بكل تأكيد ان الرئيس الامريكي جو بايدن سيكون امام حزمة من المعضلات والمشاكل سواء ما كان منها في الداخل الامريكي او في السياسية الخارجية، التي تنتظر من ادارته في الحالتين؛ التصدي لها وايجاد الحلول لها. ففي الداخل الامريكي، على ادارته معالجة الانقسام الداخلي بما يحفظ للولايات المتحدة وحدتها. بايدن يختلف عن سابقيه، الديمقراطي، والجمهوري؛ فهو قادم من قلب المؤسسة الامريكية، وله تاريخ طويل جدا في العمل بها، سواء، كنائب للرئيس السابق اوباما او كعضو في مجلس الشيوخ. لكن المشاكل التي ستواجه ادارته، في السياسة الخارجية الامريكية، هي من الصعوبة البالغة جدا. وباختصار شديد، هي:
اولا؛ الصين وروسيا اللتان تشكلان معا محورا يعمل بالضد من سياسة امريكا في العالم، وهما يتنازعان الولايات المتحدة على مناطق النفوذ في العالم، كل واحدة منهما بطريقة مختلفة عن الاخرى، واغلب الاحيان بطريقة تنافسية بين الاثنين؛ على قاعدة اطارية متفق عليها منذ سنوات، يتحركان معا ضمن فضاءات هذه المساحة؛ لمغالبة السياسة الامريكية الكونية، باستقطاب ما يمكنهما استقطابه من دول العالم الثالث، وفي جوارهما، والقريب من هذا الجوار ايضا. باي طريق يمكن التعامل مع هذاين العظميين، هل يتم التعامل معهما بالسياسة الناعمة التي عرفت بها الادارات الديمقراطية ام بالسياسية الخشنة اي بالمواجهة كما كانت عليها سياسة الادارة السابقة، او اقل منها قليلا. ان سياسة بادين سوف تتبع طريقين مختلفين في التعامل مع كلا من الصين وروسيا، ولكن على قاعدة السياسة الناعمة. فهي اي ادارة بايدن ستحاول جرهما الى سباق تسلح جديد، وبالتالي اضعاف روسيا اقتصاديا والتأثير على اندفاعة الصين. في المقابل ان كلا الدولتان ومن خلال تصريحات مسؤولوها في اوقات سابقة؛ من ان التحالف بينهما لا يخضع للأهواء والتغييرات الدولية، في مخالفة كبيرة جدا لأنماط العلاقة القائمة بينهما فهي وفي كل الاحوال لايمكن اعتبارها علاقة تحالف باي شكل كان، وهذا ما يؤكده المحللون الروس في جميع مقالاتهم التحليلية؛ لعلاقة بلادهم مع الصين، الا انها وفي ذات الوقت؛ علاقة تعاون وشراكات اقتصادية وحتى عسكرية فرضتها الوقائع على الارض، فالخلافات وصراع التنافس بينهما، عميقة كما ان التعاون والشراكات بينهما عميقة ايضا او هي بذات العمق الذي فرضه عليهما الجبروت الامريكي. امريكا تدرك هذا جيدا، لذا، فان ادارة بايدن سوف تلعب على وتر الخلاف بينهما، وهي لعبة ليس بالإمكان، تمريرها على صانع القرار والسياسة في الدولتين. روسيا وعلى لسان بيسكوف الناطق الرسمي للرئيس الروسي؛ بارك تنصيب بايدن، قائلا: قد يكون بداية لعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة، واول هذه الخطوة هي التوقيع على تمديد العمل بستارت 3، سرعان ما سربت الصحافة الامريكية؛ بان بايدن يتجه الى تمديد ستارت 3 لمدة خمسة سنوات. الصين من جهتها اصدرت عقوبات على وزير خارجية امريكا وعلى مسؤولين اخرين في الوقت بدل الضائع، وهي رسالة للإدارة الجديدة؛ بان الصين سوف تتعامل بشدة وبقوة مع اي سياسة امريكية معادية للصين. في نهاية المطاف سوف تجبر الولايات المتحدة على التعامل معهما بسياسة وسط بين النعومة والخشونة حسب ما تقتضي الظروف الواقعية للصراع بين الثلاث.. امريكا لا يمكنها القبول بصعود الصين السريع من دون ان تعمل على التأثير سلبيا على هذا الصعود بالحد منه على اقل تقدير. لذا فان ادارة بادين سوف تقوم بالعمل على اقامة تكتلات معادية للصين بطريقة او بأخرى. اما من ناحية روسيا فان ادارة بايدن لايمكن ان تقبل ايضا بتنامي القدرات العسكرية الروسية على مقربة بل على حدودها وحدود حلفائها. عليه؛ فان التنافس بين الثلاث على مناطق النفوذ والهيمنة، سيتخذ اربع مسارات؛ – سباق تسلح…- اقامة تكتلات.. – حرب اقتصادية…حرب سيبرانية..أما الحديث عن ان سياسة بادين سوف تختلف عن سياسة ترامب، فهو حديث لا يمت للواقع بصلة، لجهة العلاقة بين امريكا وكل من روسيا والصين، فقط ان سياسة ادارة بايدن سوف تكون عقلانية وتتحرك بطريقة يقبلها المنطقة من حيث مخارجها، ولا تلحق ضررا اعتباريا واخلاقيا وقانونيا واضحا بسمعة امريكا كما هي ادارة ترامب، أما من حيث الجوهر فهي ذاتها السياسة التي عرفنا بها امريكا..
