يرى الكثير من العراقيين بأن تحسين العلاقات والتطبيع مع أسرائيل هو الذي سيضع حدا لمأساة العراق والعراقيين التي يعانون منها منذ عقود، ويمكن أن يعيشوا بأستقرار وسلام ورفاه وتقدم وأزدهار أذا تم ذلك!، حيث يرى هؤلاء بأن مناصرة القضية الفلسطينية ومعاداة أسرائيل، لم تجلب للعراق وشعبه غير وجع الرأس وكل مصائب الدنيا؟!. وبعيدا ممن يرون ذلك، فأن الواقع الحالي للمشهد السياسي والعسكري والأمني، وكذلك الواقع المحلي والأقليمي والدولي بين أسرائيل والأمة العربية الآن، هو ليس نفس صورة ذلك المشهد والواقع، من بعد ظهور أسرائيل كدولة عام 1948 من القرن الماضي ، فكل الأمور الآن تصب لصالح أسرائيل وترجح كفتها على الأمة العربية!، عسكريا وسياسيا وأقتصاديا وأمنيا وفي كل شيء!، حيث أستطاعت أسرائيل وبفضل أخلاص ووطنية وذكاء قادتها وزعمائها أن تحقق الكثير من الأهداف التي خططت لها طيلة 80 سنة التي مضت على وجودها!، والأهم في ذلك هو نجاحها بتحويل بوصلة الصراع العربي الأسرائيلي، الى صراع عربي عربي، حيث جعلت العرب يتآمرون ويدمرون بعضهم البعض وهي تتفرج عليهم وتغذي تلك الصراعات بأكثر من طريقة وطريقة!. ومن الطبيعي عندما نذكر أسرائيل فأننا سرعان ما سنأتي على ذكر فلسطين، وقضيتها التاريخية مع أسرائيل التي أسست وجودها وكيانها من أغتصابها لحق الشعب الفلسطيني في أرضه ومياهه. ومن المعروف أن العراق كان له دور مؤثر وفاعل في الصراع العربي الأسرائيلي، وقدم كل العون وكل ما يستطيع من أجل نصرة ودعم القضية الفلسطينية بالمال والسلاح والرجال، ولم يبخل ويتوقف في ذلك الدعم، وعلى مر كل الحكومات التي حكمت العراق من ملكية الى جمهورية. وقد شارك العراق في كل الحروب التي خاضتها الأمة العربية ضد أسرائيل بكل فاعلية رغم أنه ليس دولة مواجهة مثل مصر وسورية والأردن، (حرب/ 1948- 1967- 1973 ) وقدم المئات بل الألاف من الشهداء في تلك الحروب، من أجل القضية الفلسطينية، ولا زالت قبور الشهداء العراقيين من ضباط ومراتب الذين أستشهدوا في حرب 1948 موجودة في مقبرة ( شهداء الجيش العراقي التي تقع جنوب مدينة جنين الفلسطينية، حيث دفن فيها 44 شهيدا عراقيا ممن شاركوا للدفاع عن تلك المدينة، حيث يوجد داخل المقبرة نصب تذكاري يخلد شهداء الجيش العراقي)، ناهيك عن الشهداء الذين سقطوا في حرب 1967 وحرب 1973 على الجبهتين السورية والمصرية. وهنا لابد من الاشارة بان الأخوة العرب ومع الأسف طالما يحاولون وبشكل متعمد! طمس وتهميش الموقف العراقي البطولي في تلك الحروب وخاصة موقف العراق في حرب 1973 ، حيث لولا الجيش العراقي لسقطت سورية!، ناهيك عما قام به الطيارين العراقيين من دور بطولي ومشهود على الجبهة المصرية!، وخاصة بتحقيق الضربة الأولى على أسرائيل. وفي الحقيقة أن القضية الفلسطينية كانت وظلت تمثل المحور الأساسي ضمن سياسة أية حكومة قادة العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحد الآن!، حيث لم نسمع ونشهد أن حكومة تراخت وتنصلت في دعمها للقضية الفلسطينية. وهنا لا بد من الأشارة بأن الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين يرون بأن النظام السابق كان من أكثر الحكومات العراقية وأكثر الأنظمة العربية التي دعمت القضية الفلسطينية، الى حد التطرف والتهور!، في ذلك الدعم الذي كان على حساب لقمة عيش الشعب العراقي وأمنه وأستقراره، بل على أستقرار البلد بشكل عام!. الشيء المؤلم أن العراق ورغم كل تلك المواقف والتضحيات التي قدمها من أجل القضية الفلسطينية، لم يحصد غيرالفشل والخيبة ونكران الجميل وكره العرب له وغدرهم به وخيانتهم للقضية الفلسطينية!. فدعم العراق للقضية الفلسطينية ومحاربة أسرائيل جلب له الكثير من الويلات والمشاكل والمصائب مع العالم ومع دول الجوار والدول العربية، حيث تبين بأن العراق بالوقت الذي وضع نفسه في واجهة الأحداث السياسية الدولية والأقليمية والمحلية من أجل دعم ومناصرة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني، كانت الكثير من الدول العربية على علاقات سرية متينة مع أسرائيل وكانت تضمر للعراق ولفلسطين الشر والغدر والخيانة!