قراءة الحدث الدولي لاكتشاف ما وراء اللعبة ليست حالة “ترف فكري” وليست موضوع للتسلية، فهي محاولة لصناعة الوعي ولخلق المعرفة ومنها ننطلق ك “عرب” لمعرفة ما يجري حولنا ومن خلال تلك المعرفة علينا التخطيط للمواجهة وترقب للحدث، لأننا علينا ان نكون أمة “الوعي” والأمة “التي تقرأ والامة “الشاهدة” وعلينا كأفراد ضمن هذه الامة ان نعرف مسئولياتنا الشرعية وواجباتنا القومية بأن نعيش مسئولية القيادة حسب القدرة ومواقع القوة المتاحة لكل منا.
فماذا يجري على ارض الواقع في المحيط العربي من حولنا؟ ما الجديد؟ وما الخطير؟
هناك تغيير قادم في طريقة التعاطي الامريكية مع الملف الروسي و واضح ذلك مع ما كشفه الباحث الروسي الكسندر دوغين “صاحب الارتباطات و العلاقات مع مؤسسة الكرملين الروسية و كذلك مع المؤسسة العسكرية هناك وأيضا هو باحث استراتيجي و من هذا كله تبرز أهمية ما يقوله و خاصه ما وثقه في كتابه “الحرب الأخيرة في جزيرة العالم حيث ذكر حادثة مهمة جدا ستكشف لنا حقيقة نوايا الرئيس الأمريكي الحالي بايدن بعيدا عن القناع الخفي من الدعايات و الكلام المنمق الذي يصدره الامريكان الرسميين دعائيا – ويتم اعده نشره في وسائل الاعلام العربية عن قصد او من دون قصد – بعيدا عن حقيقة حركتهم على ارض الواقع.
يقول دوغان: ” اثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لموسكو في ربيع العام 2011 حاول التدخل في الشئون الداخلية الروسية عندما طالب الرئيس الروسي بوتين بعدم الترشح لولاية ثانية، محذرا اياه من “ثورة ملونة” شبيهة لما حدث في العالم العربي في العام 2011 ”
هذا الكلام القديم الموثق هو كاشف لما يحدث حاليا مع بداية التنصيب الحالي لجو بادين كرئيس حالي للولايات المتحدة الامريكية حيث هناك تحريك لأذرع مرتبطة مع وكالة الاستخبارات الأمريكية و هذا التحريك التوظيفي لم يتم تنشيطه الا بعد التنصيب الرئاسي لبايدن و هو تنشيط “استعجالي” “عاجل” و “سريع” في اول أسبوع ضمن الموقع الرئاسي الأمريكي و هذا من الواضح مرتبط بما قاله في العام 2011 و هو قول موثق و مكتوب و منشور و فيه رغبة دفينة في الإطاحة بالنظام السياسي الروسي بواسطة أسلوب الثورات الناعمة التي بدأ استخدامها في جورجيا بنجاح و تم افشالها لاحقا داخل الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض ايران 2009 و كذلك تم اسقاطها في الجمهورية اللبنانية 2007 و هي نفس الاليات التي خرجت عن السيطرة و ضربت في مواقع اخرى في أوكرانيا وبداخل محيطنا العربي في مصر واليمن وتونس والبحرين الى ان تمت إعادة اطلاقها في الجمهورية العربية السورية و الان يتم إعادة تفعيل هذه الاليات ضد روسيا “الدولة و النظام السياسي” ولمن يرغب بتفاصيل موثقة أخرى ان يراجع كتابنا “ما وراء الستار” الصادر في العام 2017 .
