اهتزت مشاعر العراقيين وهم يرون سقوط عشرات القتلى والجرحى من الأبرياء والناس البسطاء في عمليتين ارهابيتين ضربتا بالتعاقب سوقا للملابس المستعملة في منطقة الباب الشرقي وسط العاصمة بغداد، وعبر المواطنون المتواجدون في المكان عن غضبهم لعدم تحرك القوات الأمنية التي كانت متواجدة في المكان ورفضهم الاتصال بالإسعافات لإنقاذ المصابين والجرحى بل ان الغريب ان طواقم الدفاع المدني جاءت مسرعة لغسل مكان الجريمة وهو ما لا يحدث في أي مكان سوى في العراق المحتل والمنكوب منذ سبعة عشر عاما. ليس هناك أبلغ من هذه العملية الإرهابية الكبيرة للدلالة بعد الكم الهائل من الاغتيالات والقتل والاختطاف لشباب العراق المتظاهر، على ان الإرهاب الذي يحصد حياة العراقيين هو امتداد وجزء لا يتجزأ من العملية السياسية حتى لو تم نسب مثل هذه العمليات الى التنظيمات الأصولية الدينية التي انكشف انها تعمل بأوامر المحتلين ووكلائهم.
هذه العملية هي امتداد للعملية السياسية قبل ان تكون عملية إرهابية لان رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة وهو المسؤول عما جرى من قتل للعراقيين تحت سمع وابصار قواته الأمنية سواء في التظاهرات ام في هذه الأخيرة حيث كانوا على مقربة ومنهم من كان يصور العملية من أعلى بشكل مهني واضح للعيان. وأظهرت ممارسة القوى السياسية الموالية لإيران ضغوطا على الكاظمي لكي يتراجع عن اقالة القيادي في منظمة بدر عبد الكريم عبد فاضل حسين البصري المكنى بأبو على البصري مدير عام استخبارات ومكافحة الارهاب بوزارة الداخلية ومسؤول خلية الصقور، فوضى القرار في حكومة الكاظمي، بل مشاركة كل هذه القوى بالجريمة وتواطؤها في قتل الشعب العراقي والإرهاب المستمر ضده. ان اقالة البصري من منصبه وضغوط الأحزاب السياسية لإعادته ربما تدل على ان العملية الإرهابية “جرت دون علم” الكاظمي وان مدير عام الاستخبارات الولائي هو من أمر بها. كما تشهد هذه العملية على تكرار تجاوز مليشيات إيران علنا على رئيس الوزراء وصلت حد التهديد بالمحاسبة والتصفية الجسدية مما يشير دون أي تردد بأن هذه تتصرف كما لو انها هي الحكومة وبأوامر من الحرس الإيراني مباشرة.ان الرسائل التي ارادت العملية ايصالها وتوقيتها في اليوم التالي لتولي الرئيس الأمريكي الجديد بايدن للحكم دليل على عملية ولائية تستقبل بها إيران الإدارة الامريكية الجديدة للتلويح بمقدرتها على زعزعة وجودها ووجود قواتها ومصالحها الحيوية والمهمة في العراق بعد صداع العقوبات الذي سببه لها حكم ترامب اذ تستقتل لرفع العقوبات والعودة الى الاتفاق النووي المبرم مع إدارة أوباما والدول الاوربية في مؤتمر 5+1 .وقد سبق لإيران ان استعملت هذه المليشيات في اكثر من مناسبة وفي اكثر من اعتداء واطلاق صواريخ وحتى محاولة احتلال السفارة الامريكية في بغداد قبل ان تقضي الطائرات على قائدها سليماني. اما على مستوى الداخل العراقي وبحجة العملية الإرهابية فقد تمت إعادة نشر القوات العسكرية والأمنية في ساحة التحرير وساحات مدن النجف وكربلاء والسماوة وذي قار والناصرية والبصرة بكثافة لإرهاب المتظاهرين وردعهم وتحسبا لعودة التظاهرات المنتظرة وخروج الشباب بكل عنفوان هذه الأيام عازمين على اكمال مسيرة ثورة تشرين في مختلف المدن وخاصة في كربلاء والنجف والناصرية فقد قام المتظاهرون بتمزيق صور الخميني وردوا شعارات معادية للوجود الإيراني والامريكي وقيام البعض من الشعراء الشباب بإلقاء اشعار معادية للوجود وللولاء الإيراني، أشعل حرب القصائد بين اتباع المليشيات وبين المتظاهرين . ولتبدأ الملاحقات والاغتيالات من قبل استخبارات المليشيات والبحث عن الشعراء ومداهمة منازلهم. ونظمت الأحزاب ومليشياتها تظاهرات وتجمعات رفعت فيها صور قيس الخزعلي والخميني وهادي العامري والمهندس وسليماني لإلقاء قصائد معاكسة طائفية لتحشد من جديد الشارع العراقي بخزعبلات العمائم وإعادة بث الفتنة الطائفية قبل موعد الانتخابات بعد ان دفنها ثوار تشرين ووحدوا العراقيين على مواطنتهم ووحدتهم. وشهدت المدن الغربية عودة المليشيات بعد ان خرجت منها سابقا وأعادت تموضعها في مناطق جديدة مثل محافظة صلاح الدين والانبار والموصل. وعزف رئيس الجمهورية برهم صالح بدوره على الوتر الطائفي بعد مطالبة بعض النواب بإعدام المتهمين بالإرهاب إثر نشر وزارة الداخلية فديو هزيل وساذج لشخص من الموصل يعترف انه من داعش التي أرسلت الانتحاري لتفجير نفسه في المواطنين، فوقع اعدام 340 سجينا لم تتم محاكمتهم ولا ادانتهم وهم من المعتقلين بتهمة أربعة إرهاب المفصلة لقتل وسجن سكان مناطق معينة في العراق.
