26 نوفمبر، 2024 6:41 ص
Search
Close this search box.

شيعة السلطة بين الفشل والتبعية

شيعة السلطة بين الفشل والتبعية

لا تختلف الغالبية العظمى من العراقيين وأخص بالذكر الشيعة منهم في ان التجربة السياسية الشيعية في العراق قد فشلت بإمتياز على مدىثمانية عشر عاما ً خلت من عمر الدولة العراقية الحديثة ، فتسلط احزابها الاسلامية المؤدلجة على رقاب الناسوهيمنتها على مقدرات البلد الاقتصادية وضعف انتمائها الوطني قادبالنتيجة الى خسارة نفوذها الذي بنتْهُعلى خطاب إسلامي متشدد لا يحملاية صبغة وطنية ، كون ان هذا النفوذ يستمد مقوماته من الحالة الإيرانية التي تحولت إلى صداع مزمن فيالمنطقة.لقد كان إختيار الكاظمي لرئاسة الوزراء يمثل الحالة الاولى التييتفق عندها الساسة من شيعة السلطةرغم خروجها من دائرة نفوذ الإسلامالسياسي في العراق، بعدما تحولت معادلة صناعة السلطة في بغداد من ثلاثية تشارك فيها المرجعية الشيعية والولايات المتحدة وإيران، إلى رباعية،بدخول الشباب المنتفض على خطالتأثير في صناعة القرار .كما توصف انهاالمرة الاولى التي تتراجع فيها الأطراف الشيعية الراديكالية خطوة إلى الخلف،في عملية اختيار رئيس الحكومة،لتفسح المجال لشخصية توضع فيخانة الليبرالية الشيعية كي تتصدر وتقود العملية السياسية، بعد سنوات عجاف من هيمنة مقززة لشخصياتهزيلة ذات خلفية إسلامية علىمقعد السلطة التنفيذية . وحتىالنموذج الجديد الذي يمثله الكاظمي،لا يمثل نتاجا ً لمراجعة شيعية لتقييم تجربة الإسلام السياسي في العراق، بلنتيجة لمتغيرات ثلاثة ، المتغير الأولفرضته ظروف الحركة الاحتجاجية الشعبية التي زلزلت مراكز القوىالتقليدية منذ أكتوبر من عام ٢٠١٩ ،والثاني يتمثل في زيادة القلق الدوليوالإقليمي وخصوصاً دول الخليج العربي إزاء ما يحصل في العراق وتأثيرهعلى المنطقة ، والثالث يتعلق بالانكفاء الإيراني الداخلي بسبب العقوبات الأميركية ذات الطابع الاقتصادي والتيعمقت أثرها جائحة كورونا. ولكن مايؤسف له ان آماني الشباب المنتفضوطموحاته رغم وضوحها قد كانتكبيرة ومعقدة الى درجة لم يستوعبهاالسيد مصطفى الكاظمي الذي يعتمدالماكنة الاعلامية كوسيلة وحيدة فيتسويق بضاعته التي لم تتماشى مع رغبات وتطلعات الشباب التشريني للأسف ، فبعد ان غدى البلد مسرحاًومرتعاً للفصائل المسلحة الموالية والتي تتخذ من مؤسسة الحشد الشعبيغطاء ً لتحركاتها، ما يمنحها حصانةكاملة من الملاحقة الأمنية والقضائية ،نرى رئيس الوزراء عاجزاً تماماً عن اية محاولة لتقليم وتشذيب قوة وتأثير هذهالمليشيات التي باتت تمثل خطالاقتصاد البديل لتمويل أنشطة الاحزاب ذات الخلفيات الإسلامية، إذ أن خط التمويل الرئيسي هو عبارة عنحصص وعمولات مالية كبيرة جدايدفعها تجار ومستثمرون من خلالحصولهم على عقود رسمية لتنفيذمشاريع لصالح مؤسسات و وزارات الدولة .فمعظم الأحزاب والتياراتوالفصائل العراقية الشيعية، ذاتالخلفيات الدينية الموالية لإيران،تتحرك ضمن أحد هذين الخطين أوكلاهما، لضمان التمويل الذي يبقيهاضمن دائرة المنافسة السياسية منجهة، وتعظيم الموارد المخصصة لبقاء هيمنة قياداتها في الواجهة . و لم يعدخافياً أن الرأي العام العراقي ومنه الرأيالعام الشيعي بات مقتنعاً أن إيرانتلعب دوراً سلبياً في العراق، وأنهافقدت قيمتها المتمثلة بكونها نموذجا ًيُحتذى به للاسلام السياسي الشيعي. لذا يخطئ من يعتقد أن سبب التدخلالإيراني في العراق تحديدا هو فقطلحماية الشيعة والمقدسات من الخطرالخارجي المتمثل تارة بالقاعدة واخرىبداعش ، فجوهر الموضوع أكبر منذلك ، فايران عملت بشكل مكثف علىبناء خطوط دفاعية كثيرة ليس فيالعراق فحسب بل في عموم المنطقة من أجل تأمين مصالحها وبسط نفوذها في المنطقة ، وصنعت ادواتها المليشياوية وغذتها بكل ما أوتيت منقوة في العراق تجنباً لتعافي العراق مما أصابه من ويلات