا جديدا، يتكون في الظل، وبصمت وهدوء، لكنه يبتني قواعد فعالة ومؤثرة وراسخة؛ لذا، نلاحظ القديم، يتجدد بتحديث، أو ادخال بفعالية، وبزخم واتساع كبيرين؛ الليبرالية الحديثة، والعولمة.. وفي هاذين الفضاءين؛ تتسع وتتعمق افقيا وعموديا؛ حماية انسانية الانسان من الجريمة المنظمة بحق البشر، بمختلف انواعها واشكالها، في العاصمة الامريكية الرسمية، وعواصم الغرب الرسمية، لجهة الاستثمار السياسي فيها، وليس كأيمان بها الذي يقود الى التفعيل الرصين والجدي والجذري لها، بينما الحقيقة هو ان النظام الرسمي الغربي، بالضد منها تماما حين تتقاطع مع مصالحه الاستراتيجية، وفي نفس الوقت يستخدمها للأغراض والاهداف الجيوستراتيجية. انما، على العكس تماما منها اي من حكومات الغرب، الشعوب فيها، بحركاتها ومنظماتها المستقلة؛ تعمل على تجذير وترسيخ حيادية فعل الفاعل في منظمات حقوق الانسان، وحرية الانسان في الراي والكلمة الحرة، وحرية الشعوب في اختيار حكوماتها وما يمثلها من برلمان وما الى ذلك؛ جميع هذه المنصات او المؤسسات، والمطالب والاهداف؛ جميلة جدا، وهي في الاول والاخير، حقوق غير قابلة للتصرف. لكن من الجانب الثاني وهو جانب موازي في الواقع على الارض وفي الحركة الاجرائية؛ نلاحظ الغياب الذي يكاد يكون كليا، لها، عندما تتعارض مع مخططاتها (كما اسلفنا القول فيه)، في الواقع على الارض، بل ان العكس هو السائد، بفعل سيادة الاعلام الغربي الذي يدفع الى الظل والعتمة بجميع الجرائم بحق الانسان والضرع والزرع. اما، في حالة أو حالات أخرى؛ حين يتم الاعتداء على هذه الحقوق من قبل الدولة، او النظام في هذه الدولة او تلك الدولة، التي في سياستها وطبيعة نظامها المستقل في الارادة والسيادة على مصادر ثرواته، واسلوب تنميتها بعيدا، عن الهيمنة الامريكية، فان هذا النظام سوف يواجه بقوة وبحدة من امريكا والغرب، ويتم معاقبته اقتصاديا، بحجة غياب الديمقراطية، و مصادرة حقوق الانسان. في المقابل، وحين تكون هناك انظمة مغرقة في الطغيان والاستبداد، في طريقة حكم شعوبها، يجري صرف النظر عن جميع هذه الانتهاكات، عندما تكون هذه الانظمة خاضعة تماما للإرادة الامريكية وغيرها من الارادة الغربية، التي تمارس النهب والاستغلال لخيرات هذه الشعوب. ان اغلب الشعوب والدول في العالم الا القليل منها، خاضعة بطريقة او بأحرى للإرادة الامريكية والغربية؛ في افريقيا وفي امريكا الجنوبية وفي المنطقة العربية، وهي، وفي اغلبها غنية بالثروات المعدنية او الزراعية او غيرها من الخيرات. لكن، لم يتم استغلالها من اجل احداث تنمية حقيقية بفعل السيطرة الاستعمارية ولو بثوب العولمة والليبرالية الحديثة، ووهم الديمقراطية وهنا نحن لا نقصد الديمقراطية الحقيقية بل وهمها على ارض الواقع. ان هذه الطريقة او الطرق المتعددة التي يقودها النظام الرأسمالي العالمي الهمجي، والتي بها او بطريقتها يتم تخليق فضاءات للهيمنة الاقتصادية والسياسية والتجارية في دول العالم الثالث، وفي مقدمتها شعوب ودول المنطقة العربية؛ انتج ولم يزل الى الآن ينتج، دول مغرقة في الفقر واحيانا يصل الى درجة الجوع، وضياع فرص التطور والتنمية الحقيقية، واغراقها في الحروب الاهلية، بينما في الوقت عينه يتم تطوير قدرات شعوب الدول العظمى، وهنا نقصد الدول العظمى ذات السياسية الاستعمارية حتى وان اختفت وراء ثوب نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، انما الحقيقة والواقع هي بغير هذا بصورة تامة وكلية الوجود والهيمنة. ان النظام الرأسمالي الامريكي والغربي على وجه التحديد، وحتى غيرهما، كان ولم يزل كائن، هو من يقود ويرسم السياسة في امريكا والغرب بصورة عامة. ان هذا الاطار العام لهذه السياسية لا يختلف قيد