إنَّ المتابع لشعارات جميع اللاعبين في المشهد السّياسيّ العراقيّ، يرى أنّها تؤكّد المحافظة على وحدة العراق أرضاً وشعباً والإحتكام إلى الدّستور كفيصلٍ في حل النزاعات بين الفرقاء، وتوفير أفضل الخدمات إلى المواطن المسكين، والسّعي إلى تحقيق الرفاه الإقتصاديّ من خلال إعتماد أفضل السّياسات الإقتصاديّة التي تستهدف دعم الإستثمار وتدعيم دعم البُنى التحتيّة وتقويم مؤسّسات الدّولة، والقضاء على الفساد والمحاصصة والتحزُّب والجهويّة ونبذ العنف والتطرُّف وإشاعة ثقافة التّسامح وإحترام الآخر وعدم ممارسة الإقصاء والتهميش ضدّه، والقضاء على البطالة وتوفير فرص العمل والسّكن للجميع وتغليب المصالح العُليا على المصالح الشّخصيّة، وحريّة الإعلام وإبداء الرأي، والسّعي للنهوض بقطاع التربيّة والتّعليم من خلال إعتماد أفضل المناهج التربويّة واحترام مبدأ الفصل بين السلطات، واحترام السُّلطة القضائيّة وعدم التدخُّل في عمل المؤسّسات والهيئات المستقلّة، وتخصيص حصَّة من عائدات النّفط إلى كلّ مواطن (شريف وغير شريف)، وتنشيط الصّناعات الوطنيّة وإلى غيرها، من قائمة الشّعارات الجميلة.
نعم هذه هي الشّعارات التي يطلقها الجميع، إلاّ أنَّ الوقائع والقرائن تُثبِتُ بما لا يقبل الشّك والتّدليس عكس ذلك تماماً، وهذا أمرٌ جليٌّ ولا يحتاج إلى كبير عناء. فإذا ما نظرنا إلى مجمل المشهد العراقيّ، سنرى أنَّ هناك من يتساهل في وحدة العراق وسيادته لإعتبارات قوميّة أو إمتدادات مذهبيّة/ إقليميّة، وأنَّ الدِّستور هو الجدار الهَشّ الذي يتمترس خلفه الجميع، والجلباب الذي يخيطونه حسب مقاسات مصالحهم، وأنَّ مستوى الخدمات المُقدَّمة للمواطنين في أدنى مستوياتها، وتغليب المصلحة الحزبيّة هي ما يُلازم الجميع، والفساد الماليّ والإداريّ ينخر في كافّة مفاصل الدَّولة وفي أعلى المستويات، والبطالة متفشيَّة بصورٍ مُخيفة والإقصاء والتهميش جارٍ على قدم وساق، ولا توجد أيَّة ملامح واضحة لمؤسَّسات الدَّولة، ومازالت حريّة الرأي تعاني من أساليب التّكميم والمصادرة، ولا توجد إستقلاليّة حقيقيّة للمؤسَّسات التي يُفترض أن تكون مستقلّة، وما زال الموت المجانيّ ومشاهد الدَّم هو أكثر ما يُقدّمه السّاسة إلى المواطن، ومازال التّناحر الحزبيّ والتّصارع على المغانم والمكاسب ديدن الجميع، وأيضاً هناك الّتشهير والتّسقيط والسّجالات الإعلاميّة وحرب الملفّات، بهدف تشويه صورة الآخر وتبيان مساوئه، وكذلك الإبتزاز والمساومات والصّفقات المشبوهة، وتدهور غير مسبوق في الإنتاج الصّناعيّ والزّراعيّ، حتى وصل بنا البؤس أن نستورد حتّـى مياه الشرب و(الطرشي)!!
إنَّ التناقض الشّديد بين الشّعارات التي يتبجَّح بها ساستنا الأشاوس، وبين الواقع المُزري الذي نكابده في حياتنا اليوميّة، يُذكرني بأحد الشَيَبَة الذي استوقفني ذات مرّة وأنا خارجاً من أحد المساجد مُمسِكاً بيدي متسائلاً: هل جميع من في هذا المسجد قد جاءوا لتأدية الصَّلاة؟ فأجبته بعفويّة لا تخلو من إستغراب: نعم، بكلّ تأكيد، فردّ عليّ مستهجناً متحسّراً: إذا، من الذي قام بسرقة نَعْلي؟!