23 نوفمبر، 2024 4:40 ص
Search
Close this search box.

ناغورني قره باغ ..بؤرة ساخنة عرضة للانفجار في أي وقت

ناغورني قره باغ ..بؤرة ساخنة عرضة للانفجار في أي وقت

صراع لم يحسم هل سنرى جولات اخرى للمعارك في المستقبل؟
جذور الأزمة تاريخياً
يقع إقليم ناغورني قره باغ داخل الأراضي الأذربيجانية، وتبلغ مساحته نحو 4800 كم2، ويقدر عدد سكانه بنحو 150 ألفاً، أرمينيا كانت تحتل، إضافة إلى إقليم ناغورني قره باغ ، خمس محافظات أخرى غربي أذربيجان، منذ أكتوبر/تشرين الأول 1993، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي (آغدام) و(فضولي)، وتشكل الأراضي المحتلة نحو 20 بالمئة من أذربيجان، تسكنه اتراك أذريَّيين وكذلك الأرمن الذين جلبوا لاسكانهم من مناطق عديدة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وكذلك الارمن الذين تم جلبهم من سوريا ولبنان والعراق وايران كانت خاضعة لسيطرة روسيا القيصرية في نهايات القرن التاسع عشر، ثم أُلحق بعد الثورة البلشفية بجمهورية أذربيجان متمتعًا بحكم ذاتي استمر حتى سقوط الاتحاد السوفيتي السابق. تضاريس الإقليم أغلبها جبلية، وفيه أنهار تستغل في إنتاج الكهرباء والري، وموارد الإقليم الاقتصادية محدودة، ويتركز النشاط الاقتصادي على الزراعة وتربية الماشية وبعض الصناعات الغذائية، ومن المحاصيل المشهورة الحبوب والقطن والتبغ. في عام 1991 بدعم الميليشيات والمجموعات الانفصالية الارمينية في قره باغ من قبل النظام في جمهورية ارمينيا وكذلك روسيا في تلك الفترة بمطالبات الاستقلال وإعلان الأرمن في الإقليم سلطة محلية مستقلة ، ألغت أذربيجان الحكم الذاتي وخاضت حربًا ضد المجموعات الأرمنية الانفصالية المدعومة من ارمينيا وروسيا التي قدمت الدعم العسكري واللوجستي للانفصاليين.
نَجَمَ عن الحرب التي استمرت بين 1992-1994 خسارة أذربيجان للإقليم إضافة لِستِّ مناطق اذربيجانية أخرى ، فضلًا عن سقوط 30.000 قتيل وتهجير ما يقرب من مليون شخص من المناطق المجاورة غالبيتهم من اتراك الأذربيجانيين
لم تنته الحرب باتفاق سلام نهائي يحل المشكلة رغم اعتبار الأمم المتحدة أرمينيا دولة محتلة لأراض أذربيجانية واعتبار منطقة قره باغ اراضي اذربيجانية محتلة من قبل ارمينيا ، بعد ذلك تم أنشاء منظمة الأمن والتعاون الأوروبية مجموعة “مينسك” بعضوية كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا لمتابعة جهود حلِّ مشكلة الإقليم دون إنجازات تُذكَر من انشائها. لذلك فقد تجدد الصراع في الإقليم أكثر من مرة، في عام 2016 وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2020 أعلنت أذربيجان إحباط هجوم أرميني بالصواريخ استهدف خط أنابيب النفط الأذربيجاني عبر جورجيا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، الذي يبعد نحو 50 كم من جبهة المواجهة ,وفي نهاية شهر ايلول من عام 2020 في جولة صراع تعد الأشد والأطول منذ توقيع اتفاق هدنة بين الدولتين عام 1994. وقد تبادلت دولتا أذربيجان وأرمينيا الاتهامات بقصف المدنيين، وتجنيد المقاتلين من خارج دولتيهما على أساس عرقي. وهددت المواجهات بتوسع رقعتها إلى حرب إقليمية ولو بالوكالة، خصوصاً بعد دعم الايراني والفرنسي والامريكي لارمينيا من جهة والدعم التركي القوي لأذربيجان في حقها بتحرير كامل أرضها من المحتل الغاصب الارميني، كانت هناك محاولة من أرمينيا استغلال موقف تركيا لجر دول إقليمية إلى الصراع ومساندتها بذريعة وضع حد للنفوذ التركي في منطقة القوقاز ولكنها باءت بالفشل بسبب الموقف الروسي من جهة واستمرار دعم التركي العسكري واللوجستي لاذربيجان
استطاعت أذربيجان في هذه الجولة أن تستعيد 80% من مناطقها المحتلة، اهمها كانت مدينة شوشا التاريخية الاستراتجية محدثة مفاجأة في موازين القوى والتكتيكات العسكرية، وخاصة فعالية الطيران المسير الذي حصلت عليه من الشقيقة الاكبر تركيا. هنا لابد من الاشارة بان المواقف الدولية اتسمت بالدعوة إلى وقف الحرب واللجوء للحوار، وبدت مواقف بعض الدول، وفي طليعتها روسيا، مغايرة لما اعتادت عليه أرمينيا على الأقل,وكذلك الموقف الفرنسي الداعم لارمينيا كانت واضحة بكل معاييرها
هذه المقالة يبحث تقدير الموقف في أبعاد الصراع الأذربيجاني الأرميني على إقليم ناغورني كاراباخ الاذربيجانية، ويستشرف سيناريوهات مستقبله
خلفية عامة عن الإقليم وخصائصه من كافة الجوانب

