19 ديسمبر، 2024 12:37 ص

وسائل الإصلاح في العراق!

وسائل الإصلاح في العراق!

لا شكّ أنّ الإصلاح من الأعمال التي يتّفق عليها العقلاء والحكماء، وكذلك النظم والقوانين الإنسانيّة على اعتبار أنّ مآلاته ستصبّ في روافد حياة الوطن والناس وينتج عنها الخير الكثير.
والعمل الإصلاحيّ ليس دعوة الضعفاء بل هو طريق المُصلحين والمفكّرين والوطنيّين، لأنّه ضرورة حتّمية وسبيل من سبل الحلول التدريجيّة لأيّ معضلة، أو مشكلة سواء على مستوى الدول، أو الكيانات، أو الأفراد، وهذا يعني أنّ الإصلاح عمليّة تنظيف وإزالة للفساد السياسيّ والعمليّ والتربويّ الأخلاقيّ ؛ ولهذا فهو عمليّة تغيير بطيئة، ولا تأتي ثمارها بين ليلة وضحاها.
والإصلاح هو أداة، أو آلية لتنقية السياسة من الأهواء والمزاجيّة، وتصفية القضاء من المحسوبيّة والظلم، وتهذيب المؤسّسات العامّة من الفاسدين المخرّبين والتنابلة والخاملين.
وسؤالنا الأهم: هل يمكن إصلاح الأوضاع العراقيّة الحاليّة، كمرحلة أولى لحين توفّر الظروف الموضوعيّة للتغيير، أم يجب التركيز على التغيير الشامل فقط؟
وهل الإصلاح يركّز على إصلاح الدولة، أم الأفراد؟
أتصور أن قضيّة الإصلاح ليست مستحيلة، رغم الواقع السياسيّ الشائك، ويمكننا عبر خطّة (الإصلاح الشعبيّ)، دون النظر لشكل نظام الحكم القائم، أن نحقّق هذا الهدف النبيل، لأنّه مطلب إنسانيّ عامّ، ولو كان من المفترض أن تتبنّى (الدولة) تطبيقه، لكن، وفي ضوء الحالة العراقيّة غير الصحّيّة، يمكن أن تكون هنالك حملة شعبيّة إصلاحيّة، وخطّة توازن بين إصلاح الأفراد، وإصلاح مؤسّسات الدولة عبر غالبيّة الموظّفين والمواطنين، وكلّ من موقعه.
وأقصد بـ(الإصلاح الشعبيّ) دور عموم الشعب، بعيداً عن الواجهات الرسميّة، في خطّة الإصلاح.
والإصلاح المنشود بحاجة إلى دراسة الواقع بدقة، وتقييمه بحياديّة، وتحديد نقاط القوّة والضعف في المنظومة السياسيّة وفئات المجتمع، ولهذا يمكن الوصول إلى الإصلاح، مع الاحتفاظ بالمبادئ الأصيلة، عبر الوسائل الآتية:
الرغبة الجادّة في التغيير، وضرورة التخطيط للإصلاح عبر خطّة عمل يتمّ الاتّفاق عليها بين بعض الشخصيّات النخبويّة الحالمة بالتغيير.
تغذية المظاهرات السلميّة ورفض الأساليب الحادّة.
التركيز على دور المدارس والجامعات في الإصلاح.
حثّ علماء الدين (الأنقياء) من كلّ الأديان والمذاهب على ترشيد الفكرة ودعمها!
مناشدة وسائل الإعلام المختلفة، وبالذات الإعلام الشعبيّ، لمدّ يد العون لهذا المشروع الداعم للتعايش المجتمعيّ.
الاستعانة برؤساء العشائر والشيوخ والوجهاء في المجتمع، ومجالسهم الخاصّة في التشجيع على هذا العمل الوطنيّ!
التركيز على الشخصيّات المؤثّرة في مواقع التواصل الاجتماعيّ.
التنسيق مع النقابات الحقوقيّة والتعليميّة والمهنيّة وغيرها.
الترتيب مع الضبّاط والمراتب الوطنيّين في الوحدات العسكريّة والأمنيّة كافّة، دون العمل على إحراجهم بأمور أكبر من إمكانياتهم.
وبالمحصّلة يمكن لغالبيّة هذه القوى الفاعلة التركيز لتحقيق الأهداف الآتية:
توضيح خطورة القوى السياسيّة (والثقافيّة والدينيّة) الناشرة للكراهية بين المواطنين على مستقبل العراق.
تجريم الدعوات الطائفيّة، ورفض الخطابات المؤدّية للخلاف والتناحر والتأزّم.
تشجيع محاولات حصر السلاح بيد الدولة، وتحجيم دور الفصائل المسلّحة الخارجة عن القانون.
محاربة الفساد الماليّ والإداريّ وتثقيف المجتمع على خطورته.
رفض سياسات تكميم الأفواه وتكبيل الحرّيّات!
نشر ثقافة الإصلاح والتسامح عند المقدرة!
هذه الخطوات وغيرها يمكن أن تساهم في خطّة الإصلاح الوطنيّ!
وفي كلّ الأحوال فإنّ الإصلاح له دعائم موجودة أصلاً في المجتمع العراقيّ، ومنها الدين الإسلاميّ (وبقيّة الأديان) التي تحثّ على العفو والمسامحة والصلح، وكذلك الأخلاق النقيّة، وحبّ السلام والتعايش بين عموم المواطنين!
إنّ دعاة الطائفيّة، والذين يغذّون النفس الطائفيّ بكافّة الوسائل المرئيّة والمقروءة والمسموعة هم مخرّبون لمشروع الإصلاح، والواجب الأخلاقيّ والوطنيّ والإنسانيّ يحتم على الجميع أن يتساموا على الخطاب المبتذل، وإن كان بأغلفة مذهبيّة، أو وطنيّة، أو حتّى أخلاقيّة، لأنّ تغذية التناحر هو أحد أوجه الإرهاب، والخراب القاتلة للوطن والمجتمع!
الإصلاح التدريجيّ هو بداية التغيير الشامل الذي لم يحن موعده في العراق بعد وذلك لعوامل دوليّة وإقليميّة، ولهذا من الأفضل العمل على التغيير التدريجيّ والمتمثّل بالإصلاح، وهذا المشروع ليس لمصلحة أيّ حكومة، أو طرف سياسيّ، وإنّما هو خطوة إنقاذيّة تدريجيّة من أجل مستقبل العراق وشعبه، وللقضاء على الظلم والاضطهاد والفساد!
لنعمل جميعاً من أجل إصلاح حال البلاد كلّ من موقعه، ولنرتقِ بالوطن خطوة تلو أخرى حتّى نصل لمرحلة التغيير الشامل المُرتقب!
@dr_jasemj67