وظروف عصيبةلم يعشها شعب من قبل مما جعلته بكل أسف عاجزاً عن تشكيل أي تهديد،أو حتى منافساً لطموحات إيران فيالمنطقة. لذا على شيعة العراق انيدركوا حجم الخطر الايراني على مستقبل العراق وان يفهموا تماما ًويعوا حقيقة اخطار ايران الفارسية وليست ايران الشيعية ، وبرغم نضج هذين السببين (خدمة المصالح الإيرانية، والإبقاء على عراق ضعيف)في إدارة وتوجيه السياسة الإيرانية فيالعراق، إلا ان هناك سبباً أهم في إدامةالقبضة الإيرانية على عنق الساسةالشيعة العراقيين طيلة السنوات الثمانية عشر الماضية يتمثل بالنموذج العقائدي الديني للحكم في إيران ونظام ولاية الفقيه الذي يجعل منالمرجع الديني الشيعي الأعلى حاكماً مطلقاً بتفويض إلهي ، مما يستلزم منمقلديه ومواليه ومريديه ان يكونوا تبعاً له في كل مسائل الحياة والموت وهذه أول خطوة على طريق الاستعباد الديني الذي يوصف بأنه اخطر انواع الاستعباد. الامر الذي قاد ساسة الشيعة فيالعراق الى أن يكونوا تبعاً و عبيداً بإمتياز . لقد حاولت ايران ومنذ قيام ثورتها عام ١٩٧٩ تصدير النموذج الثيوقراطي في الحكم الى العراق لكنها فشلت في ذلك بسبب تماسك ورصانةالثقافة العلمانية في المجتمع و قوةالسلطة في آن واحد آنذاك . وحتى مجئ عام ٢٠٠٣ حاولت وعملت في أن يكون نظامها السياسي هو النموذج الذي يتم تبنيه من قبل شيعة العراق بعد أنتسنى لهم استلام دفة قيادة النظام السياسي في العراق . إلا أن ظروف نشأة وتكوين النظام السياسي فيالعراق بعد 2003 وطبيعة تكوينالمجتمع العراقي حالت دون تحقيق هذه الأمنية الإيرانية . لذلكجاهدت ايران وبذلت الأموال وصنعت المليشيات ودعمت الاحزاب الولائية لأجل إفشال تجربة الحكم في العراق والمبنية على فكرة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والمواطنةالمتساوية ، وهذا يبدو عاملاً إضافياً يرجح فكرة استمرار التدخل الإيراني السلبي في العراق وسلب الدولة هيبتها و سيادتها على يد الشيعة نفسهم منالاحزاب والمليشيات التي تدعمها . فللنظام الايراني مصلحة حقيقية في فشل تجربة الحكم التي يقودها الشيعة في العراق ، لأن نجاح التجربة غيرالدينية في العراق وبقيادة شيعية يخلق نموذجاً مغرياً للشيعة في العالم، وفي مقدمتهم شيعة إيران ، فالتعدد الأثني والديني للشعب الإيراني فضلاً عن عمق فكرة فصل الدين عن السياسة في إيرانقد تجعل نجاح التجربة الشيعية غيرالدينية للحكم في العراق مغرية ،وبالتالي ستكون الركيزة التي تهدد الأساس الذي بُني عليه نظام ولاية الفقيه في ايران . لذا فإن مسألة إدراك وفهم هذه الحقيقة من قبل كلالأطراف السياسية (محلية او اقليميةاو دولية) والتي سأمت من التدخلالإيراني في الشأن العراقي يفرض عليها إنتهاج اسلوبا مختلفاً في التعامل معملف التدخلات الإيرانية في العراق والمنطقة من خلال تعزيز إمكاناتوقدرة شيعة العراق من غير الولائيين علىتبني نموذج حكم مدني يحمي المذهبمن تدخلات السياسة وبالعكس من جهة ، ويجنبهم الوقوع في شرك الحكمالطائفي من جهة أخرى. وعلى الإدارةالجديدة للبيت الابيض ان تدرك أن مسألة تحويل العراق لساحة صراع لتقويض النفوذ لايراني فيه وفيالمنطقة هو حل سلبي ولن يؤدي الا لإظهار النظام الايراني كنظام حامي لشيعة العراق في وجه الطغيان السُنيالمتطرف و الاميريكي والصهيوني. إنالخيار البديل يتمثل بخلق عراق متطور ينعم مواطنوه جميعاً وبغض النظر عنخلفياتهم وانتماءاتهم بكل حقوقالمواطنة ويتمتعون فيه بكل الحقوق والضمانات التي تحفظ كرامتهم وبمستويات إقتصادية عالية هو الضمانة الرئيسة والوحيدة لوقف التمدد الإيراني وإظهار ان بإمكان الشيعة أنيحكموا وفق نموذج ليبرالي يجعلالمواطنة لا الدين والطائفة هي الأساسفي إقامة دولة العدل والمساواة والرفاهالتي ينادي بها جميع العراقيين وفي مقدمتهم شيعة العراق من غير الولائيين .

أحدث المقالات