لا يوجد مرتبة يمكن أن يصلها الإنسان أعلى من فداء النفس والروح، ولهذا صار للشهيد مكانته العالية في الإسلام.. لأنه صاحب الروح الطاهرة المؤمنة التي تجعل من حب خالقه ورسوله في مقدمة الأولويات.. لذلك جعل الإسلام في كثير من المواضع سواء كان في آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، مكانة الشهيد فوق كل شيء.
مما جعل الشهادة في سبيله أسمى المعاني في الإسلام وغاية كل مسلم وشرف له أن يستشهد من أجل قضية عادلة مثل الدفاع عن أرضه وعرضه وماله.
لولا هذه النماذج الفريدة لضاعت الأوطان، لأنها تضحي بنفسها وهي أغلى ما تملك من أجل حماية الوطن وثرواته ومقدراته، والدفاع عنه ضد كل عدو يتربص به الدوائر.. والشهيد الحق هو الذي يخرج ليس طالباً لرفعة مكانة أو طلب مجد دنيوي، فهو يطلب الآخرة، فأسمى غايته النصر أو الشهادة.
بسبب ذلك يعتبر الوطن أن الشهداء رأس ماله وشرفه وكرامته، ولعل مكانتهم في القرآن الكريم تدل على هذا الأمر، فهو مثله كمثل الأحياء الذين يبنون الأوطان فهو جزء من هذا الصرح الكبير، وقد أخبرنا تعالى في محكم التنزيل على أنه حي عنده يرزق، وليس بميت كما يعتقد الناس بل حي بروحه وعمله الباقي.
إن الأمة الإسلامية تفخر دائماً بالشهداء من جميع الأجيال، التي،ضحت من أجل الدفاع عنها ابتداءً بجيل الصحابة الكرام الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الحفاظ على هذا الدين، وانتهاء بشهداء المسلمين في جميع الحروب التي خاضوها للدفاع عن الحق والعدل والأرض والمال والعرض.
علينا ان نعي جيداً مكانة الشهداء، ونقدم لأسرهم جميع الدعم المادي والمعنوي، ونولي اهتماما بأبنائنا الصغار وتوعيتهم من أجل فهم القضايا التي تمر بها أمتنا وأوطاننا، دفاعا عن الحق والعدل والأرض والمال والعرض.
يجب على الأمة أن تفهم مكانة الشهداء، وتولي اهتماما بأبنائنا الصغار وتوعيتهم من أجل فهم القضية التي استشهد منها.. ولو أردنا أن نعطي مثلا لمجاهد حمل كل معاني الجهاد في سبيل تحقيق العداله الإلهية في الارض، سنجد الشهيد محمد باقر الحكيم قدس ، وهو من تحمل سنوات الاعتقال التعسفي على يد طاغي من طواغيت الأرض، ثم هاجر تاركا الوطن والأهل ومدينة العلم التي تعلم في احظانها، على يد زعيم الطائفه السيد محسن الحكيم قدس وعدد من العلماء، ليجاهد من خارج العراق ويعمل للقضاء على زمر البعث التي عاثت بالبلد البطش والفساد والقتل والتهجير..
عاد السيدالحكيم الى العراق بعد ثلاثة وعشرين سنة، قضاها في المهجر في إيران، وذلك بعد سقوط نظام صدام، وكان يوم دخوله يوما مشهودا في تاريخ العراق، حيث إستقبله الملايين من أبناء شعبه، وكان أبناء الشعب يهتفون بإسمه في كل مدينة أو قرية يمر بها من البصرة فالناصرية فالسماوه ثم الديوانية وصولا للنجف، حيث إستمرت هذه المسيرة لمدة خمسة أيام. وكان لهذا الإستقبال المهيب الأثر المرعب في قلوب الأمريكان والمتحالفين معهم.
كان للسيد الحكيم ترحيب حارا من قبل المراجع في النجف، وطلاب الحوزة العلمية، وأصبح السيد الحكيم إمام جمعة النجف الأشرف بعد وصوله، مضافا الى كونه رئيسا للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. كما بدأبإستقبال الوفود من أبناء العشائر العراقية وأبناء المدن المختلفة، إذ كان للعشائر العراقية مكانة مهمة عنده فكان دائم الترديد لمقولة والده السيد محسن الحكيم: يجب الإهتمام بالعشائر العراقية والمرجعية الدينية والشعائر الحسينية.
إستمرت خطب الجمعة التي يلقيها السيد الحكيم الى أربعة عشر جمعة كان السيد الحكيم يبين من خلالها أطروحته السياسة والتي من أهمها:
يجب أن يختار الشعب العراقي الحكومة التي يريدها، ووجوب كتابة دستور عراقي من قبل جمعية وطنية منتخبة من قبل الشعب العراقي، ويختمها بالتأكيد على وحدة العراق، والحرص على إقامة علاقات متوازنة مع دول المنطقة مبنية على إحترام المصالح المشتركة.
أمتثل لأوامر المرجعية في التخطيط لبناء عراق موحد من شماله إلى جنوبه، لكن شأءت أرادة الباري ان يكون هو القربان الآخر، الذي تقدمه مرجعية النجف عالمآ من علمائها، على اطهر بقعة سبقه بها الأوائل من الأنبياء والمرسلين وبجوار خير شخص بعد نبي الرحمه محمد عليه وأله أفضل الصلوات، ليكون كما كان هود وصالح بجوار أمير المؤمنين عليهم أفضل الصلوات..
هكذا يتناثر الجسد الطاهر في أكرم يوم وبعد أفضل عبادة، انها صلاة الجمعة العبادية في ضريح سيد الأوصياء، وفي يوم الجمعة الأول من رجب سنة 1424هـ- شهر آب 2003م أغتيل السيد الحكيم بسيارة مفخخة بعد إتمامه لصلاة الجمعة في باب الصحن العلوي الشريف فتناثرت أشلائه ولم يبقى منه إلا قطع صغيرة، حتى يلقى ربه وهو مخضب بدم الشهادة.
هؤلاء الشهداء هم الحصون والقلاع، التي حمت الوطن وستظل، وتدفع حياتها ثمنا لا تبخل به.. وسيلحقهم العشرات، فهذا هو طريق الحق.