في هذه الأجواء التي يتم تسخينها داخل روسيا ضد الدولة والنظام السياسي هناك ولا أقول ” ضد شخص بوتين كرئيس” يقول المحلل الاستراتيجي إسكندر نازاروف بهذا الخصوص:
” إن الولايات المتحدة الأمريكية تغرق تدريجياً في أزمة مدمرة لا يوجد لها مخرج آمن. ومن الواضح أن الأزمة تتدهور وستنتهي عاجلاً أو آجلاً بانهيار الاقتصاد والحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يتبق لدى واشنطن سوى 5-10 سنوات كحد أقصى، قبل أن تحل الصين محلها كأكبر اقتصاد في العالم، يلي ذلك انهيار الولايات المتحدة. وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن الدولة العميقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية قررت عدم القتال على جبهتين في وقت واحد، وتصفية روسيا أولاً قبل مواجهة الصين.”
وحول مدى قابلة تلك الاليات الانقلابية للنجاح داخل الواقع الروسي يضيف نازاروف الاتي:
” هل تنجح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في إشعال ثورة ملونة في روسيا؟
في حديثهم عن الوضع الداخلي الروسي، يقول معظم المحللين الروس المعتدلين إن روسيا تستند إلى “عقد اجتماعي” بين المواطنين والنخبة السياسية التي تمثّل السلطة الحاكمة، أياً كانت هذه السلطة والقوى السياسية التي تنتمي إليها، مقابل ضمان الاستقرار والأمن للمواطنين العاديين، ونمو مستقر لرفاهية الشعب الروسي، بما في ذلك أفقر طبقاته، حتى وإن كان ذلك النمو متواضعاً.
وقد نجح فلاديمير بوتين في هذه المهمة حتى الآن، مع الأخذ في الاعتبار أزمة جائحة كورونا الأخيرة، والأزمة الاقتصادية العالمية المتزايدة، والتي أدت إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة مئوية ملحوظة، لكن معظم المواطنين الروس يرون بأم أعينهم كيف أن روسيا تمكنت من تجاوز هذه الأزمة بنجاح أكبر من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية.”
” إن الغرب، في طريقه، على ما يبدو، نحو الانهيار، يرغب في تدمير روسيا. لكن بوتين سياسي محنك، وآمل أن تمتلك السلطة الحكمة الكافية لإيجاد توازن بين ضبط النفس والصلابة المعقولة. أعتقد أن محاولات زعزعة استقرار روسيا لن تكلل بالنجاح.”
علما يبدو ان الرئيس بوتين يعمل في مشروع يعيد روسيا كدولة عظمى وتغيير العالم من سياسة الأحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة الامريكية الى عالم متعدد الأقطاب يضع روسيا والصين كأقطاب تنافس أمريكا فكل تحركات بوتين “الدفاعية” عن المصلحة الروسية من الحرب الثانية في الشيشان سنة 1999 الى ضم جزيرة القرم 2014 تشير الى ان روسيا لن تقف وتتفرج على أي تهديد لمحيطها الإقليمي وحلف الناتو.
اين نحن ك “عرب” من هكذا تطورات؟ وما العمل؟ وكيف نتصرف؟ وما هي مصالحنا؟ وماذا نريد؟ وما هو التأثير علينا؟
في واقعنا العربي الذي يغيب عنه خطة للتعامل مع الصراعات الإمبراطورية من حولنا ما لدينا للتعامل مع الاخرين من حولنا؟ الإجابة لا شيء الا انتظار نتائج صراعات الاخرين الذين ينظرون الينا كلنا من المحيط للخليج ك “عرب” وك “قومية واحدة” ولكننا العرب ننظر الى أنفسنا حسب تقاسيم الاتفاق البريطاني الفرنسي الروسي – البلشفي القديم المعروف بسايس بيكو!؟ وننتظر من الطورانيين الاتراك بشعار اسلامي الحل او انتظار الفائدة من القومية الإيرانية بشعار اسلامي المنحرفة عن خط الامام الخميني وافكاره ؟! والأسوأ من كل هذا وذاك هو من وضع من العرب بيضه مع اعدائنا الصهاينة منتظرا منهم النصرة وهم من يريدون تدمير واذلال كل الواقع العربي وليسوا موقع نصرة او امن او امان او ثقة فهؤلاء الصهاينة اعدائنا وصراعنا معهم وجودي فأما نحن ك “عرب” او هم ” ك “صهاينة” ولا طريق ثالث، اما الامريكان وشلة بلدان حلف الناتو والتي تقع تحت التأثير اللوبي الصهيوني فهؤلاء اثبت التاريخ والحاضر وكما سيثبت المستقبل انهم مصلحيين بما يفيدهم هم فقط وليسوا جمعيات خيرية تقدم لنا الامن والتنمية الحقيقية.