ثانيا؛ الملف النووي الايراني: وهو من اكبر المعضلات التي سوف تواجه الادارة الجديدة، والتي تتطلب منها وضع حلا لهذه المعضلة. كيف يكون الحل هل هو بالرضوخ للطلب الايراني والذي مفاده بان ايران لن تعود الى الالتزام بخطة العمل المشتركة، الا برفع العقوبات الاقتصادية الامريكية عنها، وبخلافه لن تعود الى الالتزام به، أما اذا رفعت العقوبات الاقتصادية عنها فأنها سوف تعود اليه بسرعة وفي الحال. في حركة استباقية ذكية جدا؛ قامت ايران برفع درجة تخصيب اليورانيوم الى ال 20 % بخلاف المتفق عليه في الصفقة النووية بينها وبين الستة الكبار في العالم. كما انها هددت لاحقا وعلى لسان اكثر من مسؤول فيها؛ من انها قادرة وبسرعة على رفع درجة التخصيب الى ال 90% وهي الدرجة الكافية لصناعة القنبلة النووية. الملف النووي مرتبط بملفات اخرى كثيرة، وهي ملف الصواريخ والتدخل الايراني في المنطقة العربية حسب ما يقول الامريكيون. في الايام الاخيرة تحدثت الاخبار من ان ايران تجري لقاءات مع طاقم ادارة بايدن، ايران نفت هذا، لكننا نميل الى تصديق هذا التسريب. وهذه هي البداية لمفاوضات قد تكون سرية ولا يعلن عنها، قبل الاتفاق الذي سوف يشمل بالإضافة الى النووي، ملفا الصواريخ والاوضاع في المنطقة العربية لجهة الفعل المؤثر لإيران فيها، ومن المحتل جدا ان تكون من خلال طرف عربي، سلطنة عمان مثلا او دولة قطر التي عرض مؤخرا وزير خارجيتها، التوسط بين ايران ودول الخليج العربي. هذه المفاوضات سوف تقود الى اتفاق جديد حتى في ظل الجناح المتشدد في ايران في حالة صعوده الى ادارة دفة الحكم والبرلمان الايراني بدعم من السيد خامنئي. كل المؤشرات تشير بوضوح الى ان هذا الاتفاق قادم بدرجة احتمال كبيرة جدا ان لم نقل مؤكدا. وزيرا الدفاع والخارجية في ادارة بايدن، قالا؛ الى ان امريكا سوف تمنع ايران من صناعة السلاح النووي، وفي الوقت ذاته لمحا بطريقتين مختلفتين ولكن بنبرة واحدة واتجاه واحد، الى الحاجة الفعلية والواقعية، لعودة امريكا الى الصفقة النووية، حين قالا؛ ان ايران من دون اتفاق قادرة على امتلاك السلاح النووي وعندها سوف تكون هناك صعوبة في مواجهتها، ولكن الاتفاق سوف يتيح لنا مراقبة برنامجها النووي. هذه التصريحات الاستباقية مع الاجراءات الايرانية الاستباقية وايضا تصريحات المسؤولون الايرانيون، تؤكد بدرجة احتمال كافية؛ الى ان المفاوضات المقبلة بين ايران وامريكا والترويكا الاوربية، ستفضي الى اعادة العمل بالصفقة النووية بين ايران والستة الكبار في العالم. صاحب جميع هذه الاشارات، اشارات اخرى ذات علاقة بالأوضاع في المنطقة العربية وجوارها الايراني والتركي، التى تميل الى حلحلة الاوضاع والعمل على ايجاد الحلول لها، في سوريا والعراق واليمن ولبنان وعودة المفاوضات الفلسطينية (الاسرائيلية). باختصار شديد، انها، من المحتمل جدا، ستكون على الشكل التالي: – في سوريا؛ ان الاحتمال وارد، ان يتفق الامريكان والروس على منصة حل للوضع في سوريا وبموافقة النظام السوري الذي يواجه وضع اقتصادي خانق، وليس امامه من حل الا الرضوخ لمطالب روسيا؛ بالتعجيل بكتابة دستور جديد، والمرحلة الانتقالية والانتخابات. وهذه الشروط هي في ذات الوقت، شروط امريكا مع بعض الاختلافات؛ في المساهمة في اعادة الاعمار؛ يعني تحشيد المانحين العرب في هذا الاتجاه، بإرادة امريكية. هذا هو ما هو ظاهر على سطح الاحداث، أما ما هو وراء الباب المغلق، فهو يختلف كليا عن