ابعاد الصراع
تعد دوافع الصراع الأذربيجاني الأرميني على إقليم ناغورني قره باغ متعددة ومركبة، تتداخل فيها الأبعاد المحلية والثنائية بالإقليمية، وتحفز الصراع ثارات تاريخية وتعقيدات الجغرافيا الجيوسياسية والاقتصادية.
حيث تصوغ تركيا موقفها من النزاع وفق منظومة متشابكة من العوامل الدينية والتاريخية والعِرقية والمصالح الاقتصادية والسياسية،يجمعها مع اتراك أذربيجان العرق واللغة والدين ، يجعل العلاقة فيما بينهما حساسة ومحورية، “شعب واحد ولكن في دولتين”
تركيا مسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية تجاه اخوتهم اتراك الاذربيجانيين، منذ الدولة العثمانية
اذا نظرنا إلى الخرائط الجغرافية والجيوبوليتيكية للمنطقة، نجد إن أذربيجان بمثابة منفذ لتركيا لجمهوريات التركية في اسيا الوسطى لاسيما من خصومها الذين يحيطون بها روسيا أرمينيا إيران.يؤثِّر الوضع الحالي لإقليم ناغورني قره باغ، كونه محل نزاع، على سياسات تركيا تجاه منطقتي البلقان والقوقاز، فهو يحدُّ من فاعليتها في حوضي الأدرياتيكي وقزوين بشكل مباشر. أن حلَّ مشكلة الإقليم وإزالة الحاجز الأرميني سيمكِّنها من التواصل عبر منطقة ناختشيفان مع أذربيجان والجمهوريات التركية في آسيا الوسطى بما يصنع منها قوة إقليمية كبرى
ومن ناحية اخرى تتعمد أرمينيا استحضار الدور التركي كفاعل في تحقيق أذربيجان التقدم العسكري على الأرض، وتستدعي الخصومات التاريخية في محاولة لجر دول أخرى للتدخل مباشرة، وأبرز تلك الدول روسيا وفرنسا
البعد الاقتصادي
تعمل أذربيجان على زيادة مواردها المالية واستغلال ثرواتها، وتحاول الأطراف الإقليمية تهديد أنابيب النفط الممتدة إلى تركيا، التي تحاول تقليل اعتمادها على الغاز الروسي والإيراني وتنويع خياراتها بما ينعكس إيجاباً على تقوية قرارها السياسي، كما أنها تحاول أن تمر مصادر الطاقة إلى أوروبا عبر أراضيها ومياهها
فالعلاقات الاقتصادية الوثيقة وقوية بين تركيا وأذربيجان؛ حيث تجمع البلدين عدَّة إطارات اقتصادية أهمها اللجنة الاقتصادية المشتركة والمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي. أمن الطاقة التركي مرتبط بأذربيجان التي هي إحدى أهم الدول المصدِّرة للغاز الطبيعي، وتعوِّل عليها في السعي نحو تقليل نسبة اعتمادها على الغاز الروسي والإيراني؛ كما تؤمِّن مشاريع مدِّ أنابيب الغاز الأذري حاجيات تركيا من الغاز الطبيعي فضلًا عن كونها ممرًّا لغاز بحر قزوين إلى الدول الأوروبية، مثل مشروعي باكو-تفليس-جيهان، و”تاناب” (مشروع غاز عبر الأناضول) الذي يُتوقع الانتهاء منه عام 2018
بالنسبة لروسيا، فتصوغ أيضًا مقاربتها للنزاع منها إرث روسيا التاريخي في السيطرة على المنطقة في عهدي روسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي
تشكِّل منطقة جنوب القوقاز أرمينيا أذربيجان جورجيا بالنسبة لروسيا عمقًا استراتيجيًّا، وحديقة خلفية لا يمكن التفريط باستقرارها وأمنها
المنافسة على أحواض الغاز الطبيعي في بحر قزوين، وخطوط مروره إلى أوروبا. تُعتبر أرمينيا شريكًا استراتيجيًّا لروسيا، سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا
وتعتبر أرمينيا عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي وهي المنظمة التي انسحب منها كل من أذربيجان وجورجيا عام 1999.تعتبر روسيا ضامنة للأمن والاستقرار في جنوب القوقاز وحوض بحر قزوين، كقوة إقليمية عسكرية، وكدولة سيطرت تاريخيًّا على المنطقة، وباعتبارها أيضًا مصدرًا مهمًّا للسلاح لكل من أرمينيا وأذربيجان على حدٍّ سواء. تأثير اللوبي الأرميني في الداخل الروسي حيث قدَّر عدد الأرمن فيها بـ1.3 مليون شخص تقريبا
يعتبر النفوذ الروسي في منطقة جنوب القوقاز موازِنًا مهمًّا للدور التركي ومن خلفه الأميركي والأوروبي هناك، فضلًا عن إعاقته تواصل تركيا مع الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى . تعمل إيران وروسيا ودول أوروبا على وضع العراقيل أمام توجهات تركيا إلى إعادة تقوية علاقاتها مع دول القوقاز حتى لا يتوسع نفوذ تركيا, وتحتفظ روسيا بقواعد عسكرية على الأراضي الأرمينية في منطقتي أربوني وغيومري القريبة من الحدود التركية
يتكامل التواجد الروسي العسكري في أرمينيا مع احتلالها العسكري لاراضي من جورجيا وعلاقاتها الاستراتيجية مع إيران، ضمن منظومة موسكو الجيوبوليتيكية. وكذلك تسعى روسيا منع تقارب أرمينيا مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية

المواقف الدولية من الصراع
جميع المواقف الدولية تقر في بحق أذربيجان بإقليم ناغورني قره باغ تاريخيا وجغرافيا واقرار القوانين الدولية الصادرة حول ذلك، ورغم ذلك فإن بعض الدول تبني مواقفها وفق عوامل وحسابات سياسية واقتصادية أخرى.
أُنشئت عام 1992 مجموعة مينسك بهدف التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورني قره باغ من قِبل مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا ، لكن المجموعة فشلت في تحقيق هدف تأسيسها. وتترأس المجموعة على نحو مشترك كل من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، في حين تضم في عضويتها تركيا وفنلندا وألمانيا وبيلاروسيا وهولندا والسويد والبرتغال وإيطاليا، بالإضافة إلى أرمينيا وأذربيجان. ورفضت منظمة التعاون الإسلامي والتي تضم 57 دولة، ومقرها مدينة جدة السعودية أن أعلنت رفضها للانتخابات التي أجريت في إقليم ناغورني قره باغ الأذربيجانية ، في 31 مارس/آذار 2020؛ لأن أرمينيا كانت تحتل تلك الاراضي
الموقف التركي من حرب قره باغ الثانية

كانت تركيا منذ بداية المواجهات العسكرية بين اذربيجان وارمينيا أعلنت صراحة وقوفها مع اتراك أذربيجان في تحرير أراضيها من الاحتلال الأرميني، معلنة وضع كافة إمكاناتها العسكرية في مساندة أذربيجان، لانهم شعب واحد واحد في دولتين . ووضع الاتراك كل ثقلهم السياسي واللوجستي في تعزيز موقف اخوانهم في أذربيجان، وقد برزت في هذه الحرب قدرات الطيران التركي المسير (بيرقدار) في تدمير الأهداف والمعدات العسكرية الأرمينية، مدعومة بمقاطع الفيديوهات التي كشفت حجم الخسائر التي تعرضت لها القوات الأرمينية وأضعفت موقفها

