22 نوفمبر، 2024 11:57 ص
Search
Close this search box.

الإصلاح وليد بيئته

الإصلاح وليد بيئته

لايمكن إن تتخذ الآمال كمنطلق لأنها تشكل دافع مضاف يعضد من الحركة لا أساس جوهري لها، ولايمكن التعكز على الخيال لتعويض ضعف الواقع في المسير نحو تحقيق الهدف ، ببساطة إن كل ذلك يعزز من الوهم بصورة تصاعدية لحين ترسخه في ذهن الفرد والمجتمع على حد سواء.

الإصلاح عملية مترابطة ومتصلة لايمكن الوصول لفاعليتها المنشودة لها مالم تهيئ كل جوانبها في ذلك، ولعل أهم هذه الجوانب هو إن تحاط ضمن أُطرها البيئية، أي إن تكون ملائمة وتكون ملبية لطرق المعيشة والتفكير وإلا فسيكون الأمر إطالة في أمد الخلل، فمن غير المنطقي مثلًا إن نحفظ أمن إحدى عوائل البدو في بلدٍ ما بشراء طائرة إف 16 لأحد ابنائها، ولايمكن إن تكلف فردًا من خارجهم بهذه المهمة ولو كان من أفضل الطيارين، لأن ذلك يعني ببساطة رهن الإصلاح بإرادة الغير أو دعنا نلتمس الوصف الدقيق تحويل الخلل من حالته الموجودة لصيغته المفتعلة عبر تحكم هذا الأجنبي من منطلق البدو بسياقات المعالجة، ولذلك فالحل الأمثل غالبًا مايكون بتوفير شقيه الآني والمستقبلي فالمعالجة الحالية قد تتطلب جملة إجراءات تتلائم ومقتضى إمكانياتهم والتي قد تتمثل بتزويدهم بالسلاح، وحد بعيد أو مستقبلي والذي يتخذ المسار التدريجي وصولًا لنقطة الهدف والذي مثاله عنصر التدريب لقيادة هذه الطائرة لو سلمنا جدلًا هنا بأنها الحل النهائي لهذا الخلل، مع ملاحظة إن المثال جاء لتبسيط الصورة وإن كان بعضه غير منطقي بالمرة في ظل الوقت الحالي.
كما ويلاحظ في كثير من الأحيان اعتماد بعض مفكرينا العرب للإشارة لحلول لايتوافر فيها خصوصية هذا العنصر البيئي، فتغدو على صحتها أشبه بحالة خيالية، رغم أنها قد تجد قبولًا في بعض الأوساط ولكن لايعد مجرد القبول الفكري لها كافيًا لتحقيق غاية الإقناع والتغيير، لأن الواقع البيئي يمثل دومًا حالة تصدي كبيرة لأي محاولةٍ، نظرًا لنسيجه المتشابك والمدعم بعنصر الزمن الذي يفضى لرسوخ عدة مصدات،
ويؤخد على هذه الحلول بغض النظر عن غائية مطلقيها، أنها لاتراعي النمط الاجتماعي بالدرجة الأساس، فتنشئ تبعًا لذلك مقاومة ذاتية صلبة في بادئ الأمر، وخصوصًا إن غالى مطلقوها بالتعنت لها، فيمسي الأمر أشبه بمعادلة نيوتيوينية تتضح تمثلاتها بطرفين يتبادلان ردات الفعل المتضادة والمتساوية بصورة عسكية كلما أشتدت قوة الفعل الأولى الذي في هذه الحالة هو طرح الحل،
وأيضًا لايسلم مطلقوا مثل هذه الحلول من الخلل أيضًا، وهنا نقصد الاستلاب بمختلف ملحقاته، إذا يعاني بعضهم من دونية نفسية اتجاه الانتماء لمختلف مفاهيهم العقدية والعقلية والبيئية، وبالتالي التغرب عن ذاتيتهم،
مما قد يجعل طروحاتهم متشنجة غير ملائمة بفعل تأثير هذا الدافع، والذي قد يؤدي في بعض الأحيان لأن يكون هو الأساس لإطلاقها أي (الاستلاب) لا الرغبة في معالجة الخلل وهذا مايعضد من بقائه ويجعلنا ندور في حلقة مفرغة، من حيث طرح حلول لاتمت لماهيتها إلا بالاسم.

ختامًا فأن إصلاح أي شيءٍ يجب إن ينطلق من ذات البيئة، لكي يكون أكثر اتساقًا وتفاعلًا مع الهيكلية المكونة لبنيته، وإلا فلن يكون الأمر سوى محاولات عقيمة في مجتمع عاقر.

 

أحدث المقالات