مع هيمنة المليشيات وسيطرتها على كل مفاصل الدولة وفوضى حكومة الكاظمي التي لا تحل ولا تربط والعاجزة عن التصرف كحكومة في ابسط الأمور تبدو ايران عازمة على وصول مليشياتها الولائية لحكم العراق فقد بعثت برسالة تجاه المتظاهرين للقول بانها معهم من اجل التغيير وإخراج الفاسدين وذلك عبر خطيب مركز الزهراء الإسلامي في مدينة ميشغان الامريكية الذي القى خطبة نارية في صلاة الجمعة يدعو فيها ساسة العراق للتنحي وترك الحكم للشباب من اتباعها او من ) المليشيات ( لانهم فشلوا وتلطخت اياديهم بالدم وعاثوا فسادا وسرقة للمال العام ودعاهم للاستقالة لان وقتهم قد انتهى حيث قال :من كان حريصا على العراق وعلى سمعته وعلى الدماء التي تراق، عليه ان يقف وقفة لله ويقول كلمة حق وموقف حق ، اذا كان في هؤلاء الأحزاب والمتصديين للقرار السياسي في العراق موقف، الان هذا وقتكم، لا تتصوروا ان الأمور ) التظاهرات( ستنتهي وترجعون الى مناصبكم ! خلص، انتهى، شعبكم لا يريدكم ، يرفضكم، أعطوا مجال للآخرين وابتعدوا حتى لو كنتم على حق ! لماذا التشبث بكرسي ملطخ بالدم ! رسالة خطيب مركز الزهراء فيها مكر كثير وهي صادقة في جزء تخليها عن الطبقة السياسية التي اسقطتها التظاهرات والتي أصبحت ثقلا على ايران ولا تمانع من استبدالها بأجيال شابة ربتها على عقيدتها ، تبعثها لوكلائها لتقول لهم كما قال نوري المالكي رئيس الوزراء السابق لمتظاهري الانبار يوما : انتهيتم فأنهوا . أما جزء الخديعة فهو التعكز بقول امير المؤمنين لاسالمن ما سلمت أمور المسلمين التي تشبه موقف الانقلاب العكسي للولي الفقيه من الحرب مع الولايات المتحدة بتبني موقف الحسن في رفض مقاتلة معاوية وفي حال العراق فأن مثل هذه الرسالة لن يصدقها الطفل العراقي فما بالك بشباب خبروا عقلية العمائم بالمعايشة على الأرض العراقية وخرجوا يرفضون الاحتلال والوجود الإيراني ويهتفون ايران برة برة بغداد تبقى حرة.
ثورة تشرين وتظاهراتها التي لم تنقطع الى اليوم بل تتجدد ويتجدد معها زخم الشباب الذي يتردد على الساحات من أجيال جديدة، قلبت الطاولة حتى النصر على ساسة وبرلمان الاحتلال وكامل عمليته السياسية ونزعت أكاذيب الديمقراطية وسيادة الدولة والإرهاب الاصولي التي يرددونها كذبا ويخرجوها عند الحاجة ولن تتراجع التظاهرات الا بأسقاط ما بناه الاحتلال دون مساومات فقد قدم الشباب دمهم وارواحهم لإرجاع العراق وهم مستمرون.