لو ذهبت الى أية صيدلية في دول العالم وسألت عن دواء روسي، سيكون السؤال بمثابة مفاجأة او ربما صدمة للصيدلاني، لأنه لا يوجد أي دواء روسي معروف عالميا، فروسيا متخلفة في هذا الجانب، ولا توجد قناعة عند أي مواطن في العالم بما فيه الشعب الروسي بفاعلية الدواء الروسي هذا ان وجد. ولذلك عندما زعمت روسيا بأنها توصلت الى لقاح لكورونا، سخر الشعب الروسي من هذا الزعم، ورفض اللقاح المسمى (سبوتنيك- في) وهذه التسمية ترتبط بأول قمر روسي أطلق الى الفضاء عام 1957، لذا عندما لا تتوفر القناعة لدي الشعب الروسي، فأن بقية الشعوب ستعزف عنه بالطبع.
يفترض ان لا تخضع الأدوية واللقاحات الى النوازع والتوجهات السياسية، فأمرها يتعلق بالجانب الإنساني فقط، ومن الغرائب ان تتعارض تصريحات القيادة الايرانية مع أصحاب الشأن من المختصين في الجانب الطبي، فالشعب الإيراني يعاني من تفشي وباء الكورونا، والنظام يتستر على حجم الإصابات والوفيات بإعتراف منظمة الصحة العالمية، بل عوضا عن تصدير الثورة قام الولي الفقيه بتصدير الكورونا الى دول الجوار، فالعراق وسوريا ولبنان تعتبر من أبرز مستوردي الكورونا الإيراني عبر الوفود والزيارات والعلاقات التجارية والميليشياوية.
مثلا شككت (غيانوش غهانبور) المتحدثة باسم إدارة الغذاء والدواء الإيرانية التابعة لوزارة الصحة الايرانية، في صلاحية اللقاح الروسي، وشاطرها الرأي (مينو محرز) عضو اللجنة العلمية المخصصة لمكافحة كورونا في ايران، واعتبر اللقاح الروسي (من سوء حظ الشعب الإيراني)، أوكد انه شخصيا سيرفض اللقاح، معللا الرفض بأن” أن اللقاح الروسي المنتظر قدومه إلى إيران، لم يحصل على موافقة من أي دولة، كما أن المعلومات بخصوصه ليست منشورة”.(لقاء مع صحيفة جيهان في 29/1/2021)، وتساءل بغرابة” عندما لا تتوفر معلومات علمية عن اللقاح، فكيف توافق الحكومة الإيرانية على إستيراده؟
من الصعب تفسير موقف الخامنئي ولماذا حشر أنفه الطويل في مسألة تتعلق بالجانب الطبي، الا يكفيه الهيمنه على الجانب الديني والسياسي والإقتصادي؟ نتذكر التصريحات السابقة بأن الحرس الثوري تمكن من إختراع أداة للتعرف على المصاب بالكورونا فورا، وانه تم التوصل الى لقاح كورونا من قبل العلماء الإيرانيين وعام 2021 سينم تسجيله لدى منظمة الصحة العالمية وتوزيعه على الشعب الإيراني، في وقتها سخر الشعب الإيراني من هذه المزاعم وكان على حق في ذلك، فقد تبين ان النظام كان يكذب كالعادة على شعبه.
ونستذكر ايضا الصرخة الإنسانية المدوية لوزير الخارجية الأيراني محمد جولد ظريف عندما زعم ان ايران لا تتمكن من شراء لقاح كورونا بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على نظامه، والتي لا تمكن النظام في محاربة الوباء، وأكد ” يجب علينا ان نستعد للتعايش مع الفيروس حتى نتمكن من إكتشاف العلاج واللقاح فالحظر الأمريكي أعاق قدرة النظام على مكافحة الوباء”. وهذه الإسطوانة كررها الرئيس الإيراني روحاني لعدة مرات. وعلى الفور ردٌ وزير الخارجية الأمريكي السابق بومبيو بأن الإدوية والمعدات الطبيعة معفاة من الحظر الإقتصادي المفروض على ايران، بمعنى ان روحاني وظريف كانا يكذبان على الشعب الإيراني، او ربما يتظارف ظريف مع شعبه!
أين الحقيقة، طالما إن الإدارة الأمريكية لم تفرض حظرا على إستيراد الأدوية واللقاحات والمعدات الطبية؟ من الطرف الخارجي الذي كان يمنع إيران من إستيراد الأدوية؟ سبق أعلنت دول اوربية كفرنسا والمانيا وبريطانيا عن رغبتها بمساعدة الشعب الإيراني عبر إرسال مستشفيات متنقله ومعدات طبية، وأدوية وأسرة ولقاحات لكن النظام الإيراني رفضها، فالنظام ليس له ثقة بالغرب كما أشار الخامنئي، والخامنئي حريص على شعبه، حرصه على عمامته.
