قبل عام وتحديدا ًفي الخامس مِن شهر شباط عام 2020، سجلت صفحة انتفاضة تشرين نقطة بارزة سيذكرها التاريخ مع صرخات امرأة فقدت فلذة كبدها ، حينما سمعت اصوات الرصاص وهي تخرق جسده في ساحة الصدرين بمحافظة النجف، التي شكلت مركزا لتجمع المحتجين الرافضين “لظلم” السلطة وجهابذتها، فدفعها قلبها للاسراع بخطواتها لعل عيناها تكذب ماسمعته، لكن سلاح القتلة انهى مهمته بالاجهاز على 23 متظاهرا واصابة 182 محتجا كتبت لهم النجاة، ليكونوا شهود اثبات، ولتستمر اصواتهم تنادي بالحرية والبحث عن الوطن.
وصلت تلك المرأة “المفجوعة” لتشاهد ولدها مهند القيسي الى جانب بقية الشهداء، ليرسم مشهدا سيرافقها فيما تبقى مِن ايام عمرها، وتزداد معه صرخاتها بحثا عن “الجريمة” التي ارتكبها هؤلاء الشباب وماذا فعلوا ليختار قاتلهم اخراجهم مِن الحياة برصاصات تحمل “الحقد والكراهية”، فكان الجواب اكثر مرارة حينما سمعت ام مهند بان جريمتهم كانت هتافات ترفض مرشح زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لرئاسة الوزراء محمد توفيق علاوي، نعم.. لم يكونوا مسلحين ولَم يعتدوا على الاجهزة الامنية ويحرقوا عجلاتهم كما حصل قرب مرقد الامام الحسين واخيه العباس (عليهما السلام) في كربلاء خلال شهر شعبان مِن العام 2007 على العكس، هتافاتهم كانت سلمية ولَم يطالبوا بغير تحقيق العدالة والانصاف في اختيار مِن يقود الحكومة بعد الثمن الذي دفعته تشرين لاستبدال رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي.
حاول التيار الصدري في حينها “انكار” ارتكاب تلك المجزرة وتحرك اتباعه لنفي اتهامات ام مهند بجميع الوسائل التي وصلت إلى “التشكيك” بسلامة عقلها وعفتها، لكن.. المتابع الاحداث في وقتها لا يمكنه تجاهل الادلة التي قدمها انصار التيار الصدري بايديهم، بعد تحول اصحاب “القبعات الزرقاء” مِن مدافعين عن الاحتجاجات إلى ادوات لقمع المتظاهرين باستخدام التواثي (العصي)، وهذا ماحصل في ساحة التحرير والمطعم التركي الذي كان المتظاهرون يفضلون تسميته بجبل احد، بسبب الهتافات ذاتها التي رددتها ساحة الصدرين في رفض مرشح السيد الصدر الذي حاول فرضه على ساحات الاحتجاج بالرصاص والتواثي، لكن ثبات المتظاهرين وصمودهم وتقديمهم الشهداء اجبر السيد الصدر على التراجع عن موقفه، في احداث متواصلة كتبتها بمقالة سابقة عن “تواثي التكليف والمرشح الجدلي”.
وحتى لا يتهمنا “محبو” التيار الصدري واتباعه بمحاولة تشويه الاحداث، ويشتمنا بعضهم، سننقل ماكتبه المرشح الذي اعتذر عن التكليف بتشكيل الحكومة محمد توفيق علاوي، قبل يومين، في الذكرى السنوية الاولى على تكليفه.. ليبلغنا بجزء مِن مقال مطول شرح فيها اسباب الاعتذار وكشف عن الجهة التي قدمته كمرشح لرئاسة الوزراء، قائلا… بانه “تلقى لدى تواجده في بيروت اتصالا مِن وليد الكريماوي بصفته ممثلا عن زعيم التيار الصدري ابلغه برسالة نصها ان السيد الصدر قرر دعم شخصيتين لرئاسة الحكومة، وهما محمد علاوي ومصطفى الكاظمي، لكن حظوظك اكبر مِن حظوظ الكاظمي، وعليك العودة لبغداد اليوم”، يكمل علاوي حديثه، عن كيفية وصوله إلى العاصمة بطائرة خاصة تدخلت شخصية مقربة مِن رئيس الجمهورية بتجهيزها بعد مغادرة جميع الطائرة العائدة لبغداد، ليبلغنا بانه “في مساء اليوم ذاته التقى برئيس الجمهورية برهم صالح الذي اخيره بان السيد الصدر قد سحب ترشيحه مِن دون تقديم الاسباب”، انتهى حديث علاوي، لكنه سيكون دليلا اخر لا يقبل الشك عن محاولة السيد الصدر فرضه على تشرين بالقوة.
لكن… بالعودة إلى المطالبات بالكشف عن الجهة التي ارتكبت مجزرة ساحة الصدرين واستمرار الاتهامات الموجهة للتيار الصدري تعهد السيد مقتدى الصدر في حينها بتشكيل لجنة هدفها التوصل الى “القتلة” ومحاسبتهم لتبرئة تياره، لكنه وعلى الرغم من مرور عام على “المجزرة” لم نسمع بنتائج تلك اللجنة؟، ولا نعلم مصيرها وهل فعلا تشكلت؟، ام انها التحقت بتعهدات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي رفعها حينما تسلم منصبه، بالكشف عن قتلة المتظاهرين والقصاص منهم، والتي يحاول بين فترة واخرى ايجاد التبريرات “المخزية” للتاخير في حسمها، كيف يريدون من عوائل الشهداء ومحبيهم “التوقف” عن المطالبة بحقوقهم وعدم انتقاد “صمت” الحكومة واجهزتها ومازال القتلى يتمتعون بالسلطة والحرية المطلقة في اختيار ضحاياهم، ليقدموا احزابهم وتياراتهم السياسية على انها الممثل الشرعي للمواطن المسلوبة حقوقه حتى في ايصال هتافاته.
الخلاصة… إن ماحصل في ساحة الصدرين وقبلها في ساحة التحرير والذي مازال مستمرا في الحبوبي وغيرها مِن ميادين الاحتجاج خلال عمليات القمع التي ارتكبتها احزاب السلطة وادواته، وتجاهل الحكومة التي جاءت على اكتاف تشرين لتلك الدماء، يكشف عن حقيقة اشتراك الجميع في قتلنا مقابل الحصول على المناصب والامتيازات التي لن يتنازلوا عنها حتى لو اضطروا لمواجهة اخر مواطن يرفع صوته برفضهم… اخيرا… السؤال الذي لابد منه…. اين القتلة المتظاهرين؟…