فرنسا تزيد الخناق على المسلمين .. “باريس” تتعامل بعقلية أمنية قديمة تزيد من اللاعدالة !

فرنسا تزيد الخناق على المسلمين .. “باريس” تتعامل بعقلية أمنية قديمة تزيد من اللاعدالة !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

يبدو أن “فرنسا” باتت على موعد مع محاربة الإسلام السياسي بكافة أشكاله وبخطوات متوازية لتحكم قبضتها بشكل أكثر صرامة؛ لتتمكن من إنجاح حملتها التي قادتها، في الربع الأخير من العام الماضي، والتي كانت بمثابة الضوء الأخضر لـ”أوروبا” لمواجهة تلك الظاهرة، فمؤخرًا وافقت لجنة خاصة في “الجمعية الوطنية الفرنسية”، (البرلمان)، على مشروع قانون: “مباديء تعزيز احترام قيم الجمهورية”، المثير للجدل، والذي جرى التعريف به لأول مرة باسم: “مكافحة الإسلام الانفصالي”.

وأعلن وزير الداخلية الفرنسي، “غيرالد دارمانان”، في تغريدة عبر حسابه، مساء السبت الماضي، أن لجنة خاصة في “الجمعية الوطنية” أعتمدت مشروع القانون: “الذي يهدف إلى ترسيخ مباديء الجمهورية”، حسب وصفه، وذلك بتأييد واسع.

وقال إن: “مشروع القانون، الذي يهدف إلى تعزيز مباديء الجمهورية، نال قبولاً واسعًا من اللجنة الخاصة”، في الجمعية الوطنية، (البرلمان).

وأضاف: “نحن نصنع قانونًا للمستقبل، وليس فقط للرد على تحديات اليوم، بهدف الدفاع عن قيم الجمهورية”.

وأشار إلى أن تيارات اليمين واليسار المتطرف المتصاعدة في البلاد باتت تُشكل تهديدًا أيضًا.

يضع المسلمين تحت الحصار !

مشروع القانون يواجه انتقادات من قبيل أنه يستهدف المسلمين في “فرنسا”؛ ويكاد يفرض قيودًا على كافة مناحي حياتهم، ويسعى لإظهار بعض الأمور التي تقع بشكل نادر، وكأنها مشكلة مزمنة.

وينص على فرض رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين.

كما يفرض قيودًا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل، في البلاد التي يحظر فيها إرتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي.

ويحظر مشروع القانون على المرضى اختيار الأطباء وفق جنسهم، لاعتبارات دينية أو غيرها، كما يجعل “التثقيف العلماني” إلزاميًا لكافة موظفي القطاع العام.

ومن المنتظر عرض مشروع القانون على “الجمعية الوطنية”، في شباط/فبراير المقبل.

وفي 2 تشرين أول/أكتوبر الماضي، جرى التعريف بمشروع القانون من قبل الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، تحت اسم: “مكافحة الإسلام الانفصالي”، وجرى تغيير اسمه لاحقًا إلى: “مباديء تعزيز احترام قيم الجمهورية”، نتيجة اعتراضات.

تحركات الرئيس الفرنسي الأخيرة؛ تأتي في وقت يعيش فيه مسلمو “فرنسا” حالة من الشعور بالاستهداف والإهانة، بعد أن صار أعلى هرم الدولة يستهدفهم بشكل مباشر، مستغلاً مشروعه الفضفاض الذي يريد به مواجهة “الإنعزالية أو الانفصالية الإسلامية”، على حد تعبيره، غير أن معاناتهم تسبق ذلك بكثير، وتأخذ أبعادًا مختلفة تتأرجح بين الاجتماعي والاقتصادي.

وتُعدّ “فرنسا” من أكبر الدول الأوروبية، من حيث حجم الجالية المسلمة، فحتى منتصف 2016، كان يعيش نحو 5.7 مليون مسلم في “فرنسا”، بما يشكّل نسبة 8.8% من مجموع السكان، فيما تقف هذه النسبة في مجموع “الاتحاد الأوروبي”، في حدود 4.9%، مع توقعات بأن ترتفع إلى 11.2%، بحلول عام 2050، حسب إحصائيات مركز (بيو) للأبحاث.

أزمة بسبب ميثاق مباديء تنظيم شؤون المسلمين..

