بين فترة وأخرى ، تظهر الى الواجهة تصريحات من قبل مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الداخلية ، تؤشر لنا شيوع مظاهر التفكك الأسري وتصاعد حالات الإنتحار ، ووصولها الى أرقام مرعبة ، إستدعت الجهات المختصة تأشير أسباب نشوء تلك المظاهر الخطيرة وما تتركه من خسائر باهضة ، في المجتمع العراقي، ما يتطلب الأمر من القيادات العليا في البلد ، وبخاصة الرئاسات الثلاث ، والجهات المختصة بالتنشئة الاجتماعية ، وضع تلك المؤشرات الخطيرة موضع الاهتمام الأقصى ، إن أريد الحفاظ على تماسك المجتمع العراقي من أن يشهد إنهيارات غير مسيطر عليها في مستقبل قريب.
وقد أشر كل اللواء الدكتور سعد معن مدير العلاقات والاعلام بوزارة الداخلية واللواء خالد المحنا الناطق بإسم وزارة الداخلية جوانب مهمة من شيوع تلك المظاهر السلوكية الشاذة ، والقيا الضوء على تصاعد حالات العنف الأسري وشيوع مظاهر الانتحار.
ويؤكد المتابعون للشأن العراقي أن هناك حالات خلل عديدة في السلوك المجتمعي قد تصاعدت ، بسبب تردي الاوضاع المعيشية والنفسية لقطاعات واسعة من العراقيين وبخاصة الشباب والشابات والنساء منهن على وجه الخصوص، ما يتطلب البحث عن حلول سريعة لمواجهة تداعياتها ، وللتقليل من تلك السلوكيات والمظاهر المنحرفة الى أقل حد ممكن ..لكي لايستمر المجتمع العراقي في الانزلاق الى مهاوي إنحرافات سلوكية تعرض مستقبل أجياله الى مخاطر كثيرة، قد يصعب السيطرة عليها، إن تركت تلك المظاهر تستفحل، في غياب الحلول العملية والإهتمام الجدي، بمعاناة العراقيين وتحسين مستويات عيشهم.
فقبل فترة ، كان اللواء الدكتور سعد معن مدير العلاقات والاعلام بوزارة الداخلية قد أشر تصاعد موجات العنف الأسري في العراق ، حتى وصلت أرقامه منتصف عام 2020 الى أكثر من 1300 قضية ، إطلعت عليها وزارة الداخلية / دائرة شؤون الأسرة ، في غضون ستة أشهر .
ومن بين أهم الأسباب التي عرضها اللواء الدكتور سعد معن في حينها عن تفاقم مظاهر العنف الأسري وتصاعد وتيرته، هي مخلفات الوضع الصحي في العراق ووباء كورونا الذي فتك بالشعب العراقي، وما رافقه من حالات رعب وخوف وقلق على المستقبل، وكذلك الحظر الصحي الذي فرض أنذاك على حركة العوائل ومجالات عيشها وتنقلها، وما أدت الى انحراف بعض سلوكيات الافراد لتحويل غضبهم باتجاه عوائلهم ، وكانت الزوجات والأولاد هم أكبر ضحايا هذا العنف في تلك الإحصائية الأخيرة، وقد يكون الاعتداء مرة من الزوج وفي أخرى من الزوجة أو بعض الأولاد ممن لديهم سلوكيات منحرفة أو شاذة.
ومن الأمور الأخرى التي تم تشخيصها ، وأدت الى تفاقم مظاهر العنف الأسري ، من وجهة نظر اللواء الدكتور سعد معن،هي صعوبات الوضع الاقتصادي وتراكماته الثقيلة على عموم العراقيين، والذي أدى الى خلق حالات نفور وسخط من مترتبات هذا الوضع وتدني مستويات العيش ، ما انعكس سلبا على أنماط السلوك الاجتماعي، كما ادى الى تصاعد مظاهر الانحراف السلوكي العدواني لدى بعض الافراد تجاه عوائلهم، وأدى هذا بالنتيجة الى ان تكون عائلة هذا الشاذ او المنحرف هم الضحية بعد ان جرى تحويل غضبه على عائلته وزجته وأولاده، تحت مبررات مختلفة.