شعرة عن امبراطوريات العصور التي سبقت الثورة الصناعية من حيث النتائج وما يلحق من ضرر على الدول والشعوب التي كانت، في حينها، هدف لتلك الامبراطوريات في غزواتها واحتلالها للدول الصغيرة او الدول التي لم تكن لها القدرة والقوة في الدفاع عن شعوبها واستقلال دولها. لا يوجد فرق بين غزوات الامبراطوريات في العصور الغابرة، وفي سياسة الغزو الامبريالي الامريكي والغربي، سواء كان العسكري منها، تحت عنوان الدفاع عن حقوق الانسان وعن حفظ الامن العالمي واستقراره، أو عن طريق الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تقود بالنتيجة الى تجييش الشعب ضد النظام الى ان يصل الي الانهيار والسقوط، بحجة الاتيان بنظام ديمقراطي، يثبت مؤسساتيا الحرية وحرية الرأي والتنمية والاستقرار، انما الحقيقة هي بخلاف هذا بالكامل، اي المجيء بنظام يخضع تماما للسياسة الاستعمارية الامريكية والغربية؛ بديمقراطية هشة لا تمت باي صلة، مهما كانت صغيرة الى الديمقراطية الحقيقية. لكنها، في الجانب الثاني؛ تفتح المجال واسعا بلا اي عوائق امام الشركات الرأسمالية العابرة للحدود والجنسيات؛ بنهب واستغلال خيرات هذه الشعوب والدول، وشعوب ودول المنطقة العربية في مقدمة هذه الدول والشعوب. ان هذه السياسة قد تم تلونها بألوان تناسب كل مرحلة وعصر، بما يلائم هذه المرحلة او ذلك العصر، من بداية القرن العشرين حتى هذه اللحظة، التي تمور بولادة نظام عالمي جديد، لا يغير في الاطار العام؛ من نهج القوى العظمى، القديم منها، أو الجديد الصاعد، (باستثناء الصين للحاكمة الايديولوجية..)؛ في ايجاد قواعد للنفوذ. لكنه، يفتح الابواب على سعتها، امام دول العالم الثالث، في المناورة واقتناص الفرص، اذا توفرت في قيادتها، صدق النية والشجاعة والاقدام. هذا التأطير هو الذي يتم به؛ تسويق هذه السياسة بلون العولمة وبالزخم الجديد والواسع، لليبرالية الحديثة، أو بألوان واشكال وطرق اخرى، بمعنى تطويرها حتى تكون بمستوى تطور ونضوج العقل البشري الذي ما عاد يقبل بالاستغلال والنهب، ومصادرة مصائر واستقلال وسيادة الدول والشعوب؛ بخطاب واجراءات تنسجم من حيث التسويق والاشهار، مع تطور العقل البشري والضمير الانساني، ليكون مقبولا تسويقا وتداولا للمستوى الذي بلغه العقل البشري، والضمير الانساني، من الحس بالظلم وانعدام العدل. وهي بهذا تشكل عملية التفاف على هذا التطور البشري، اقل ما يمكن ان يقال عنها؛ من انها عملية قذرة وغير اخلاقية، بل انها في هذا تشكل عملية استغلال لهذا التطور البشري؛ مستخدمة في ذلك، الخطاب الاعلامي الذي يغطي الساحة الاعلامية في كوكب الارض، بالشكل الذي لم يعد فيه، صوت الحق والحقيقة مسموعا في هذه الساحة. يزيدها اي هذا الاعلام المخادع، صدقا كاذبا؛ الدراسات الاستراتيجية التي تخرج بها علينا مؤسسات البحوث الاستراتيجية التي ترتبط بالشركات العملاقة وبالتالي وبالنتيجة بحكومات الدول العظمى والكبرى الاستعمارية. هذه الدراسات هي من يعتمد عليها في تخليق فضاءات جديدة في دول العالم الثالث، بفعل الفاعل الاستعماري، وليس بفعل الفاعل المحلي لتلك الدولة او هذه الدولة؛ بمعنى اكثر دقة، التثوير الاثني والطائفي (على صعيد الدين الاسلامي)، والقومي، بأدوات يتم تهيئتها واعدادها مسبقا، او تهيئة الاجواء والبيئة السياسية، لظهورها صراعيا، حتى تكون وسيلة للتناحر والتفتيت، ومن ثم تتدخل تلك القوى الاستعمارية العظمى( امريكا وغيرها..) كفاعل انساني يعمل من اجل احلال الاستقرار والامن والمحافظة على امن الشعوب وحريتها في تلك الدول المستهدفة كما هو حاصل في الوقت الحاضر، والذي هو نتائج، لما هو قد حصل لشعوب العرب قبل هذا الوقت، قبل اكثر من قرن. ان جميع هذا الذي جرى