كنت اكتب كلماتي غير ملتفت الى ان هناك عينين تطالعان سطوري التي اخطها على صفحة كتاب الذكريات واعطيتها الرقم (11) وقبل ان تسألني لماذا الرقم (11)اقول لأن رسمهما بهيئة خطين متوازيين وهذا يعني مساحتهما واحدة وحجمهما متساو ظاهريا وان اختلفت قيمتهما اذ الاول يكون في مرتبة الاحاد والثاني بمرتبة العشرات وكل يمثل شخصية مستقلة منفردة وهكذا ان اضفنا عدد أخر ترتفع المرتبة الى المئات وكلما اضفنا عددا ازدادت المراتب مرتبة ولكن الاعداد جميعها تكون خطوط متوازية ترتفع نحو الاعلى .تتجاور ولا تلتقي مهما طال بها الامد. وهكذا…..
وجدته يسترق النظر الى عباراتي التي سطرتها…..
(قال امير المؤمنين (عليه السلام):- انما سمي الصديق صديقا لأنه يصدقك في نفسك ومعايبك فمن فعل ذلك فاستنم اليه فإنه الصديق).
وقال ايضا:-
(لا يعرف الناس الا بالاختبار, فاختبر أهلك وولدك في غيبتك ,وصديقك في مصيبتك ,وذا القرابة عند فاقتك, وذا التودد والملق عند عطلتك لتعلم بذلك منزلتك عندهم).
صديقي الذي يصدقني …اجل الذي يصدقني وليس الذي يصدقني وان كنت صادقا ,يصدقني المحبة ويمحضني الوداد ,يصدقني الحديث والعهد ويأخذ بيدي حين تزل بي القدم .
صديقي الذي يحدثني بكلمات ينطقها القلب وتؤمن بها النفس قبل ان تنطقها الشفاه .يتألم حين تنزل بي نازلة واراه سندي ويشد من عضدي ويبذل ما استطاع من الجهد ليقيني تلك النازلة. حبه لي دثار وليس شعار واخلاصه نهر يطهر كل ما علق من صفحات الضغائن وخفيات الوساوس. نهر جاري رافده شلال الاخلاص المتدفق من قمة الكمال والجمال وصدق الشاعر اذ يقول:-
ان صديق الحق من كان معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن اذا ريب الزمان صدعك
شتت فيك شمله ليجمعك
اين اجد مثل هذا الصديق…؟ وما ان انتهيت من كتابة علامة الاستفهام حتى هتف متسائلا….هل وجدت صديق بهذه الصفاة…؟
تركت قلمي وقرطاسي والتفت اليه كمن يعاتبه
باي حق تقرأ سطوري …؟
لأن هذه السطور ستنشر على الملأ فما الضير في ان اقرأها بدءا.
حرصت على ان اظل ملتزما بنبرة العتب والاستنكار فأضفت:-
لكنك لم تستأذني القراءة اولا ,اما حين تنشر على الملأ فعملية النشر بحد ذاتها هي ايذان بقبول القراءة.
ابتسم وامسك قلمي وكتب على صفحة القرطاس. .أأذن لي بالقراءة…
-ابتسمت انا الاخر وايضا كتبت على صفحة القرطاس…تفضل اقرا انت مأذون لك القراءة…
حين اتم القراءة اعاد علي َّالسؤال…؟
هل وجدت هذا الصديق…؟
فكرت مليا وتتابعت في ذهني صور شتى لأصدقاء محضتهم ودي لفترات مضت على اني لا استطيع ان اقول عنهم انهم بهذه الصفاة.
وحين طال بي الامد اشرت اليه ان الاغلب ليس بهذه الصفاة.
اذن انهم ليسوا اصدقاء الشدة او كما قال فيهم القائل(صديقك من يصدقك وليس من يصدقك)
اجل الاغلب هكذا.
وهل تعرف مثلا شعبيا يعينك على اختيار الصديق….؟
لا…لم يسبق لي ان سمعت او قرأت شيئا كهذا.
اذن فاسمع انه يتمثل ببيتين من الشعر الشعبي بشكل نصيحة في اختيار الاصدقاء يقول فيها الشاعر:-
صاحب صحيبك سنة وعكب السنة جربة
واحجي عليه بالردى وعكب الردة جربة
رميت القلم من يدي واتكأت الى مسند الكرسي وتأملت هذه الكلمات البسيطة في لفظها والعميقة بمضمونها فظن صاحبي انني لم اعرف معناها لذا راح يشرحها قائلا:-
معنى الشطر الاول من البيت الاول هو مصاحبة الصديق لمدة عام كامل وبعد مضي العام تقرب اليه وهو ما يتضمنه الشطر الثاني من البيت الاول
واما الشطر الاول من البيت الثاني فيخبرك بأنه ان اردت ان تجربه كصديق خاصمه وتكلم عليه بما يغضبه وهذا اختبار لأنك حين تغضب شخصا ما سوف تمتحن اخلاصه لك وصبره عليك وحبه الذي لا يغيره الغضب فأن وجدت انه لم يتغير بمشاعره واخلاصه ولم يذكرك بكلام سيئ اعلم انه هو الصديق المخلص فاتخذه صديقا ومؤتمنا.
امضيت وقتا ليس بالقصير متأملا هذه الكلمات ومراجعا سجل صداقاتي باحثا عن صديق تنطبق عليه هذه الصفاة وتلاحقت الصور واختلفت الاسماء ولكني لم اجد بغيتي …آه …تذكرت عبارة قرأتها في كتاب (لا تحزن اصدقاء الشدة قليلون)