يرى علماء الاجتماع ان المجتمع المتخلف هو المضطرب منهجيا في تفكيره، ولا يواجه الحياة بخطط علمية تقوم على منطق تسلسلي مرتب يعالج مشاكل الواقع.. ميدانيا، وبالتالي تزداد فيه حدة الفوضى.
وجدول عالم الاجتماع المصري أ. د. أحمد عيسى، الصفات الاجرائية للمجتمع المتخلف بأنه يعتمد على البيئة والطبيعة، وترتبط مفاصله بنظام القرابة، وليس فيه تقسيم العمل الا لضرورات السن والجنس، وهي إلزامات ملجئة غير نابعة من وعي حيوي وثاب يستشف المستقبل ويرصن الراهن، ويرسخ حكمة الماضي وموعظته الحسنة من دون الوقوع في أسر قيوده.
كما أشار د. عيسى الى أن المجتمعات المتخلفة تعتقد بالسحر والغيبيات، حد الكفر وتدمير حياتهم إنشدادا شغوفا بمعجزات لن تجيء، وبالتالي يغرقون في الجهل.
لذلك أرى واقع العراق.. وفق نظرية الأطر.. التي تنص على القدرة في تأطير الرسائل المقدمة ووضعها في قوالب معينة: أننا شعب غير قياسي؛ لا يمكن تأطيره وفق أية نظرية.. وبهذا يفند العراق نفسه، خارجا من “نظرية الأطر” فينفلت الكلام من عقال المنطق؛ ليعيد الحسين.. عليه السلام، توجيه سؤاله المطلق الى العراقيين: “أليس فيكم رجل رشيد؟”.
العراق حاليا عبارة عن شعب مضطرب، وسلطة لا تعنى بالتخطيط المنهجي إلا بما يخدم فسادها.. مجتمع تسيره قناعات جوفاء ترائي بالمقدس إستعراضا يفند القانون ويجلد المجتمع.
إدعاء الحرص على الماضي أدى الى إنفلات المستقبل متسربا من بين أصابع همجيتنا، ومكثنا ننوء بفوضى إيديولوجية موارة.. تتشظى متمزقة بين الإنحراف عن التعاليم المنزلة وبين إشتراطات الفساد الوضعي الذي تحول الى قاعدة والنزاهة إستثناء، حتى بات الإختلاس حق مكتسب للمنصب والمذهب والنفوذ السياسي “الحق للسيف والعاجز يريد إشهود”.
سيرا على قواعد د. احمد عيسى، نحن مجتمع والغ بالعشائرية مثل خطم ذئب مسعور.. مجتمع يتخطى فيه القرار الرسمي، الكفوء لصالح المحسوبية، مؤمنين بالسحر أكثر من العلم والدين، وكل الدجالين يرددون: “أعلج بالقرآن” محاججين باطلا بكلمة حق: “الرسول قال: عليكم بالشفائين.. القرآن والعسل”.
بتنا نعلن جهلنا متشاطرين على الدين والدنيا.. متفاخرين حد الإلتصاق بالتخلف تاركين بونا شاسعا يفصل عقولنا المحيدة عن التقدم الحضاري الممنهج معرفيا.
فكيف يكون التخلف بعد أن إنطبقت علينا نظريات الهمجية ميدانيا، وأقصتنا بقصد سلطوي عن العلم والمعرفة كي لا نتقدم في الحضارة.. وهم ينتفعون.
براكماتيون يغذون سوء وعي المجتمع.. يدمرونه دينيا ومعرفيا وإجتماعيا وإقتصاديا؛ كي يتربحون.. شخصيا وفئويا، كمن يقطع شجرة عيطة؛ ليستخرج منها عود ثقاب! فمن أجل منافع شخصية ضيقة باعوا موانئ وحقول نفط ومساحات من حدود العراق مع دول الجوار.. لم يكتفوا بسرقة العراق وبيعه جملة ومفرداً، إنما تآمروا عليه بتقاضي رشاوى نظير حسم القضايا العالقة بينه والآخرين لصالحهم وضد أجيال المستقبل، وليس آخرها بيع النفط الخام والثروات الأخرى في مكامنها الجيولوجية بين طبقات الأرض العراقية الممتهنة.. لا حرمة لها… والحبل على الغارب.