في تصريح لمرشد الثورة الإيرانية الى الضلال، وضمن إطار المؤامرة الكونية على النظام الإيراني، قال الخامنئي” إن إستيراد اللقاحات الأمريكية والبريطانية للبلاد أمر محظور، وإذا كانت شركة فايرز بإمكانها إنتاج لقاح، عندئذ لماذا يرديون أن يعطوه لنا، يتعين أن يستخدموه لأنفسهم، حنى لا يتكبدوا المزيد من الوفيات، مثلما الحال مع المملكة المتحدة”. كأنما نسبة المصابين والمتوفين في بلاده قليلة، علاوة على ان الدواء يتم التعامل به إنسانيا، فملايين الجرعات سُوقت الى الدول الفقيرة في أفريقيا مجانا او تحملت كلفتها منظمة الصحة العالمية، ولكن يبدو ان عمامة الخامنئي أخذت تضغط على دماغة وهو في أرذل العمر. أو أن المرشد لم يبلغ بعد سن الرشد، فاللقاح الذي أشار اليه وافقت عليه منظمة الصحة العالمية، وأثبت فعاليته ونجاحة، وبدأ الشعب الأمريكي بعمليات التلقيح بالملايين، اما اللقاح الروسي، فلم توافق عليه بعد، ولم تثبت فاعليته، وليس من المنطق ان يتعامل المرشد مع شعبه كأنهم فئران يتبرع بهم الى المختبر الروسي لإجراء التجارب عليهم.
اللقاحات التي أثبتت فاعليتها فايرز وموديرنا وجونسون، حيث صادقت عليها منظمة الصحة العالمية، وذكرت الولايات المتحدة ان (لقاح جونسون) أثبت فعاليته بنسبة 72% وان جرعة واحدة منه تكفي للمتلقي، ويمكن حفظه في البرادات الطبية لمدة ثلاثة أشهر، في حين لقاح فايرز تنتهي صلاحيته بعد مرور خمسة أيام. وأكدت شركات دوائية أن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، التي عملت على تطويرها، لا تزال فعالة أمام السلالات المتحورة الفيروس.
الفايروس يتطور وعقل المرشد مازال متكلسا، فقد ذكر (آنتوني فاوتشي) كبير خبراء الأوبئة المعدية في الولايات المتحدة” إن تفشي السلالات المتحورة من فيروس كورونا المستجد يمثل نداء استفاقة للتحرك بشكل أسرع نحو نشر اللقاحات على نطاق واسع”. لذلك العالم يسارع الى التلقيج وإستيراد اللقاحات، والمرشد الإيراني يرفض إستيرادها الا من الصين او الهند او روسيا، المصيبة ان اللقاح الروسي لم يُطلب إلا من ايران وفلسطين وبيلاروسيا وصربيا والمجر، مع انه لم يسجل بعد في الإتحاد الأوربي.
في النهاية، وافق النظام الإيراني على إستيراد اللقاح الروسي، فقد جاء في تصريح لظريف خلال مؤتمر صحافي ” سُجل لقاح سبوتنيك في في إيران في 25/1/2021 وقد تمت الموافقة عليه من قبل سلطاتنا الصحية، وفي المستقبل القريب، نأمل أن نتمكن من شرائه، وكذلك بدء إنتاجه على نحو مشترك”.
لكن هل الشعب الإيراني سيوافق على اللقاح الروسي؟ كل المؤشرات تقول كلا، أمر غريب، الجهات الصحية ترفض اللقاح، والجهات السياسية تتعاقد عليه، هذه واحدة من مخرجات دس رجال الدين والسياسية إنوفهم المزكومة في شؤون لا معرفة ولا فهم لهم بها، فعلا ما دخلت العمامة شيئا إلا وأفسدته، كل المصائب والكوارث التي حلت بإيران وملحقاتها العراق ولبنان واليمن سببها العمامة الكبيرة في ايران والعمائم الصغيرة المتهرئة في دويلات الولي الفقيه وذيوله فيها. انظر الى الدويلات الخاضعة لسيطرة الولي الفقيه من كل الجوانب بلا إستثناء، وقارنها بالدول غير الخاضعه له، وسيتبين الفرق الكبير، اية دولة كان او يكون لإيران نفوذ فيها معناه انها ستتحول من دولة ذات سيادة ومحترمة ولها مكانتها بين الدول الى دويلة منهارة وفاشلة على كل الأصعدة مثل لبنان والعراق واليمن وسوريا.
ان ايران التي فشلت في بناء دولة حديثة ومتطورة وتحقيق الرفاه والتقدم لشعبها لا تصلح ان تكون قدوة إلا للأبالسة والمجرمين، او ما يسمى بمحور المقاومة الذي كان يتلقى العام الماضي صفعة اسرائيلية كل ثلاثة أسابيع، وقرر الكيان الصهيوني ان يجعلها ثلاثة صفعات، دون ان يتمكن محور الصفعات في الرد ولو مرة واحدة، الكيان يضرب ميليشيات المحور المصفوع في سوريا، والمحور يوجه ضرباته الى المملكة العربية السعودية، هذا هو إسلوب الجبناء والذيول والعملاء.
كلمة أخيرة لنظام الملالي: اتركوا الطب للأطباء، والهندسة للمهنديسين، والفن للفنانين، واي إختصاص لذوية، وادخلوا في كهوفكم وصومعاتكم العفنة، والهوا أنفسكم بفتاوي النكاح والنفاس والحيض، فهذا هو مجال عملكم، وما أبدعتم في غيره.
صدق المتنبي بقوله:
وَإِنَّمَا النَّاسُ بِالمُلُوكِ وَلَا … تُفْلِح عَرَبٌ مُلُوكُهَا عَجَمُ
لا أدَبٌ عِنْدَهُمْ وَلَا حَسَبٌ … وَلَا عُهُودٌ لَهُمْ وَلَا ذِمَمُ
(ديوان المتنبي بشرح العكبري4/59).