في مقالة سابقة كتبت بعد نهاية خليجي 21 مقال بعنوان (خسرنا الخليج لنربح البصرة), كنت أنقل حسرة وألم خسارتنا في تلك الدورة, سنوات كنا نعيش فيها العزلة الدولية والرياضية, لم يقف مع الشعب العراقي أحد وهو يذبح كل يوم, كان من المقرر إقامتها في البصرة ولكن اللجنة المشرفة رفضت ونقلتها للبحرين, تعالت الأصوات وتحركت العواطف وتفجرت البراكين في دواخلنا متهمين العرب بالمؤامرة علينا, والفيفا إتهامناه بالرشوة, ما نعانيه أصبحنا نشكك بالبعيد والقريب, شعبنا يذبحه العدو بأيادي وحواضن الداخل, الجار يبيع جاره والصديق يخون صديقه, مزقنا الإرهاب وإستخدم جميع وسائله الخبثة لتفرقتنا. نبكي حينما تنهي المباراة ونفوز فرحناً بالفوز وحزناً على ذلك الفرح الموحد الفاقدين له منذ قرون, نبكي لأننا لا نعيش مثل بقية الشعوب التي تجاوزتنا في العمران والتقدم وإقتصاد الفرد والسكن والأمن والرفاهية, نعم فرقنا الساسة وجمعتنا الرياضة, نحلم ان نكون مثل تلك الأمم التي لا تفوقنا بالثروات, نطمح أن نقيم الدورة 22 في البصرة, نستقبل ضيوف العراق ونعملهم كرم العراقيين وطيبة أبناء البصرة, كنت اخاف ان يأتون وتكشف عوراتنا ومأساة البصريين, شوارع أسنة وأمن مفقود وماء مالح, شناشيل متهالكة وشباب يجوبون الشوارع بحثاً عن عمل في مدن العراق, الفقر أكل أهلها وهي شريان العراق, تحمل الذهب وتأكل الشوك, لا تحصل من نفطها سوى الأمراض وتلوث البيئة والسيارات التي تزاحم حياتها المدنية, أمل كان يلوح في الإفق أن تكتمل المدينة الرياضية والبصرة بأقتصادها مركز وعاصمة اقتصادية تغذي العراق, تصادمت على أرضها أنابيب النفط والمصالح, ماتت أمنياتها مثل نخليها وقوفاً, ضاع حلمنا لإحتضان دورة الخليج والتطور, المدينة الرياضية رغم إنها افتتحت أمام الإعلام بعد نقل الدورة22 الى جدة, كان تحدي للجان التي نقلتها من العراق وحرمت أبنائه الحلم الكبيرة, لم يصمد المهرجان الاّ ساعات وإنقطعت الكهرباء, إوقفت المباراة وعرفنا أن المدينة من الظاهر لم تكتمل والبصرة مدينة منخورة, وبالعودة الى شوارع مدينة الخير وسلة العراق,مأسي وهموم كبيرة, لا تزال محرومة من الصلاحيات والبترودولار بيد الحكومة المركزية, ولا يزال شبابها عاطلون عن العمل والتعليم متأخر, مدينة تفوق دبي وجدة والخليج بأكمله, غير مؤهلة لإستقبال الضيوف, كيف لها بتلك الشوارع ان تحتضن يومياً ما يزيد عن 100 ألف سائح, المدينة الرياضية وحدها تحتاج 1000 ميكا واط بينما تجهيز البصرة 800 ميكا واط يزاحم السكان إحتياج معامل النفط والبتروكيمياويات. كيف تروي ضمأ الشباب العراقي للأحتفال بتلك العروس المرملة في ليل زفافها, ماذا نقول للسياب والظلام لا زال يحتضن العراق, وماذا نقول لمدينة العلماء والمفكرين والشعراء وهي تعيش الفقر والأمية, كنت أتمنى أن تكون الإستعدادت كبيرة ونرى البصرة بصورة تضاهي العواصم الأخرى المشابهة, بشوارع نظيفة ومشاريع عملاقة وناطحات سحاب ومعابر حدودية متطورة, نفصح عن حضارتنا ويتجول السائحون في أور وبابل والحدباء وسامراء والمراقد المقدسة, يتسوقون من أسواق كبيرة وخدمات متطورة, رسم على الأواني والملاعق والملابس تاريخ أقدم الحضارات, لكننا خسرنا إحتضان الدورة وخسرنا ان نرى البصرة بثوب بهي نجاري به العالم ومورد إقتصادي يدر خيراً على العراقيين.
البصرة لا يراد لها ان تفرح ويفرح بها العراقيون, ولا تزال من يوم الجمل الى اليوم مدينة للمؤامرات والحلم بالسلطة إنطلاقاً منها, لكننا خسرنا تنظيم دورة الخليج وخسرنا البصرة أن نجعلها مدينة تليق بخيراتها ويرد الجميل لتضحيات أهلها.