علينا ك “عرب” ان نعترف اولا اننا “عرب!؟” وان علينا الوحدة والتنسيق والتعاون والتضامن والخروج من مخططات الاخرين لنقدم مخططاتنا ومشاريعنا التي تخدمنا نحن ك “عرب” كما تخدم كل المشاريع الإمبراطورية الإقليمية والقارية قومياتها، وهذا هو واقع الدولي وطبيعة الصراعات فيه وغير هذا الكلام هو خروج عن الواقع الى عالم الاحلام حيث الوهم والسراب والضياع في صحراء التيه.
وعلينا ان نعرف ان الجلوس على طاولة واحدة مع أعضاء حلف الناتو او مع الصهاينة او مع الطورانيين الاتراك او مع القوميين الإيرانيين لن يصنع منا دول عظمي او أصحاب نفوذ ولكن سنكون جالسين على طاولة !؟ بينما الاخرين …. كل الاخرين لديها القرار والسيطرة ومواقع القوة.
ان المصالحة العربية “مطلب” والوحدة العربية “قدر” لا مفر منه لأن من حولنا إقليميا هم “قوميين” في حركتهم ومصلحيين في أهدافهم ولا يهتمون في واقعنا العربي الرسمي والشعبي الا بما يفيد قومياتهم الأخرى المخالفة لقوميتنا العربية وواقعنا.
وبين مطلب المصالحة وقدر الوحدة، يبقى التنسيق الاولي أضعف الايمان إذا صح التعبير وكل ما هو حركة على ارض الواقع انطلق من فكرة وحولها تتجمع القناعات ومن ثم تتجه الفكرة الى خط التطبيق.
ولنا في المصالحة الخليجية الأخيرة المثال وواقع تطبيقي عشناه كلنا ولنا أيضا في افتتاح سفارات سلطنة عمان ودولة الامارات العربية المتحدة داخل الجمهورية العربية السورية حاضر قريب اخر عايشناه.
لن يهتم بنا الغرباء بنا ك “عرب” الا بمقدار مصالحهم وبما يفيد مشاريع بلدانهم ونحن سنكون ضحية مشاريع الاخرين إذا استمرت الصراعات العربية الجانبية والتي لن تفيد أحد الا في استمرار سقوط واقعنا كله في حضن مشاريع الغرباء حولنا.
ان تحديات المحيطة حول الواقع العربي كبيرة وكذلك خطيرة وسط صراعات قوى إقليمية تريد ان تسيطر وقوى أكبر منها ترغب في ان تفرض مشاريعها وهناك من يريد ان يستمر في نجاحاته في اختراق للواقع العربي احدثه من هنا وهناك.
ماذا لدينا كعرب الا الوحدة والتنسيق فيما بيننا من الجانب الرسمي نتحدث، وكذلك تعزيز العمل الشعبي المرتبط في فتح المجالات الثقافية والاقتصادية والنقل وهي مشتركات تفيد الكل وتنفع جميع العرب ويستطيع النظام الرسمي العربي الانطلاق منها كمشتركات شعبية ومصلحية تكون كمن يكسر جمود العلاقات وحزازيات صراعات سابقة او تنافر من التعامل الرسمي لموقف حدث من هنا او قرار سياسي من هناك او غضب من تصرف معين من هنالك.