الموقف الروسي من حرب قره باغ الثانية
دعوة طرفي الصراع الاذربيجاني والارميني إلى وقف إطلاق النار واعتماد التفاوض، وعلى الرغم من أن روسيا تعد الحليف الرئيسي لأرمينيا، ولها قواعد عسكرية في أرمينيا، فإن الموقف الروسي جاء مغايراً لما اعتادته أرمينيا، في حين أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2020 أن بلاده مستعدة للوفاء بالتزاماتها أمام أرمينيا كحليف، إلا أن الأعمال القتالية لا تجري على أراضي الارمينية في اشارة الى ان منطقة ناغورني قره باغ ليست ارمينية وانما اراضي اذربيجانية
ويُقرأ الموقف الروسي على أنه رد فعل على تطور علاقة أرمينيا مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية،وانشغال روسيا في أكثر من ساحة صراع

الموقف الإيراني من حرب قره باغ الثانية
إيران تتعامل حول مشكلة إقليم ناغورني قره باغ بين الجارتين الاذربيجاني والارميني بنوع من الحذر ولكن بدعم الجانب الارميني السري والعلني احيانا لإدراك خطورة الوضع على أمنها القومي، وذلك على بُعدين رئيسين ؛ الأول يتمثل داخليا في خشيتة من انتقال الصراع ما بين الأرمن والاتراك الأذربيجانيين الجنوبيين في الداخل الإيراني وتقدر عددهم حوالي 40 مليون الذين يربطهم مع باكو وانقره العرق القومي التركي المشترك ، ويتمتع أرمن إيران بنفوذ ايضا داخل ايران رغم محدودية عددهم، وبالمقابل تظاهرات وتنديدات وقطع الطرقات من قبل أتراك اذربيجان الجنوبية لإيران مستنكرين موقف بلادهم ايران الداعم لارمينيا في صراع وطنهم الام أذربيجان مع ارمينيا التي تحتل الاراضي ناغورن قره باغ
طبعا البعد الثاني الايراني تتمثل زيادة النفوذ القومي لانقره وتقوية روابطه العرقية مع اشقائهم من اتراك الاذربيجانيين على حساب التباينات المذهبية.
ان النموذج السياسي لجمهورية الأذربيجان أقرب للنموذج التركي ويختلف عن النموذج الإيراني (ولاية الفقيه)،وهو ما يعني أن نموذج أذربيجان السياسي سيكون ملهماً لاتراك اذربيجان الجنوبية في ايران على حساب النموذج الإيراني المذهبي المتسلط على رقاب شعبه

الموقف الغربي من حرب ناغورني قره باغ الثانية
موقف فرنسا كانت بين المطرقة والسندان باريس اختارت منذ البداية معسكرها، وأعلنت دعمها لكامل لأرمينيا، غير أن فرنسا وقفت عاجزة أمام التطورات الميدانية. اتهمت فيه أذربيجان فرنسا بعدم الحياد وبتصريحات أحادية الجانب تقف إلى جانب أرمينيا بدلاً من أن تكون محايدة كرئيسة مشاركة في مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا
الموقف الأمريكي كان محدوداً متأثر بحالة الانشغال الداخلي بانتخابات الرئاسة الامريكية

مواقف الدول العربية من حرب ناغورني قره باغ الثانية
طبعا الدول العربية حاولت أن تمسك العصا من المنتصف مع ميول بعض تلك الدول الداعم لارمينيا الغاصب لاراضي الاذربيجانية بشكل علني مثل الامارات العربية وجمهورية مصر العربية، ولبنان وسوريا ,فالسعودية أكدت أنها تتابع التطورات بـبالغ القلق وحث الطرفين على وقف إطلاق النار وحل النزاع وفقاً لقرارات مجلس الأمن
وسائل الإعلام العربية كانت منقسمة وفقاً لطبيعة علاقات دولها مع تركيا، حيث انعكست ميولها في تغطيتها للصراع وإبراز المواقف، فتبنى وسائل الاعلام الاماراتية والمصرية واللبنانية والسورية الحكومية موقف الداعم لمواقف أرمينيا وكانت قنوات الجزيرة القطرية الداعم الرئيسي لمواقف أذربيجان الرسمية ، وكانت أغلب المواقف الشعبية العربية فقد انحازت إلى أذربيجان

السيناريوهات المستقبلية بعد اتفاق سلام بطعم الاستسلام في حرب ناغورني قره باغ الثانية

