5 نوفمبر، 2024 12:27 م
Search
Close this search box.

لماذا يُـنسب أبناءُ فاطمة الزهراء(ع) لرسول الله (ص) !؟

لماذا يُـنسب أبناءُ فاطمة الزهراء(ع) لرسول الله (ص) !؟

وتنتقل فاطمة (أمُّ أبيها)عليها السلام الى بيت زوجها المتواضع علي بن ابي طالب عليه السلام سعيدة راضية وتعيش في كنف زوجها قريرة العين سعيدة النفس لا تفارقها البساطة, فهي زوجة علي عليه السلام بطل الاسلام ورجل البطولة والفداء وحامل لواء النصر والجهاد وعليها ان تكون بمستوى هذه المهمة الخطيرة وان تكون لعلي كما كانت امها لرسول الله تشاركه في جهاده وتصبر على قساوة الحياة ومرحلة الدعوة الصعبة التي يتصدر علي طلائعها ببطولة وبسالة.
روي عن الامام عليه السلام في حديث تزويجه بفاطمة قال: ثم صاح بي رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي عليه السلام. فقلت: لبيك يا رسول الله صلى الله عليه وآله, فقال : ادخل بيتك و ألطف بزوجتك وارفق بها فان فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤلمني ما يؤلمها ويسرني ما يسرها. قال علي عليه السلام: فوالله ما اغضبتها ولا اكرهتها على امر حتى قبضها الله عزوجل, ولا اغضبتني ولا عصت لي امرا, ولقد كنت عندما انظر اليها تنكشف عني الهموم والاحزان.
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله ليترك هذا الغرس النبوي دون ان يرعاه ويحتضنه, فمد رسول الله صلى الله عليه وآله رعايته وحاط فاطمة عليها السلام وعلياً بتوجيهه وعنايته حتى انه اذا اراد الخروج في سفر أو غزوة كانت فاطمة عليها السلام آخر انسان يودعه واذا عاد من سفرة من غزوة كان أول انسان يلتقي به هو فاطمة عليها السلام.
فعن ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله اذا سافر آخر عهده اتيان فاطمة عليها السلام واول من يدخل عليه اذا قدم فاطمة عليها السلام.
وتعيش فاطمة عليها السلام في بيتها كربّة بيت, تعتني بشؤون منزلها وتدير حاجاتها بالاعتماد على جهودها.. فلم يكن لديها خدم ولا عبيد فكل حياتها كدح وجهاد.. كانت تطحن الشعير وتدير الرحى بيدها وتصنع اقراص الخبز بنفسها وتكنس البيت وتدبر مستلزمات الاسرة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي يريان ذلك من فاطمة عليها السلام فيشاركانها العناء ويهونان عليها مصاعب الحياة.. بل وكان علي عليه السلام وربما النبي صلى الله عليه وآله يساعدان في أعمال المنزل وتدبير شؤون البيت.
فقد صوّر لنا التاريخ ودوّن كتاب السير والاثر, صورة الحياة العائلية الفريدة التي كانت تعيشها فاطمة عليها السلام مع زوجها وابنائها -اهل بيت النبوة- عليهم السلام تحت ظلال ابيها رسول الله صلى الله عليه وآله, فقد روي انه دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على فاطمة عليها السلام وهي تبكي وتطحن بالرحى وعليها كساء من أجلة الابل, فلما رآها بكى, وقال : يافاطمة تجرعي مرارة الدنيا اليوم لنعيم الاخرة غدا, فقالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله صلى الله عليه وآله، الحمد لله على نعمائه والشكر لله على الآئه.
ودخل النبي صلى الله عليه وآله على فاطمة عليها السلام وهي تطحن مع علي عليه السلام, فقال النبي صلى الله عليه وآله لأيكما اعقب, فقال علي عليه السلام لفاطمة فانها قد اعيت, فقامت فاطمة عليها السلام, فطحن النبي صلى الله عليه وآله مع علي لفاطمة.
وروي عن الامام جعفر الصادق عليه السلام انه: تقاضى علي عليه السلام وفاطمة الى رسول الله صلى الله عليه وآله في الخدمة، فقضى على فاطمة عليها السلام بخدمتها ما دون الباب, وقضىعلى علي عليه السلام بما خلفه, فقالت فاطمة عليها السلام: فلا يعلم ما دخلني من السرور إلا الله باكفائي رسول الله صلى الله عليه وآله تحمّل ارقاب الرجال.