والى الآن يجري في منطقتنا العربية؛ تستخدم فيها أدوات عربية، سواء ما كان منها أنظمة او ما كان منها معارضة، (وهنا نحن لانقصد المعارضة الحقيقية التي تعمل من اجل الحرية والعدل والحق، وانهاء النظام الرسمي العربي المستبد، بل ان ما نقصده هي المعارضة التي تم انتاجها في الغرف المظلمة لقصور الاستعمار الكوني الامريكي وغيره الكثير، بل ان ظهورها المتزامن مع المعارضة الحقيقية؛ يشوه الاخيرة اولا، وثانيا؛ وبسبب الدعم اللامحدود للأولى، ماديا واعلاميا وتسليحيا؛ تختفي الأخيرة من مشهد الصراع.) التي حولت الانسان الى سلعة معروضة للبيع بسبب الفقر وانعدام فرص الحياة الحرة والكريمة، التي كانت اي امريكا، وغيرها؛ هي، السبب الاول والاخير فيه، بدعمها النظام العربي المستبد لعدة عقود سابقة. ان هذه العملية الاستعمارية بمجملها، وخلال قرن ونيف سواء ما هو حاصل في منطقتنا العربية او ما هو حاصل في بقية الجهات الاربع للمعمورة؛ في امريكا اللاتينية، وفي افريقيا، وفي اسيا؛ كانت قد قامت بتسليع الانسان، كما اي سلعة معروضة للبيع وتخضع لشروط السوق، من العرض والطلب. حتى انتشر هذا الأمر بطريقة واسعة جدا، تثير الرعب والقرف في آن واحد، تمارسها تقريبا جميع الدول العظمى والكبرى وحتى بعض الدول في منطقتنا العربية، التي لا تريد ان تزج ببشرها في اتون الحرب، لهو عمل وحشي بكل ماتعني كلمة وحشي، ليس حبا بشعوبهم، انما تجنبا للتحشيد والتثوير ضدها، اي ضد نظامها. بفعل قدرتها على الدفع بالدولار لبشر ضائع في ممرات التيه العربي، باستغلال بحثه الدائم عن حياة حرة وكريمة، مستقبلا، بتأجير جسده للبندقية والمدفع. ان عملية شراء البشر للقتال بالإنابة، تمارسها الدول العظمى والكبرى بدرجة كبيرة جدا، وواسعة جدا، امريكا وروسيا، وغيرهما، بواسطة ما يعرف بالشركات الامنية؛ بلاكووتر، وفاغنر وغيرهما الكثير. ان تسليع الانسان، لم ينحصر في تقديم العروض المغرية له؛ كي يقبل تحت ضغط الحاجة للمال، وأغلب الاحيان للإفلات من حصار الجوع، وانسداد افاق الحياة المستقبلية امامه، وهنا نعني المنطقة العربية، السودان، والصومال، وغيرهما. أما تأجيرهم في الدول العظمى والكبرى، فهو مهنة احترافية، كأي مهنة احتراف؛ يؤطر شرعيتها القانونية، النظام الرأسمالي المتوحش؛ بل ان الذي لا يقل اهمية عن قبول الانسان بتأجيره لحرب لا تعنيه؛ هو عملية شراء الذمم بالمال والمنصب والجاه، في الدول التي يراد زعزعة امنها واستقرارها؛ بتكوين كتل او مراكز او تجمعات معارضة للنظام، (بينما المعارضة الحقيقية، التي تحمل برنامج عمل واضح، وبروحية وفكرية وطنية عالية جدا؛ للتغير، يتم محاصرتها والتضييق عيلها..) في هذه الدول في جميع اركان العالم، بما فيها الدول العظمى والكبرى كروسيا والصين، عن طريق العقوبات الاقتصادية بتقليص مساحة الرفاه والتطور. روسيا لا تتأثر الا قليلا، والصين لا تتأثر بالمطلق، والمقصود هو التأثير على مساحة الرفاه والنمو والتطور. لكن، ان المصيبة هي في دول العالم الثالث بما فيها دول منطقتنا العربية؛ فالعقوبات هنا لا تقلص مساحة الرفاه ان وجد، وهو اي الرفاه، ليس له وجود في اغلبها، بل انها تؤثر على فرص العيش والحياة الكريمة بصورة كلية وشاملة. ان أخذ حياة الانسان، ولقمة عيشه، كرهينة الى ان يتم تنفيذ مخطط ما يريدون وهنا نقصد الامريكيون والغرب بصورة عامة. ان هذه العقوبات الاقتصادية تتعارض تماما مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان، من جهة، ومن الجهة الثانية وهي الاخطر والاكثر اهانة للإنسان، هو جعل حياته مهمة، في ميدان الصراع وكسر الاعناق ولي الاذرع، كما يحدث في المنافسات والصراعات في الاسواق للحصول على الصفقات الكبرى، في اقتصاد السوق.