هذا الظاهر في المشهد السياسي. عليه، فأن المستقبل سيشهد ترتيب علاقة ما، بشكل او باخر، بصورة او بأخرى؛ لنوع العلاقة المستقبلية للنظام مع (اسرائيل) التي تحتل الارض العربية سواء في الجولان او في ما تبقى من ارض فلسطين. هنا يصبح الوجود الايراني لا ضرورة له، كما غيره من الوجود الامريكي والتركي، باستثناء الوجود الروسي والذي هو ثمن هذه المقايضة الاقليمية والدولية، ان حدثت او كُتب لها النجاح؟!. انها، لعبة طويل النفس، ربما يجري الاعداد لها في الخفاء بعيدا عن رؤية ومسامع الشعب السوري، بين روسيا وامريكا (واسرائيل)؛ لإعادة صياغة شكل العلاقة بين النظام السوري (واسرائيل) بمشاركة جدية وفاعلة من الامارات ومصر العربية، وغيرهما. أما على الضفة الفلسطينية وهي سبب الاسباب لكل هذا الصراع في المنطقة العربية، لأنها قضية مصيرية للعرب، في ترابط عضوي مصيري؛ السلطة الفلسطينية باركت تنصيب بايدن، متمنية على لسان السيد محمود عباس على الادارة الامريكية الجديدة بالعودة الى مفاوضات الحل النهائي. السؤال المهم هنا هل تختلف ادارة بايدن عن ادارة ترامب؟ لأي راصد للسياسة الامريكية في الذي يخص القضية الفلسطينية؛ لا وجود لأي اختلاف جدي ومؤثر وفعال لصالح القضية الفلسطينية؛ كل ما هنالك هو الاختلاف في الاساليب. صحيح ان ترامب قام بما لم يقم به اي رئيس امريكي، لكنه لم يأت بجديد. اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل؛ قرار امريكي تم اتخاذه من عدة سنوات قبل مجيء ترامب، كما ان اعتراف امريكا ترامب بالضم الاسرائيلي للمستوطنات، بخلاف الادارات الديمقراطية، لكن هذه الادارات جميعها بلا استثناء لم تقم بما يمنع اسرائيل من اقامة المستوطنات سواء بعض التصريحات التي تشكل ذر الرماد في عيون العرب والفلسطينيين، وهي وفي جميع الاحوال اجراءات شكلية لا تغير من الواقع على الارض اي شيء. وزيرا الدفاع والخارجية في ادارة بايدن حتى قبل موافقة الكونجرس على توليهما موقيهما، قالا؛ ان امن اسرائيل، مهمة استراتيجية امريكية. ان امريكا بايدن؛ لن تعود عن اعتراف امريكا ترامب؛ باعتبار القدس (عاصمة لإسرائيل) وذات الامر ينطبق على الجولان الا بعد الوصول الى حل مع النظام السوري بدعم ومشاركة عربية وروسية؛ ربما يجري وضع ترتيب خاص لها في اطار هذا الحل المفترض.. ان امريكا بايدن سوف لن تختلف كثيرا عن امريكا ترامب في الذي يخص فلسطين الا بأسلوب المعالجة الذي يسوق الى الراي العام الدولي والعربي والامريكي؛ من ان امريكا بايدن ملتزمة بالقانون الدولي، وليس بالجوهر الذي يحدث او يعمل على احداث اختراقا جديا؛ يمهد الطريق لحل الدولتين، واقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران. انها، سياسة تخدير لا اكثر ولا اقل في انتظار او العمل على احداث اختراقات حاسمة لصالح (اسرائيل) وليس لجهة اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة، كما وصفها بوش الاب والابن منذ عدة سنوات.. أما في اليمن والعراق ولبنان، فالأمر لا يختلف كثيرا عن سوريا وفلسطين؛ الاختلاف الوحيد في طريقة انضاج الحلول واداوتها.. السؤال المهم والخطير هنا؛ هل يتم تمرير هذه الحلول على الشعوب العربية ومن بينها بل من اهمها الشعب العربي الفلسطيني؟ نعتقد وبكل تأكيد ان للشعوب العربية، القول الفصل، في كل هذا الذي يجري على ارضهم، ويتعلق بحاضرهم مستقبلهم. خصوصا وان هذه الطبخات سوف لن يتم انضاجها قبل مرور، ربما وقت طويل..