يتصبب عرقا هذا الحصان لطول جريه في برية تبخل بالظل والماء.يكابد الشاعر ,ولعمق هذه المكابدة تتعرق الروح,وهذا التعرق في حقيقته مرايا تعكس هواجس الشاعر ومعاناته وهو يغذ الخطى في متعرجات عالمه المتموج..تعرق الشاعر /مراياه تولجنا في مفاصل ليس من السهل عبورها ,لتميزها بالغرائبية ومجانسة اللامتشابه,لتنج صورا محدثة تجبر المتلقي على اعمال الفكر ومناقشة الذات اذ انها لا تسلم نفسها بسهولة لغرابتها وسحريتها وتمردها..
يرى الدكتور كريم حسن اللامي في مقالة له عن الديوان نشرتها صحيفة (المشرق في 18-8-2013)بعنوان (شعرية الصورة في ديوان (ما يختصره الكحل يتوسع فيه الزبيب)ان الشاعر يغني صوره باساليب عدة أهمها:
تناول المدركات
التشبيه
الأستعارة
الرمزبأشكاله المختلفة
الوصف المباشر
وها نحن وحيدون في غابة الصورهذه,اذ لا ثريا نستعين بها على ما هو قادم,فنظل نتقافز بين صور وتشابيهات واستعارات ورموز لم نألفها في الشعر من قبل..
يتوزع النص في ستة مفاصل,الأول يحيلنا الى الغزاة والحروب ومدى تشويهها للأشياء والإنسان.غير ان الشاعر يتحدى جبروتها:
أبصرت حلمي في تاج النخلة
ذهبا يتقوس في عرجون
يقرأه الطير..
يواجهنا المفصل الثاني بسيل من الأسئلة المرة التي لا تحتاج جوابا ,فجوابها الموجع في مضمونها فهي مستنكرة ,مقررة:
من هرب شعرية الأرصفة
الخراب يغتسل بثرواتنا
:نخاس النفط
:نخاس القمم البيض وسهوب السواد
يكمل هذا المفصل ما سبقه اذ يزحف الخراب ليغطي الأمهات والأولاد والبنات:
لبناتنا الميش الرباني
وغياب الأناقة
ثمة خاتمة في هذا المفصل هي نوع من التلاعب البلاغي في المفردات تزيد نا شعورا بالأسى
لماذا نموت كثيرا
لماذا كثيرا نموت
وهي بعد تحيلنا الى المرجعية التراثية والاستعانة باساليبها البلاغية لتؤكد الوجع الشاعري..
المفصل الرابع يعود بالشاعر الى ذاته ,هذه الذات المطمئنة المتفائلة المتحدية..يصدح ترافقه أوركستراالأمل والانبعاث:
أيامي خصلات من فضة فوق جبين وضاء
صفيري كوب من كحل وزبيب
مكاني صيف من ورد الجوري
طيوري شمس شتوية
هذا المقطع يطالبنا بالتوقف لنتأمل صور الشاعر وما فيها من جدة وجمال وغموض,فمقداد مسعود يلجأ الى الصور المستفزة العميقة الغور,وهو بذلك يدفع المتلقي الى غابة من الصور الشعرية الغامضة والممتع ان جمالها يكمن في غرابتها!
لقد سبق للشاعر ان تحدث عن السخرية في الشعر وذلك في كتابه النقدي الرائع(من الاشرعة يتدفق النهر)حيث يقررانها((ممحاة صنعها تراكم التجربة الإنسانية وذات ملامح سريالية لذيذة))فلنستمع للسريالي الساخر مترنما:
نكاية بسخام الفوانيس
وحوت السماء
سأربي قمرا في مياهي
وأطلقه قنابر تنويرفي حالكات الذئاب
لأسلق الأيام النيئة كالبيضة
في مفصل التص الأخير نجد الشاعر يخلق منلوجا بينه وبين الذات,تتنازعه الدمعة والابتسامة والحزن والفرح بعيدا عن الحزن والقنوط:
هي العزلة..
لا جسر لدي سواها
———
لحظتها كان المتماوج يدرب الريح..على
بلل أزرق
لتمشط شعر البلبل والعصفور..
——
يا مقداد
أيها المعتزلي الاخير
——-
اطرق هذا الباب
———–
لتحل البركة
في حنجرة الديك
ومروحة الطاووس
———-
يقظتي ..منقوعة بمياه عتيقة
وبضوء القمرمثل بزر(البلنكو)
وهذا المقطع من اروع الصور التي تزاوج المادي بالمعنوي,ثمة احالة على الموروث الشعبي في لفظة(البلنكو).انه غناء العزلة يموسقه الشاعر بصور متجددة,مستعينا بثقافته وحفره في الكتب..
ناحلة مثل وجوه الرهبان
عزلتي
لها حكمة الكستناء
عزلتي
طراوة سمكة في ماء لين
تمشي على راحتيها فالعالم بالمقلوب….
ينهي مقداد نصه بخطاب مباشر يوجهه الى ذاته والى العالم النقي الذي يفتديه:
أمد ثريا السماوات..سماط عشاء
لأخوتي ورفاقي
صحبتي وسراجي