وقد روي : “بينما النبي صلى الله عليه وآله والناس في المسجد ينتظرون بلال ان يأتي فيؤذن اذ أتى بلال فقال له النبي صلى الله عليه وآله ما حبسك يا بلال؟ فقال: اني اجتزت بفاطمة وهي تطحن واضعة الحسن عليه السلام عندها وهو يبكي فقلت لها: ايهما احب اليك, ان شئت كفيتك ابنك وان شئت كفيتك الرحى, فقالت: انا ارفق بابني , فأخذت الرحى فطحنت, فذاك الذي حبسني, فقال النبي صلى الله عليه وآله :رحمتها رحمك الله.
هذه الصورة العائلية واللقطة الفذة من حياة المجتمع الاسلامي والحياة النبوية الكريمة توضح لنا صور الحياة التعاونية وعلاقة الرجل بالمرأة, وعظمة التواضع عند قادة الاسلام وعظماء البشرية فمحمد صلى الله عليه وآله يساعد فاطمة عليها السلام ويعينها على طحن طعامها, وعلي يشاطرها العمل في المنزل.. وبلال يعرض خدماته على فاطمة عليها السلام فيعينها فينجز بعض اعمالها.. انها الصورة المثالية لحياة مجتمع صنعه الاسلام بمبادئه واخلاقه, وانها الصيغة التشريعية لحياة العائلة المثالية في الاسلام ولمكانة المرأة وعلاقتها بالزوج والاسرة في هذه الرسالة الالهية الخالدة.
روت أسماء بنت عميس عن فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله: ان رسول الله صلى الله عليه وآله اتاها يوما, فقال: اين ابناي؟ يعني حسنا وحسينا, قالت: اصبحا وليس في بيتنا شئ نذوقه.
فقال علي عليه السلام :اذهب بهما فاني اتخوف ان يبكيا عليك وليس عندك شئ.
فذهب بهما الى فلان.. فتوجه اليه رسول الله صلى الله عليه وآله فوجدهما يلعبان في مسربة بيد ايدهما فضل من تمر.
فقال: يا علي عليه السلام الا تقلب ابني قبل ان يشتد الحر عليهما؟ فقال علي عليه السلام اصبحنا وليس في بيتنا شئ, فلو جلست يا رسول الله حتى اجمع لفاطمة تمرات.
فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي ينزع لليهودي كل دلو بتمرة -اجرا عليه- حتى اجتمع له شئ من تمر فجعله في حجزته ثم اقبل, فحمل رسول الله صلى الله عليه وآله احدهما وحمل علي عليه السلام الآخر.
هذه صورة من حياة الكدح والصبر على شظف العيش ومعاناة اهل البيت عليهم السلام -علي وفاطمة والحسن والحسين- وهذا رسول الله يشاطرهم تلك الحياة الصعبة, يشاطرهم بروحه واحاسيسه وبجهده واهتمامه..
روي عن علي عليه السلام انه قال: ان فاطمة عليها السلام شكت ماتلقاه من اثر الرحى, فأتى النبي صلى الله عليه وآله سبي. فانطلقت فلم تجده فوجدت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي صلى الله عليه وآله اخبرته عائشة بمجئ فاطمة عليها السلام. فجاء النبي صلى الله عليه وآله الينا وقد اخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم, فقال : على مكانكما, فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري, فقال. ألا اعلمكما خيرا مما سألتماني اذا اخذتما مضاجعكما, فكبرا اربعا وثلاثين وسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين, فهو خير لكم من خادم يخدمكما.
هذا الدرس هو تواضع القيادة في المجتمع الاسلامي وتعودها على ان تعيش بمستوى الطبقات الفقيرة الكادحة في مجتمع المسلمين. ففاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وغيرها من عامة المسلمين سواء, لا فارق بينها وبين غيرها, إلا فارق التقوى وميزة الاخلاص لله, لذا حرص رسول الله صلى الله عليه وآله ان يعلمها درسا في العبادة والتوحيد, ويوجه نظرها الى الارتباط بالله سبحانه وسحب العلائق من عالم الدنيا, كي تكون مثلا في حياتها ومركزها, وقدوة في التواضع وحب العمل.. ورائدة في المساواة والزهد في الحياة.
