ربما تساءل كثيرون وانا منهم عن المازق الذي اوقع السياسيون العراقيون انفسهم فيه عندما لم يعد امامهم من حلول لمشاكل البلاد سوى اللجوء الى اخر الدواء الذي هو هنا ليس “الكي” مثلما هو متعارف بل .. الشرف. فلقد وقعوا فرحين مزهوين باكين على ما اتفقوا على تسميته بـ “وثيقة الشرف”. وعلى الرغم من ان الدول خاصة تلك التي تحترم نفسها وشعوبها وليس تلك التي لاتقيم وزنا لاتفاقية او مبادرة او طاولة “خصوصا اذا كانت مستديرة” لاتبنى الا بميثاق واحد وهو العقد الاجتماعي الذي يطلق عليه الدستور, فان امر دولتنا يختلف من “الباب للمحراب”.
فمنذ اربع سنوات وهو عمر الحكومة الحالية الحقيقي لا الافتراضي ـ هناك كلام خلف الكواليس بشان تمديد عمر البرلمان وهو ما يعني تمديد عمر الحكومة بالضرورة ـ ونحن نتحدث عن اتفاقية واحدة هي “اتفاقية اربيل” .. راحت اتفاقية اربيل , جاءت اتفاقية اربيل, وين ضرب الدهر باتفاقية اربيل واين نولي وجوهنا بعد اربيل. ولو جمعنا ما قيل عن اربيل وتوابعها وملحقاتها لوجدناه يعادل كل ما كتب وقيل عن اتفاقيات سايكس بيكو وسان ريمو ولوزان ووعد بلفور “على طيحان حظه” وسالت 1 وسالت 2 واوسلو ووادي عربة وكل انواع الاتفاقيات التي عقدت في جنيف منذ عصبة الامم حتى جرغد امي وعصبتها رحمها الله.
وسواء باربيل او قبلها من مؤتمرات واجتماعات ولقاءات وبرعايات مختلفة بعضها رعايات رئاسية واخرى دينية وبين بين , فاننا لم نتمكن من ايجاد حل للازمات التي مررنا بها وعانينا منها خلال السنوات الماضية سواء على صعيد اعمال العنف الطائفي والحرب الاهلية او ملفات الفساد او النقص الحاد في الخدمات او وضع حد للاتهامات المتبادلة بين اركان الطبقة السياسية بالارتهان للاجندات الخارجية.
الحل الشرفي هو اخر الحلول على ما يبدو حيث تحول الى “وثيقة” اريق على جوانبها حبر الاقلام التي اختلطت بدموع الدكتور ابراهيم الجعفري. بعض كبار الموقعين (نوري المالكي تحديدا) قالوا انهم جاءوا مكرهين حيث الجأتهم الازمات الى ذلك, بينما اعتبر اخرون من كبار الموقعين (اسامة النجيفي) ان هذه الوثيقة في حال لم يجر الالتزام بها سوف تكون المسمار الاخير في نعش العملية السياسية. اما كبار الرافضين (اياد علاوي) وقد كثرت اسئلة الصحفيين بعدم حضوره حتى كاد يسرق الاضواء فان لا وثيقة عنده غير اربيل وملحقاتها وهو ما كرره صالح المطلك ايضا الذي يرى ان منصبه “كشخة ونفخة فقط”. والسؤال الذي بدأ يفرض نفسه بقوة هو .. هل يلتزم القادة بما الزموا انفسهم به طالما ان القضية “وصلت للشرف”؟ وما الذي يمكن ان تخبر به الطبقة السياسية الناس في حال لم يجر الالتزام بالوثيقة ؟ قد تبدو طبقتنا السياسية محرجة فعلا. ولكن لايزال في السيف منزع وللزمن بقية ومن لحظة التوقيع حتى اوان التنفيذ .. الله كريم ومن الباب لـ “كوسر فرج” وربما .. الف عمامة تميل.