نجحت أذربيجان في استرداد جزء كبير من أراضيها التي تحتلها القوات الأرمينية منذ ثلاثة عقود، حيث عجزت القرارات الأممية وترويكا “مينسك”، الأميركية والروسية والفرنسية، في إعادة هذه الأراضي إليها، تحت ذريعة تثبيت الوضع القائم وإبقاء الأمور كما هي عليه، لتجنب انهيار أحجار الدومينو في القوقاز، والقائمة على توازنات إقليمية ودولية حساسة. نجدأن روسيا هي المحرّك الأول لكل ما يجري على الساحة ، والمستفيد الأكبر من كل التطورات العسكرية والميدانية والسياسية لاحقا، بعد فرض نفسها على التفاهمات التي تمت ، بين باكو ويريفان.
اذا نظرنا الى تاريخ الصراع الأذربيجاني الأرميني يتضح لنا مدى التعقيد فيه من كل الجوانب، على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي، بسبب تقاطع المصالح، ومحدودية الخيارات. حيث اذا اجرينا مقارنة بين الجيشين الأذربيجاني والأرميني وفقًا لبعض المصادر يظهر الجيش الأذربيجاني في المركز الـ 60 والجيش الأرميني بالمركز الـ 94 من أصل 126 جيشًا على مستوى العالم. في حرب ناغورني قره باغ الثانية ترك الروس الساحة لأذربيجان تتحرّك عسكريا بالتنسيق مع تركيا، لتوجيه رسالة مباشرة إلى حكومة باشينيان التي خرجت عن بيت الطاعة الروسي، وبدأت تستقوي بعلاقتها مع الغرب، لكنه تدخل سريعا لوقف المعارك، عندما شعر أن الأمور وصلت إلى نقطة اللاعودة، بعد الدخول السريع للقوات الأذربيجانية إلى مدينة شوشا، والاستعداد للحسم العسكري، عبر توجيه ضربةٍ قاضيةٍ للجيش الأرميني لا تخرجه من أراضيها فقط، بل تمنعه من استرداد أنفاسه سنوات طويلة. طبعا حصلت روسيا على كل ما تريده لقنت أرمينيا دروس وباتجاهين، أرميني وغربي يعني اللوبي الارمني
وكسبت باكو إلى جانبها بتجاهل عملياتها العسكرية ناغورني قره باغ،وتقاسم النفوذ مع انقره في مشاريع استراتيجية متعدّدة الجوانب والأهداف، ستكون مربحةً ومغريةً للطرفين،واختارت موسكو أن تعطي لباكو وأنقرة ما تريدان في ناغورني قره باغ بسحب القوات الأرمينية المحتلة من الإقليم، وإنهاء حالة اللاحرب واللاسلم، وإشراك تركيا في اللعبة، مقابل وقف القتال بضمانات وإشراف روسي على الملف، وعدم تدويل الأزمة.هنا نجد ان روسيا تريد أن تضع يدها على الانتصارات التي حققتها باكو في ناغورني قره باغ وباكو تريد الاستقواء بالدور التركي المفتوح لموازنة كافة الاحتمالات والمتغيرات المستقبلية.ولذلك يمكن استشراف مستقبل الصراع بين الدولتين الجارتين في سيناريوهين رئيسين قد تؤثر فيهما متغيرات دولية فرعية

السيناريو الأول: حالة لا حرب ولا سلم بين البلدين

حيث يحاول الطرفان فرض إرادتهما على الاخر بدعم خارجي وتثبيت مكتسباتهما، الاتفاق الذي أبرمته اذربيجان مع أرمينيا بوساطة روسية لوقف إطلاق النار في إقليم ناغورني كاراباخ هو “وثيقة استسلام” أُرغمت يريفان على توقيعها بعد ستّة أسابيع من المعارك الضاربه. ستسعى الان أذربيجان إلى تحرير ماتبقى من أرضيها مدعومة بالشرعية الدولية وفارق الإمكانات التي توفرت لها الان من الناحية العسكرية بعد ان حررت اكثر من 80% منها في حرب قره باغ الثانية ,حيث بقيت هناك عاصمة المنطقة مدينة خان كيندي وبعض القرى الاذربيجانية المحدودة بحماية من قوات حفظ السلام الروسية مع نقاط مراقبة تركية
ومن جهة أخرى ستحاول أرمينيا دفع المجتمع الدولي لتغيير موقفه من احتلالها للجزء من ناغورني قره باغ الاذربيجانية بحجة تمكين المقيمين الارمن فيها من تمثيل إقليمهم والاعتراف بكيانهم بعد ان تم تهجير اكثر من مليون من اتراك الاذربيجانيين ابان حرب قره باغ الاولى
يدعم هذا السيناريو العداوات التاريخية وحالة التحشيد العرقي لطرفي الصراع، وصعوبة التسوية؛ نظراً لوجود الإقليم داخل الأراضي الأذربيجانية، وكذلك استمرار الدعم التركي لأذربيجان السياسي واللوجستي، وفرض تغيير معادلات التفاوض بما يحافظ على سيادة أذربيجان على مدينة خان كيندي المحتل من قبل أرمينيا كخيار آخر. يدفع بعض الدول المناوئة للنفوذ التركي إلى محاولة فرض الامر الواقع الحالي، ولو بدعم أرمينيا سياسياً ، وفي طليعة هذه الدول روسيا وفرنسا واليونان وإيران، وهو ما ينعكس سلباً على مستقبل المنطقة، وسينقله إلى حرب بالوكالة في المستقبل