وفي سياق موازٍ، تعيش الجمعيات الإسلامية أزمة بسبب ميثاق مباديء تنظيم شؤون المسلمين في “فرنسا”، فبعد أسبوع من توقيع 6 جمعيات إسلامية من أصل 9 عليه، أعلنت الجمعيات الثلاثة الأخيرة رفضها التوقيع باعتبار أن بعض البنود: “تضعف أواصر الثقة بين مسلمي فرنسا وأمتها”.

التوقيع جاء بعد أزمة حادة بين أئمة المساجد والجمعيات الممثلة للمسلمين استمرت أسابيع، أعلن بعدها رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المغربي، “محمد موسوي”، عن اتفاق يُلتزم بما أسماه: “توافق الدين الإسلامي مع “العلمانية” و”المساواة بين الرجل والمرأة” ورفض “توظيف الإسلام لأغراض سياسية”.

إسلام دمج العلمانية مع الجمهورية موجود..

وفي تصريح لـ (سكاي نيوز عربية)، تؤكد “مسلمة الشهال”، وهي معدة دراسة للماجستير بشأن الإسلام الفرنسي، في جامعة “آكس أن بروفونس”؛ أن متابعتها عن كثب للقضية، خلال بحثها ومقابلاتها التي أجرتها مع شبان مسلمين متدينين من الجيل الثالث، جعلتها توقن أن الإسلام الذي تبحث عنه “فرنسا” لدمج أنماطه بالعلمانية وقيم الجمهورية؛ هو في الأصل حصل من خلال هذا الجيل، الذين ينتمون إلى “فرنسا” دون أن يتمايزوا بكونهم من أصول عربية.

مضيفة إنهم: “يعيشون إسلامًا بأنماط محدثة، تتشابه مع واقعهم وواقع بلدهم الفرنسي، من دون الحاجة إلى فتاوى أو مواثيق”.

فرنسا تتعامل بعقلية قديمة مع جيل جديد !

وتوضح “الشهال”؛ أن الدولة الفرنسية تتعاطى مع جيل آخر بعقلية قديمة في كيفية تنظيم شؤون الجالية المسلمة في “فرنسا”، وهم جيل إما ولد خارج “فرنسا” أو بطبيعة الحال مرتبط بالسفارات الأجنبية، مشيرة إلى أن: “تناقضًا يحصل من جهة اعتبار التدخل الخارجي بشؤون المسلمين محظورًا في بنود الميثاق، وبالمقابل فإن ممثلي السفارات التي تحاورهم الدولة الفرنسية، منذ البداية، باعتبارهم ممثلين وحيدين عن الجالية المسلمة، هم تابعين لدول أجنبية”.

تستخدم المقاربات الأمنية..

وتفسر “الشهال”؛ أن: “المقاربة المستخدمة، منذ عام 1905، من قبل الحكومات الفرنسية وسلطاتها مع الجالية المسلمة هي مقاربة أمنية”.

وتابعت: “أن ذلك يظهر جليًا من خلال تكليف وزير الداخلية على الدوام بالإمساك بهذا الملف، وفيها على الدوام تذكير بقضية الإرهاب والإسلاموية، وصولاً إلى المرحلة الجديدة في عهد ماكرون، التي أوصلت إلى شبه اتفاق من خلال ممثلين لجمعيات دينية، سمي بالميثاق الخاص بمباديء الإسلام، وهو ما جعل لأول مرة تدخلاً بالشق الفقهي الذي أريد منه أن يكون إسلامًا فقهيًا فرنسيًا، أي إسلامًا علمانيًا”.

وتطرح “الشهال” مثالاً على ذلك؛ وهو إمام بوردو، “طارق أوبرو”، الذي يقدم مشروعًا سياسيًا وفقهيًا يعبر عن هذا الإسلام الفرنسي الذي تريده الدولة الفرنسية لرعاياها المسلمين.

سياسات قمعية تؤسس لمزيد من اللاعدالة..