، وتبين ذلك واضحا بعد الأحتلال الأمريكي الغاشم للعراق، كيف أنهالت الدول العربية على قتل العراق وتدميره ونهبه وتمزيقه ولحد الآن!، وكيف أصطفوا بكل فرح على طريق التطبيع رافعين رايات الأستسلام والسلام مع أسرائيل!. ومن الطبيعي أن من يتحدى أسرائيل ويحاربها بصدق وبجدية فعليه أن يعرف بأن النتائج سوف لن تكون سهلة، بل ستكون قاسية وكارثية، والعراق مثال ذلك!. لا يخفى على أحد بأن أمريكا وبريطانيا وفرنسا وباقي دول الغرب هم من كانوا وراء قيام دولة أسرائيل عام 1948، وقدموا لها كل أشكال الدعم والمساندة وفي كل المجالات المالية والعسكرية والأمنية، ناهيك عن الدعم السياسي الكبير لها في المؤتمرات والمحافل والمنظمات الدولية!، كما حظيت أسرائيل بدعم مهم وقوي ومؤثر، من قبل المنظمات الصهيونية العالمية الكبيرة والخطيرة التي تستطيع، بل وتملك التأثير حتى على سلطة القرار في الكثير من دول العالم وعلى رأسهم أمريكا!. فوصلت أسرائيل الى ما وصلت أليه الآن من قوة وسيطرة وتغلغل في المنطقة العربية، حيث (تسرح وتمرح) فيها كما يقال، وخاصة بعد الأحتلال الأمريكي الغاشم واللئيم للعراق عام 2003!، العراق الذي طالما شكل لأسرائيل كابوسا مزعجا منذ قيامها عام 1948 والى الآن!، وصولا الى بدأ مسيرة التطبيع العربي مع أسرائيل، التي لازالت تناضل وتكافح لتحقيق حلمها المنشود بأقامة دولتها الكبرى من (النيل الى الفرات)!. والحق يقال أن العراق دفع ثمنا كبيرا بسبب معاداته لأسرائيل ودعمه للقضية الفلسطينية، وجاء الأحتلال الأمريكي له ليضع حد وليكون خاتمة لتلك المعاداة مع أسرائيل!، ومع أحتلال العراق وبدأ مسيرة العار العربي للتطبيع مع أسرائيل أصبحت فلسطين وحق الشعب الفلسطيني في خبر كان!. نعود الى موضوع التطبيع مع أسرائيل وعن رؤية من يرون ويعتقدون أن التطبيع مع أسرائيل لربما سيأتي للعراق بالخير والأستقرار وراحة البال والأزدهار والرفاه كما ذكرت في بداية المقال، أقول: ليسمح لي هؤلاء بأن أقول لهم بأنكم واهمون في ذلك!، أن أسرائيل اليوم هي ليست أسرائيل الأمس أسرائيل الخمسينات والستينات من القرن الماضي وما تلاها من سنوات، فبعد نجاح أسرائيل بتحويل صراعها التاريخي مع العرب الى صراع عربي عربي، وصراع فلسطيني فلسطيني ( بين منظمة التحرير الفلسطينية ومنظمة حماس)!، وبعد أن أستطاعت أن تمزق صورة الأمة العربية وتشويهها جعلت من العرب، هم من يريدون ويطلبون التطبيع معها والعيش بسلام لا هي من تطلب ذلك؟!، ولتذهب فلسطين وحقوق شعبها الى الجحيم!. فأسرائيل ترى أن مسألة التطبيع معها صار أمر مفروغ منه وهو مسألة وقت لا أكثر، للدول التي لم تطبع بعد!، وحتى هذه الدول هي في حقيقتها راغبة في ذلك ولكن بشيء من الأستحياء!، بعد ما وصلت الى ما وصلت اليه الأمة العربية من تمزق وتشتت وفرقة!. كما أن أسرائيل ترى بأن هناك فرق كبير بين الدول التي ساندتها ووقفت معها وأقامت معها علاقات طيبة وسرية منذ سنوات طويلة، أيام المد القومي والعروبي، عندما كانت أسرائيل وحيدة، تتمنى بكل السبل أن تكسب رضا دولة عربية واحدة عنها!، فلا شك أن هذه الدول تحظى بتقدير عال ليس من قبل أسرائيل فحسب ، بل من قبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وباقي دول الغرب!، مقارنة مع الدول التي سيفرض عليها التطبيع لا حقا شاءت أم أبت ذلك!، فالتطبيع مع أسرائيل بالنسبة لهذه الدول سوف لن يغير من واقعها السياسي والأمني والأقتصادي أي شيء!؟، بل لربما سيجلب لها التطبيع المزيد من المصائب والمشاكل على عكس ما يتصورون!، لأن أسرائيل تبقى دولة لقيطة وطامعة وفرضت نفسها ووجودها بالقوة، ولها أحلامها التوسعية التي تحمل كل نوايا الشر تجاه العرب والأسلام بشكل عام وخاص!. أخيرا نقول: أن وجود أسرائيل بالمنطقة والأعتراف بها، أصبح أمرا واقعا مسلم به ومفروغ منه!، وهذا ما أستطاعت أن تفرضه امريكا وبريطانيا وفرنسا وباقي دول الغرب، فأما أن تطبع وتسكت وتقبل وأما أن تتحمل النتائج وغضب أمريكا ودول الغرب عليك وعلى شعبك، بل أنك ستبقى وحيدا في هذا العالم، رغم أن التطبيع لن يغير من واقعك أي شيء!، فهذا منطق العصر منطق القوة والعقل، فالعالم لا يحترم الضعفاء، كما لا يحترم الأغبياء!.