تعاني سورية من تخبط سياسي وفشل إستراتيجي أمريكي، دفعت ثمنه على مدار العشر سنوات الماضية، من ثرواتها ودماء أبنائها، حيث مارست أمريكا مع سورية سياسة مبهمة، وتعمدت استخدام الازدواجية وخلط الأوراق السياسية، فمرة نرى واشنطن تدعو لمواجهة تنظيم داعش في سورية، وفي الوقت نفسه يستمر الدعم وتتدفق المعونات لداعش، ومرة أخرى نجدها داعم للعملية السياسية لخروج البلاد من الأزمة وتعقيداتها، ومرة تعطل هذه العملية، وتعتبر شرق الفرات هي النموذج للرغبة الامريكية في الاستمرار بالحرب، والادعاء بالرغبة في تحريرها هو نفاق يختبأ وراءه عمالة داعش لأمريكا وتورط بعض الأطراف معها مدفوعين بوعود مزيفة. كل ذلك يترك علامات استفهام كبيرة ومحيرة لدى معظم السوريين؟!
اليوم يناور الرئيس الأمريكي بايدن باللعب على تناقضات المواقف الإقليمية والدولية، بعد أن تيقن أن الفشل في سورية هو سيد الموقف وانه إن لم يتم تدارك الأمر فان أحلامه بالسيطرة على منطقتنا ومستقبل إسرائيل المصطنعة على ارض فلسطين في خطر، وأن الجهد الذي بُذل طوال السنوات الماضية سيذهب إدراج الرياح وسيتغير وجه المنطقة ومسار الصراع، لذلك كان لا بد من استثمار الإرهاب من جديد.
الأبرز من كل ذلك، أنه حتى الآن، لم تشهد الساحة السورية أية تغييرات جدية باستثناء تحركات أمريكية لاستقدام المزيد من التعزيزات العسكرية إلى شمال شرقي سورية، وإقامة قواعد عسكرية جديدة، وهي سياسية ممتدة منذ عهد ترامب، فضلاً عن عودة نشاط تنظيم “داعش” الإرهابي في عمق الصحراء السورية العراقية مع اقتراب استحقاقين مهمين: انتخابات رئاسية في سورية وبرلمانية في العراق، ومن الواضح أن هذه العودة تستهدف في جانب منها عرقلة الاستحقاقين. وفي ما عدا ذلك، تستمر التفاهمات الروسية التركية في فرض نفسها على ضبط الأوضاع عموما، سواء في إدلب شمال غربي سورية أو في مناطق شرقي الفرات.
من الطبيعي أن تفشل أمريكا في سورية، بعد أن ضخت ترسانتها المليئة بالأسلحة الفتاكة، بالإضافة الى ملايين الدولارات في هذه الحرب على الشعب السوري بداعي إسقاط الدولة السورية، بالنتيجة سقطت واشنطن في الامتحان السوري، وكل ما أنجزته هو تدمير للبنية التحتية و قتل الآلاف من الأطفال و النساء، في حين لا يزال الجيش السوري يدك الجماعات الارهابية بنيران الصواريخ و يرفض رفع الرايات و الاستسلام، وإنطلاقاً من ذلك فشلت أمريكا في تحقيق أحلامها بالمنطقة، الأمر الذي تسبب في الإضرار بمصالحها كونها اتبعت سياسة خارجية خاطئة، فضلًاً عن زيادة نفوذ موسكو وطهران في المنطقة ووقوفهما ضد أهداف أمريكا وأدواتها، التي لم تتمكن من إيجاد موطئ قدم لها في المفاوضات الجارية المتعلقة بتسوية الأزمة السورية.
هنا يمكنني القول…إن كل يوم يمر تتأكد نوايا أميركا بأنها لا تريد إنهاء تنظيم “داعش”، وأنها تلعب على أوتار تختارها هي، فتعزل دولاً وتقدم الى الواجهة دولاً أخرى وأدواراً حسب معاركها السياسية الدولية ومقايضاتها، وأتمنى أن تكون الحرب الجديدة على الإرهاب مقدّمة لتصحيح مسارات خاطئة في السياسة الأميركية، وعسى أيضاً أن تستفيد شعوب المنطقة من هذه الفرصة لإعادة وحدة نسيجها الوطني لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
مجملاً… إن المؤامرة التي تتعرض لها سورية لم يعد خبراً يحتاج إلى نشر، والكلام عن مؤامرة دولية تستهدف المنطقة أصبح واضحاً، نعيشه ونعايشه على مدار الساعة، وأن من حقنا أن ندافع عن وطننا الغالي على قلوبنا “سورية” في معركة البقاء بالشكل والأسلوب الذي يناسبنا، لذلك لا أستبعد إنتفاضة قادمة ضد الوجود والتدخل الأمريكي بشؤون المنطقة نتيجة الإحتقان الشعبي، والغباء والتخبط الامريكي في التعامل مع شعوب المنطقة بتحريض دول إقليمية وتخطيط صهيوني.
في إطار ذلك يمكنني التساؤل، هل ستسقط أمريكا بشرها المسطير أم تجر ذيول الهزيمة والإنكسار؟ وهو الثمن الذي ستدفعه نتيجة أخطاءها في سورية وسعيها الفاشل لتقسيمها وتجزئتها. … وهنا لا بد من التذكير بأن أمريكا لم تقدر على فعل كل الذي فعلته بسورية والعراق والدول العربية الأخرى لولا خيانة بعض الدول الذين أرتضوا أن يخونوا أمتهم وأن يبيعوا ضمائرهم من أجل مصالحهم الشخصية وتنفيذا لأجندات إقليمية ودولية.