يبدو أن سيناريو مساومة موسكو مع باريس وواشنطن، شريكي في “مينسك” تراجع لصالح التنسيق التركي الروسي. التفاهم التركي الروسي اسقط كل سيناريوهات الحل الأوروبية التي كانت تدعو إلى اعتراف الأطراف الثلاثة، أرمينيا وأذربيجان وإقليم ناغورني قره باغ ، بوحدة أراضي أذربيجان، مقروناً بنظام حكم ذاتي للإقليم

السيناريو الثاني: الهدنة الهشة القابلة للانفجار في لحظة

بعد القبول الاطراف بوقف إطلاق النار والتوقيع على الاتفاق الثلاثي للاذربيجاني والروسي والارميني ، من خلال استعادة اذربيجان للمناطق المحتلة ودفع المواقف الدولية للضغط على أرمينيا لإيجاد تسوية عادلة
الاتفاق الثلاثي على الهدنة ليست حلاً سلميًا نهائيا بين الدولتين الجارتين مع دخول قوات حفظ السلام الروسية إلى المنطقة، تُمنح موسكو مرة أخرى دور الحكم وضابط الشرطة، لكن هذه المرة بشراكة مع تركيا ولو كانت هذه الشركة محدودة عمليا .أرمينيا خسرت الحرب، وانتصرت أذربيجان.
ولن يشعر الأرمن الموجودين في ناغورني قره باغ بأنهم في وطنهم ،لكن الأذربيجانيين المنتصرين لم يعد لديهم سبب حقيقي لإجراء مفاوضات جديدة في مجموعة مينسك وغيرها . طبعا الصراع دخل مرحلة جديدة بين الدولتين ، لكن لم ينته بأي حال من الأحوال هل سنرى جولات وصولات اخرى من المعارك في المستقبل بين الطرفين في ظل الهدنة الهشة وخاصة من طرف الارميني الذين يخرقون الهدنة المتفقة بتحرشات هنا وهناك ضد الاذربيجانيين ,الى الان المجتمع الارميني لم يصحى من صدمة خسارة المعركة وفقدانهم الكثير من المناطق المحتلة من قبلهم هذا من ناحية ومن ناحية اخرى الارمن الان لايثقون بالروس الذين لم يساندونهم في حربهم الاخير هذا حيث قتل الكثير من الجيش الارمني”

جزءا كبيرا من أوراق اللعبة في ناغورني قره باغ هو الآن في يد اطراف دولية وخاصة روسيا وتركيا اللذين اتفاقا على تفعيل مشترك لمركز للإشراف على وقف إطلاق النار ولضمان تنفيذ الاتفاق. تدرك موسكو أن أرمينيا بحاجة إلى روسيا أكثر مما تحتاج إليها روسيا ، ومع ذلك فإن التداعيات قد تعني فقدان إحدى حدائقها الخلفية في ساحة الاتحاد السوفياتي السابق.وفي إطار استمرار لعبة الأمم وهيمنة القوى الإقليمية على القرار، تبقى منطقة ناغورني قره باغ بؤرة ساخنة عرضة للانفجار في أي وقت، لانعرف ماتخبئه لنا المتغيرات على الساحة المحلية والدولية في الفترة القادمة طالما بقيت الخلافات بلا حسم نهائي بانتظار تغيير جديد على الوضع الراهن في صالح أي من الطرفين المتنازعين

[الرسالة مقتطعة] عرض الرسالة بالكامل
منطقة المرفقات

أحدث المقالات

أحدث المقالات