وتقول “الشهال”: “هذه المقاربة الأمنية، وبشكل غير مباشر للملف، تؤدي إلى سياسات قمعية من شأنها أن تؤسس لمزيد من اللاعدالة، فمشكلة الجالية المسلمة لا تقوم على كيفية فهمها لإسلامها أو إندماجها في المجتمع الفرنسي بسبب الإسلام، بل سببه التهميش الحاصل والطبقية والعزل، وهي برمتها مسائل اجتماعية واقتصادية، ومن المجدي أن تصب الحكومة جهودها لحل هذه المسائل”.

يحارب التقاليد الاجتماعية..

وكان رئيس أئمة مساجد منطقة “الرون”، “كامل قبطان”، قد أعلن، منذ أيام، اعتراضه الشديد على البيان الموقع.

وأشار في تصريحات له؛ أن البيان يحارب: “تقاليد اجتماعية أكثر من كونها شعائر دينية”، موضحًا أن هذه السلوكيات الذكورية التي يحاربها البيان، لا تمثل: “إلا أقلية من المسلمين”.

وقال مصدر، رفض ذكر اسمه؛ أن: “الخطوة برأيه: لا تغير الإسلام؛ بل في طريقة إنتهاجه فرنسيًا، باعتبار قيم الجمهورية عليها أن تتواصل وتتصل مع ممارسات المسلمين”.

وأوضح أن معظم مسلمي “فرنسا” هم مسلمون علمانيون، وبالتالي فإن الأقلية التي يعممها الإعلام الفرنسي ويضخمها اليوم؛ بأنها “الإسلام المتشدد؛ هي أقلية غير مرئية. مشكلة فرنسا ليست مع الإسلام ولا مع المسلمين، بل في السياسات الاجتماعية التي تنتهجها. هناك على ماكرون أن ينظر”.

مزيد من الاستبعاد للمسلمين..

من جهتها، ترى “ياسمين هاجر”، الباحثة في حقوق الإنسان، أن: “فرنسا عبر السنين، لا تقبل بالديمقراطية والحقوق؛ إلا بما يتماشى مع مبادئها هي”، موضحة أنه: “اليوم عبر هذه الخطوة التي تقوم بها الدولة الفرنسية، هناك طريقة تفرض على من يخالفها سلميًا الرأي والشكل والملبس والمعتقد”.

وسألت: “ما معنى إسلام فرنسي يريده ماكرون ؟.. هل تعني ضمنيًا إما يكون الإسلام الذي يتبعه عامة المسلمين في فرنسا يتماشى مع أساس الجمهورية اللائكية أو لا يكون ؟، لا تشجع هذه الخطوة إلا على مزيد من استبعاد المسلمين من الجو العام”.

لافتة إلى أنه: “بإمكانهم تدريب الأئمة ورجال الدين على إضفاء معاني الديمقراطية والحقوق على خطابهم الإسلامي، لكن يجب أن يتم بحذر لكي لا يحد من حرية التعبير والمعتقد عند أولئك الأئمة وعموم المسلمين”.

وأشارت إلى أن: “العلمانية بشكلها السياسي، تتحلى بالديمقراطية التعددية بفصل الدين عن مؤسسات الدولة وقوانينها، لكنها لا تعني حتمًا التحكم بمعتقدات الأشخاص الفردية وما يؤمنون به بشكل فردي لا يضر أو يهدد المجتمع، فحرية المعتقد لها ضمانة أساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويجب ليس فقط حمايتها، بل ضمانها لكل المواطنين”.

نقاط الخلاف..

وتمثلت نقاط الخلاف بين ممثلي “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” بمهمة الأئمة والعلاقة المفترضة بين قيم الجمهورية الفرنسية والديانة الإسلامية، إضافة إلى المساواة بين الرجال والنساء وحرية المعتقد والرأي والإسلام السياسي، والجمعيتان الأبرز اللتان رفضتا التوقيع، هما تركيتان، إحداهما مقربة من، “رجب طيب إردوغان”.

ويمهد الميثاق الطريق لإنشاء “مجلس وطني للأئمة”؛ ستكون مهمته الإشراف على الأئمة في “فرنسا”، ولديه صلاحيات لسحب التراخيص الممنوحة لهم في حال خرقهم لمباديء الميثاق.

ويشير الميثاق إلى أن: “الأعمال المعادية للمسلمين في فرنسا ولرموز عقيدتهم، هي من عمل أقلية متطرفة لا ينبغي الخلط بينها وبين الدولة أو الشعب الفرنسي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة