كتاب عبر جدار النار؛ لوحة رسمتها الكاتبة بحروف موجعة لما مر به العراق وفلسطين، منذ اكثر من ثلاث عقود في الذي يخص العراق. ومنذ اكثر من سبعة عقود في الذي يعاني الشعب الفلسطيني منه، والذي هو الى الآن يعاني من التشريد والشتات والظلم والقسوة والشراسة الاسرائيلية التي يمثلها الاحتلال الاسرائيلي. يتناول الكتاب ما مر على الشعب العراقي بعد عاصفة الصحراء من قسوة وظلم وحرمان وجوع وتفشي الامراض كنتيجة لانهيار المنظومة الصحية، بسبب العقوبات والحصار الذي تعرض له العراق واستمر الى ما يقارب ال 13عاما. هذه المنظومة، تصفها الكاتبة؛ كانت قبل الحصار من ارقى المنظومات الصحية في المنطقة. في الكتاب تبين الكاتبة كيف ان الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كانتا تحاولان بشتى الطرق والوسائل تشديد هذا الحصار، ومحاربة جميع المنظمات الانسانية التي تريد ايصال المساعدات وبالذات الطبية الى العراق. يموت الاطفال وكبار السن وممن كان قد ابتلي بالأمراض المزمنة بسبب النقص الحاد في الدواء والاجهزة الطبية. الامير صدر الدين حاول هو والكاتبة وزوجها وعدد من الامريكيين من اكاديميين وناشطين في مجال حقوق الانسان، من يسار اليسار الامريكي، من الذين يملكون ضمائر حية، وحس راق بالعدالة وقسوة الظلم؛ ايجاد منصات ووسائل ووسائط، لتقديم المساعدة، لكن جميعها جوبهت بالعرقلة مرة ومرة اخرى بالرفض من قبل مجلس الامن الدولي، ومن الطبيعي بضغط امريكي حين كانت امريكا وقتها تتحكم بهذا المجلس. وكعقوبة للأمير صدر الدين؛ قامت امريكا بشطب اسمه من قائمة الذين تقدموا للترشح لشغل مقعد الامين العام للأمم المتحدة. توضح الكاتبة التي تمتع بضمير انساني حي، وحس قوي جدا للعدالة ورفض الظلم: ان امريكا كانت تخطط الى تنفيذ استراتيجية كونية، كان العراق هو السلم الاول لها، صعودا الى مبسط السلم ومن ثم الى السطح الذي تشرف امريكا من عليه على العالم كله ضمن مخطط جعل القرن الحادي والعشرين قرنا امريكيا حسب رؤية المحافظون الجدد. وهذا هو سبب الحصار على الرغم من تأكد امريكا من ان العراق خال تماما من اسلحة الدمار الشامل وكل ما قيل بخلاف هذا ما هو الا كذب وخداع للرأي العام الامريكي والعالمي. لذا قامتا امريكا والمملكة المتحدة باخذ الشعب العراقي رهينة لتنفيذ هذا المخطط؛ بحرمانه من حقه في الحياة والعيش بكرامة باستثمار ثرواته، الذي تحفظها له القوانين الدولية وحقوق الانسان. لكنها اي امريكا والمملكة المتحدة قامتا؛ بتشديد طوق الحصار وتحطيم جميع البنى التحتية، ومن ثم وبالنتيجة تحطيم روح المقاومة عند الشعب، وزرع اليأس والاحباط في النفوس، وتشويش العقول بأعلام واسع جدا وممنهج؛ لكسر الإرادة. رافق كل هذا قصف مستمر على مواقع الدفاع الجوي، كان من ابرزها ما قام به كلنتون من قصف استمر لأربعة ايام متواصلة؛ استهدف فيها حصرا؛ مواقع الدفاعات الجوية؛ لتجريد العراق من اي قوة في مواجهة الغزو الذي جاء بعد سنوات. تقول الكاتبة في الكتاب ان العملية برمتها هي جزء مهم من مخطط كوني امريكي لإعادة رسم خارطة المنطقة العربية، بعقل جغراسي( الجغرافية