17 نوفمبر، 2024 5:44 م
Search
Close this search box.

دجاج .. ذبح وتنظيف

دجاج .. ذبح وتنظيف

في العراق ومنذ حصار التسعينات تغيرت الذائقة في الكثير من مناحي الحياة بشكل غريب وأصبحت كل الطرق تؤدي إلى( المعدة ) ففي الشعر ..
( بعت نهج البلاغة واشتريت طحين )
وفي الاغاني ..
( قصتي قصة حزينه .. ماتختمر هاي العجينه )
وفي الكساد ..
( الطركه تون ياعتاكه .. والسيد ظل بمسواكه )
وفي تعدد الخسارات ..
( يا انباري .. كافي بواري )
وبمرور الايام بدأت تتبلور في العراق طبقات ومهن لم يعرفها المجتمع سابقا وكانت أولى هذه الطبقات ( العتاكه ) الذين انتشروا مثل الفرق الجوالة بين مدن الفقراء التي اتعبها الحصار وبين مدن الأغنياء التي اتخمها الحصار نفسه وكانت جل بضاعتهم عتيق مدن الأغنياء المتمثل ب ( الطركات ) و الملابس البالية وبقايا طعامهم وما يرمونه في نفاياتهم ليتم تدويره في مدن الفقراء وإعادة استعماله وتحولت مدن الفقراء إلى( كور ) لصناعة الفافون ومعامل لصناعة ( المصاص ) وراجت صناعة الأحذية المطاطية ( الجوبلس ) وتحول أبناء الفقراء إلى رواد ومكتشفين عن كل ما يمكن شراؤه وإعادة تدويره وبيعه في المدن البعيدة كالقائم والرطبة وغيرها من المدن القصية التي لم تكن مدرجة على خارطة التفكير ولم ينتهي هذا الحراك إلا بسقوط بطل التجويع اليومي وانهيار نظامه تحت مطرقة الدبابة الأمريكية لتبدأ بعدها رحلة اللطم والبكاء والنعي وتابين من قتلهم النظام والقائد الضرورة وتجمع الشباب والشيوخ على شكل مواكب وصدحت ..
( وينه الحاربك وينه )
و ..
( عبعوب البطل مامات والماتو العفطيه )
وتنفس الفقراء الصعداء وهم يعيشون فترة التوارث بين نظام ظالم انهار تحت بساطيل الجنود الامريكان وبين نظام لم تظهر ملامحه بعد إذ قاموا بسلب كل ما وصلت له ايديهم من حطام الدولة المنهارة وسط مباركة المحتل وتشجيع رجال العهد الجديد وتسابق الفضائيات العالمية لتصوير العراقيين وهم ينقضون على بقايا دولة اشبعتهم جوعا وحرمانا وموتا وفقرا وامتدت هذه الفترة حتى تشكيل مجلس الحكم الذي تعاقب على النزو على كرسيه رؤساء لايمتون للرئاسة بصلة أو معرفة وأصبحت الألقاب تتغير حسب لقب الرئيس الذي لا تتجاوز رئاسته الشهر ومن الفوضى العامة إلى ديمقراطية الفوضى وصولا إلى صراع كبار اللصوص والفاسدين وسيطرتهم على موارد الدولة وسرقتها حتى اوصلوا الشعب إلى مرحلة الفقر والجوع حد العوز وحصار من نوع جديد محمي بالملثمين والكواتم ومراكز النفوذ فركض العراقيين بماراثون الجوع الجديد واغفلوا صلاة الفجر وفقدوا خشوعهم للتلاوة صباحا واعرضوا عن سماع صوت فيروز و.. ( الحلوه تعجن ف الفجريه ) وملئوا الازقة والشوارع والدروب في الأحياء الفقيرة والغنية وهم يدفعون عربات من الخشب أو يركبون (الكيات) أو ممتطين ظهور ( الستوتات ) أو يقودون (التكاتك ) وهم يعلنون عن بضاعتهم .. ( طماطه .. بتيتا .. باذنجان.. بصل أخضر بصل ٣ بالف ) و ( دجاج ذبح وتنظيف بخمسه ) أو( ماطورات .. ثلاجات .. غسالات .. طحين .. شكر .. دهن .. غراض عتيكه للبيع ) و ( زاهي .. زاهي دبه بالف ونص ) و ( نفط ع البطاقه ) و ( مي ارو ) وغيرها وعلى مدار اليوم الفقير يمارس الغناء من خلال عرض بضاعته ورياضة المشي من خلال دورانه في الازقة من ( طكة البريج ) إلى أن ( يعوعي ديج الزعلانه ) ومن يرجع للبيت ( يلكا العشا خباز ) ابو الدكتاتورية على ابو الديمقراطيه لا ابو كل الحرامية .

أحدث المقالات