فأين الاسلام من الترف الفاجر الذي نعلم به ونشاهده اليوم لدى القادة والزعماء..
واين الاسلام من المحسوبية والمنسوبية المتفشية في صفوف الطبقات السائدة..
واين سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله واهل بيته عليه السلام من غطرسة الاغنياء وتبذير المترفين والى جانبهم الجياع والفقراء.
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله:- “.. ان الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب هذا -يعني عليا-“.
وتثمر شجرة النبوة وتلد فاطمة عليها السلام الحسن عليه السلام ثم الحسين عليه السلام فيستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وآله كاستقباله لميلاد فاطمة عليها السلام ويسميهما حسنا وحسينا.. ويحتلان من نفسه موقع الولد الحبيب من قلب ابيه الحنون, وتبدأ هذه العلاقة الابوية والروحية بين رسول الله صلى الله عليه وآله, وبين الحسن عليه السلام والحسين من يوم الميلاد, فهي علاقة النبوة بالامامة, وعلاقة حفظ الشريعة وقيادة الامة -بعد رسول الله صلى الله عليه وآله- بالتبليغ والرسالة, فكانت هذه العلاقة علاقة نسب وروح ومبدأ وهدف, لذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحتضن الحسن عليه السلام والحسين ابني فاطمة عليها السلام ويقول: “كل ولد اب فان عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة عليها السلام فاني انا ابوهم وعصبتهم”.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله ما اراد, فقد ترك ولده الامامان الحسن والحسين عليهما السلام اثرهما البالغ على تاريخ هذه الامة وقيادة روح اليقظة وتجديد شباب الاسلام بالمعارضة والشهادة والدم الطاهر المعطاء في حياتهما وبعد مماتهما.
فقد امتدت روح الحسين الشهيد ثورة عارمة في ضمير الامة الاسلامية وقوة محركة لركودها واستكانتها, وكانت ذرية الحسن والحسين عليهما السلام واحفادهما وانصارهم فيما بعد طاقة محركة في تاريخ هذه الامة وقوة دافعة فيه, فكانوا منطلق الثورة والمعارضة لكل ظلم وطغيان على امتداد تاريخ هذه الامة. وهذا بعض ماكان يستهدفه رسول الله صلى الله عليه وآله من عنايته بالحسنين, وتأكيد ابوته لهما, والاعلان عن حبه وعطفه عليهما..
فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله قوله:
“هذان ابناي من احبّهما فقد احبني”.
“الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة”.
“ابناي هذان امامان قاما أو قعدا”.
وشهد المسلمون حب رسول الله صلى الله عليه وآله للحسن والحسين وعنايته بتربيتهما والحث على حبهما والتمسك بهما.. فرفعوا مقامهما وخبروا مكانتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله..
ثم ولدت فاطمة عليها السلام بعد الحسين عليه السلام زينب الكبرى. وكانت ولادتها المباركة في اليوم السابع عشر من شهر رجب في السنة الخامسة من الهجرة النبوية. فزفت البشرى الى رسول الله صلى الله عليه وآله فاتجه الى ابنته فاطمة عليها السلام يشاركها فرحتها وسرورها, واتى مهنئا الى بيتها وسمى المولودة الجديدة “زينب” فحملت زينب هذا الاسم الوسام ليلمع عنوانا بارزا في جهاد الحسين عليه السلام وملحمة كربلاء ومأساة اهل البيت عليه السلام هناك.
ثم تحمل فاطمة عليها السلام بحمل آخر, فتلد بنتاً, فتكون الرابعة في ابناء فاطمة عليها السلام فيسري نبأ الميلاد الى رسول الله صلى الله عليه وآله ويأتي كعادته الى فاطمة عليها السلام, يسرها ويهنئها ويسمي المولودة “زينب الصغرى” ثم تلقب “بأم كلثوم”.