ومن بين الأسباب الأخرى التي اوضحها مدير مكتب العلاقات والاعلام بوزارة الداخلية اللواء الدكتور سعد معن ضمن محاضرات القيت على كليات ومعاهد ومدارس قبل أشهر ، تصاعد وتيرة هذه الظاهرة ، هي العنف الأسري الذي قد يقوم به الزوج او الزوجة او احد أبناء الأسرة، وتصاعد حالات التفكك المجتمعي وانتشار مظاهر المخدرات، التي كان لها دور في شيوع مظاهر الجريمة والانحراف، حيث تعد المخدرات هي الأخطر في اتباع مظاهر سلوكية ربما تخرج عن إرادة الافراد، وتؤدي بالنتيجة الى فقدان الوعي والسيطرة ليتحول الفرد الى شخص عدواني يسلط جام غضبه على عائلته او المحيطين به، وما ينجم عنه من عمليات اجرام بحق عائلته.
وأوضح مدیر مكتب العلاقات والإعلام في وزارة الداخلیة أن ھناك جملة أسباب تقف وراء ظھور تلك السلوكیات الضارة والخطیرة أبرزھا التنشئة الاجتماعیة وعوامل الوراثة ، یضاف لھا العوامل الاقتصادیة واتساع مظاھر البطالة وعوامل نفسیة، والاكثر من ھذا اتساع مخاطر التواصل الاجتماعي والسوشیال میدیا التي راحت تؤشر ملامح سلوكیة خطیرة وبخاصة بین الشباب، وبعض المقاھي والمواقع الشبابیة الاحتفالیة التي انتشرت في بغداد والمحافظات والتي وجد في بعضھا أنھا تتعاطى المخدرات والعاب الكترونیة تغذي العنف ، وتغرس معالم سلوك القتل والجریمة ،الناجمة عن ترویج تلك المظاھر من خلال تلك الألعاب التي راح بعض الشباب یقلد مظاھرھا السلبیة دون وعي ، لكثرة ما یتداول بین أوساط الشباب من العاب تحرض على العنف ومظاھر العزلة ، والاخطر من ذلك استغلال جھات لتلك الظاھرة لتوریط شباب ربما في الانغماس بأعمال ارھاب دون وعي، وبعد ان تستغل حاجة بعض الشباب للمال والظھور لتنخرط في عملیات توریط في ممارسات ضارة بالمجتمع وتؤدي الى كوارث مجتمعیة لاتحمد عقباھا.
ودعا اللواء سعد معن العوائل العراقیة الى الاسھام مع الجھات الأمنیة في عملیات مراقبة سلوكیات ابنائھا لكي لاینغمسوا في مھاوي الابتزاز الالكتروني، وبخاصة للفتیات اللواتي یقع الكثیر منھن للاسف الشدید لمظاھر ابتزاز من خلال وسائل السوشیال میدیا والفیسبوك والانترنیت ومختلف انماط التواصل التي انتشرت مؤخرا ، وشجعت مظاھر العنف الأسري والانتحار وتعرض بعض العائلات لمخاطر تعرض بناتھا لابتزاز بعض الشباب الضائع الذي یبحث عن أیة وسیلة لتوریط فتیات في مختلف الفئات العمریة وبخاصة في صفوف الجامعات وبعض المدارس الثانویة، والتي تم تأشیر الكثیر من شباكاتھا وتم القاء القبض على كثیر منھا، ولكن ھناك شبكات اخرى ما تزال تعمل وھي تمارس انماطا خطیرة في التخریب المجتمعي وھي تمعن في إیذاء الاخرین، ولھا مخاطر لایمكن التغاضي عن سلوكیاتھا ھذه، وھي مراقبة الان، من قبل مدیریات وزارة الداخلیة والجھات الأمنیة الاخرى، لغرض القبض علیھا وفرض أقسى العقوبات بحق مرتكبیھا.
ویؤكد اللواء الدكتور سعد معن في كل تلك المحاضرات على إن خطوات من ھذا النوع من وزارة الداخلیة ، تحتاج الى أن تجد التعاون من الأسر العراقیة أولا والمدارس والجامعات ومنظمات الشباب لكي تسھم كلھا في تبیان مخاطر تلك المظاھر التي انتشرت في المجتمع العراقي، وھي تترك تأثیرات بالغة الخطورة على الأمن المجتمعي وتعرض حیاة الكثیرین للمخاطر، ومن شأن محاضرات توعویة تسھم بھا العوائل العراقیة والجامعات ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات والنخب الثقافیة كل من موقعھا، لكي یتم الحد من تلك المظاھر الى أقصاھا، وھي مھمة لیست سھلة لكنھا لیست مستحیلة ان تعاونت كل تلك المؤسسات المجتمعیة والثقافیة مع وزارة الداخلیة في وأد آثارھا وبالسرعة الممكنة لتجنیب شبابنا ومجتمعنا آثارھا المدمرة على أكثر من صعید.
وفي 8 شباط 2021 أشار المتحدث بإسم الوزارة اللواء خالد المحنا ، الى العوامل التي تكمن وراء تصاعد ظاهرة الانتحار لدى فئات معينة من الشعب العراقي وبخاصة لدى النساء وكذلك بعض الشباب ، لافتا الى أن العامل الاقتصادي وما يتم نشره من فضائح تتعلق بالنساء من ابرز المسببات التي ادت الى ارتفاع حالات الانتحار في العراق.
ويؤكد اللواء خالد المحنا في تصريح صحفي أن “موضوع ازدياد حالات الانتحار يتعلق بجملة عوامل وفي مقدمتها الاقتصادي والذي يعتبر المسبب الرئيسي حيث ان أكثر الاشخاص الذين حاولوا الانتحار كان لديهم معاناة ذات طابع معيشي نتيجة الظرف الاقتصادي الصعب ، وهو ما يلقي بالكثير من الضلال على قطاعات اجتماعية كثيرة، حتى إن الحياة اصبحت مادية في جميع مجالات الحياة وأهمها التعليم وتلقي العلاج وغيرها، مبينا ان “الضغط الاقتصادي تسبب بضغوط نفسية كبيرة جدا ، إنعكست تأثيراتها سلبا على حياة المواطن العراقي”.
ويقول اللواء خالد المحنا “اما العامل الثاني فيتعلق بوسائل التواصل وما تعرضه من تنكيل وفضائح وتهديد ، وهي كلها عوامل دافعة للانتحار خاصة النساء بعد الفضيحة الاجتماعية ونشر صورهن على السوشيال ميديا”.
وتابع المحنا “اضافة الى ما ذكر فان عامل العنف الاسري فهو أيضا مسبب للانتحار” مستدركا “ايضا في بعض الأحيان تحدث نشر فعاليات الانتحار والترويج لها في وسائل التواصل وهو ما يخلق جو للصغار بالتصرف كما شاهدوه وتقليد الانتحار”.
وأوضح “أن لدى وزارة الداخلية العديد من الحملات للحد من الأعداد المتزايدة للانتحار والتثقيف وتوعية المواطن على سوء استخدام السوشيال ميديا والعنف الأسري”.
وهنا يؤكد المعنيون بالشأن الإجتماعي والنفسي والإعلامي والأمني وخبراء الاقتصاد أن ما حدث ويحدث من جرائم عنف أسري تصاعدت وتيرتها بشكل مرعب، هذه الأيام، فإن الأمر يتطلب أن يضع المعنيون في الرئاسات الثلاث وعموم أجهزة الدولة العليا هذا الملف المهم على طاولة الاهتمام، وان على الدولة ان تجد معالجات لتفاقم الأوضاع الصحية والاقتصادية للمجتمع العراقي ، ان أرادت ان تقلل من تلك المظاهر السلوكية، وبدون ذلك يكون أمر السيطرة عليها أقرب الى المستحيل.