السياسية) ما كان لها ان تنجح او يكتب لها النجاح كما هي عليه الان، المنطقة العربية من فوضى واضطراب لو لم يكسر حاجز او جدار الصد العراقي. عندما سئلت مادلين اولبرايت؛ هل موت اكثر من مليون ونصف المليون، طفل وانسان عراقي، يستحق هذا الثمن؛ اجابت فورا؛ نعم يستحق هذا الثمن. تصف الكاتبة المأساة التي تعرض لها الشعب من خلال مشاهداتها لمواقع الكارثة في المدن والقرى التي زارتها بالإضافة الى العاصمة بغداد بانها كارثة انسانية تحدث في كل ساعة وكل يوم على مدار ال 13عاما التي مرت على هذا الشعب. كل هذا من اجل تنفيذ ما في اروقة الامبريالية الامريكية وتابعتها بريطانيا؛ من خطط للسيطرة على الاوطان العربية. عطلت امريكا جميع محاولات ايجاد حل للغزو العراقي لدولة الكويت، بالضغط على الدول العربية وبالذات مصر، فيما كان العراق، يبدي كامل الاستعداد للانسحاب من الكويت، ولكن كان يريد ضمانة دولية؛ من ان امريكا لا تقوم بمهاجمته؛ توضح الكاتبة ملابسات هذه الاوضاع المشتبكة في وضع دولي ضبابي كان الاعلام الامريكي والغربي يلعب دورا كبيرا في التعتيم على المواقف ومن اهمها الموقف العراقي.. بكل تأكيد ان العراق ارتكب خطيئة الغزو، لكن هذا، لم يكن مجردا من ظرفه وبيئته السياسية، سواء العربية منها او الاقليمية او الدولية؛ في مقدمة هذه البيئة الدولية والاقليمية والعربية؛ هي الاستراتيجية الامريكية التي كانت قد وضعت او وضعها المحافظون الجدد على طاولة انتظار التنفيذ او العمل بها ولو بعد حين، لم يكن حينا طويلا في ذلك الوقت. تقول الكاتبة ان العراق كان قد وقع في الفخ الذي نُصب له؛ عندما صدق ما قالته السفيرة الامريكية؛ من ان امريكا لا تتدخل في خلافات الحدود بين الدول العربية. نعتقد نحن هنا بخلاف ذلك، بالاستناد على مخرجات الحقائق الموضوعية حين يتم فصحها بعقل حيادي ومنصف وعادل؛ يتوصل الى نتيجة مفادها، ان الامور لم تكن تجري على هذا المسار، بل ان مسارها مختلف بصورة كاملة عن هذا المسار، ان الامور جميعها قد تم التهيئة والاعداد لها من قبل امريكا، بصرف النظر عن ما قالته غلاسبي، السفيرة الامريكية، لرأس النظام العراقي. العراق ارتكب خطيئة كبيرة بل هي وفي جميع المقاييس، خطيئة كل الخطايا؛ عندما تصور العراق، من الحركة الاستباقية، وخلط اوراق اللعبة؛ سوف تقود الى حل عربي يتضمن اتفاقات محددة تقطع الطريق على المخطط الامريكي للعراق. غاب عن رأس النظام العراقي أو هو من غيب عنه؛ (الذي يدري ويعرف اكثر من غيره؛ ما في دروب وشعاب مكة) من ان جل الانظمة العربية هي انظمة تابعة للإرادة الامريكية وتأتمر بأمرها، ولا يمكنها ان ترفض لها خطة.. بالابتناء على اتفاق المباديء لمجلس التعاون العربي الذي ضم اليمن والعراق ومصر والاردن، وما سينتج عنها من مواقف، لكن هذه المواقف وهنا نقصد الموقف المصري كان صادما للعراق، في وقت كان فيه الرجوع بلا ضمانة دولية يشكل انتحارا بلا مقاومة. تورد الكاتبة ومن ضمن ما تورد في كتابها عبر جدار النار؛ ما قاله بيكر لطارق عزيز؛ سنعود بكم لعصر ما قبل الصناعة. تبين الكاتبة من هذا المدخل ان امريكا والمملكة المتحدة؛ كانتا تخططان وتريدان تدمير العراق كدولة وتحطيم جميع مرتكزات الدولة وليس اخراج القوات العراقية من أمارة الكويت. ان خطة التدمير هذه؛ تؤكد ان الامر مبيت، في خطة محكمة التنفيذ؛ لتحقيق استراتيجية كونية امريكية، من اهمها اخراج العراق من المعادلة الاقليمية، ومن معادلة الصراع العربي الاسرائيلي، كقوة اقليمية كبرى وكلاعب اقليمي عربي مهم وله ثقله العسكري والسياسي والاقتصادي، وهذا هو ما قد كان وحصل في غزو واحتلال العراق في 2003 ؛ تمهيدا لما هو حاصل في الوقت الحاضر من تردي عربي غير مسبوق.. ومن ثم، قبل عام 2003، في التسعينات، وبعد ان تم احكام طوق الحصار والعزلة على العراق الذي مهد الطريق كما اسلفنا القول فيه؛ لتدميره كليا؛ جاءت الاحداث لتدخل فلسطين في حلبة الصراع اي الصراع في اوهام الحلول التي انتجت اتفاقات اوسلوا. لقد استبشر الشعب الفلسطيني خيرا في هذه الاتفاقات التي كان من ضمنها بل من اهمها هو تحقيق دولة فلسطين على ارض الواقع؛ بمشاريع اقتصادية واعدة وبنى تحتية، بتخصيصات بلغت المليارات. لكن اي منها لم تتحقق وظلت حبرا على الورق الى يومنا هذا، توضح الكاتبة. بل ان ما جرى لاحقا هو بالضد تماما من بنود اوسلوا. والامر والادهى ان الاحتلال الاسرائيلي هو من استفاد فائدة كبيرة من هذه الاتفاقات. فقد حوصر الفلسطينيين في بقايا الضفة الغربية وغزة، ويتعرض، يكاد يكون، يوميا للقتل والاعتقال التعسفي ومصادرة الارض كي يتم عليها بناء المستوطنات الجديدة، التي انتشرت كما الفطر في الضفة الغربية. كان من نتيجتها تجدد الانتفاضة التي استمرت لسنوات ومن ثم يتم اخمادها. في المقابل تخلص الاحتلال الاسرائيلي من ثقل وكلفة ادارتها، فقد اوكل هذه المهمة الى السلطة الفلسطينية. انما الامن ظل تحت اشراف الاحتلال الاسرائيلي بالتعاون مع قوى الامن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية. ان نفحص ما كتبته الكاتبة حول اتفاقات اوسلو وما فيها من موارد مالية كبيرة جدا، وخطط طموحة لبناء دولة فلسطين، والتي صارت بعد ما يقارب ثلاثة عقود مجرد اوهام ولا وجود لها على ارض الواقع، كانت مجرد عملية تخدير ممنهج وضمن خطة ربما متفق عليها بين الاحتلال الاسرائيلي والامريكيين، وبين ما يسوق من طموحات للحل النهائي، في الوقت الحاضر اي في ولاية جو بادين؛ والتي يقول البعض عنها من انها سوف تعمل على احياء حوار الحل النهائي اي اقامة دولة فلسطين التي عجزت اتفاقات اوسلو على ايجاد حل لها على الرغم من سنواتها السبعة والعشرين. نعتقد وبكل قناعة ان هذا محض خداع وضحك على العقول. ان تشييد الآمال على سياسة ادارة جو بايدن ما هو الا اعطاء فرصة ووقت جديدين للاحتلال الاسرائيلي بقضم المزيد من اراضي الضفة الغربية، وفي النهاية سوف لن تتحرك قاطرة الحل النهائي اكثر مما هي عليه في الوقت الحالي. هذا اذا فترضنا عدم محاولة امريكا والاحتلال الاسرائيلي بتغيير وجوه المشهد السياسي الفلسطيني بما ينسجم مع الرؤية الاسرائيلية للحل النهائي. بكل تأكيد من انهما لم ولن تنجحا في محاولتيهما ابدا، وتاريخ النضال الفلسطيني شاهدا ومؤكدا لهذه الرؤية.