وهكذا ولدت فاطمة عليها السلام اربعا ولم يمتد بها العمر الطويل فقد وافاها الاجل وهي لما تزل شابة غضة في مقتبل العمر, فالتحقت بأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله .. وبالتحاقها بعالم الخلد والنعيم. بقي ابناؤها واكبرهم لم يتجاوز السابعة من عمره صغارا, في سن الطفولة يحدب عليهم ابوهم علي عليه السلام حدب رسول الله صلى الله عليه وآله على فاطمة عليها السلام في صغرها وصباها فدرجوا وشبوا وتربوا في ظلال علي عليه السلام الذي تربى في ظل رسول الله صلى الله عليه وآله، ونشأ على حب الاسلام والتفاني من اجله, فأثرت هذه الروح والتربية التي تلقاها الحسن والحسين عليهما السلام واختاهما ببيت النبوة في حياتهم وتكوينهم.. فكانوا كما اراد رسول الله صلى الله عليه وآله…
وهكذا تكشف لنا السنة النبوية ان فاطمة عليها السلام هي قاعدة اهل بيت الرسالة, وام الائمة عليهم السلام وامتداد النبوة, تحدّث رسول الله صلى الله عليه وآله عنها وعن زوجها وابنيها الحسن والحسين وعن حبه لهم وارتباطه بهم. لا ليعبر عن مشاعر القربى والنسب أو رابطة العاطفة وعلاقة الابوة… فهو رسول الله صلى الله عليه وآله لسان الوحي الذي لا ينطق عن الهوى, وهو الذي يجسد بكل كلمة وعمل يصدر عنه حكما وتشريعا ومفهوما رساليا للمسلمين, وهو داعية التوحيد والاخلاص الذي لا يحب ولا يبغض الا في الله ولله..
فما كان قوله في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام اذن الا تعبيرا عن مقامهم ومكانتهم عند الله سبحانه وتشخيصا لموقعهم ودورهم في حياة هذه الامة وتاريخها.
حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام:
“انا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم”.
وهذا يدل على ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرى فيهم تجسيد الرسالة وتبلور العقيدة حتى جعل سلمهم سلمه, وحربهم حربه، وكما نعلم فان سلم رسول الله صلى الله عليه وآله هو سلم الله وحربه هي حرب الله تعالى.

  كما ذكر في تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره الشريف وفي العيون بإسناده عن الريان بن الصلت عن الرضا ( عليه السّلام ) في حديثه مع المأمون والعلماء في الفرق بين العترة والامة ، وفضل العترة على الامة ، وفيه قالت العلماء : هل فسر الله الاصطفاء في كتابه ؟ فقال الرضا ( عليه السّلام ) : فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعاً وذكر المواضع من القرآن ، وقال فيها : وأما الثالثة حين ميز الله الطاهرين من خلقه ، وأمر نبيه بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عز وجل : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) فقل تعالوا : ( نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) قالت العلماء : عنى به نفسه ، قال أبو الحسن : غلطتم إنما عنى به علي بن أبي طالب ، ومما يدل على ذلك قول النبي : لينتهين بنوا وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي يعني علي بن أبي طالب ، وعني بالأبناء الحسن والحسين ، وعني بالنساء فاطمة فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد ، وفضل لا يلحقهم فيه بشر ، وشرف لا يسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي كنفسه ، الحديث.
  وعنه بإسناده إلى موسى بن جعفر ( عليها السّلام ) في حديث له مع الرشيد ، قال الرشيد له : كيف قلتم : إنا ذرية النبي ، والنبي لم يعقب ، وإنما العقب للذكر لا للأنثى ، وأنتم ولد البنت ولا يكون له عقب. فقلت : أسأله بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا ما أعفاني عن هذه المسألة ، فقال تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي وأنت يا موسى يعسو بهم وإمام زمانهم ، كذا أُنهي إلي ، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله ، وأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شيء لا ألف ولا واو إلا تأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عز وجل : ما فرطنا في الكتاب من شيء وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم. فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ فقال : هات ، قلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم : ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس ، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليس له أب فقلت : إنما ألحقه بذراري الأنبياء من طريق مريم ، وكذلك ألحقنا الله تعالى بذراري النبي من امنا فاطمة ، أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات ، قلت : قول الله عز وجل : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) ، ولم يدّع أحد أنه أدخل النبي تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين فكان تأويل قوله : أبنائنا الحسن والحسين ، ونسائنا فاطمة ، وأنفسنا علي بن أبي طالب.

كما كتب آية الله العظمى مكارم الشيرازي قدس سره الشريف :

إنّ جاهلية ما قبل الإسلام لم تكن تعترف للمرأة بأية مكانة أو قيمة، و كان النسب عندهم ما اتصل من جهة الأب فقط، غير أنّ الإسلام أبطل هذه العادة الجاهلية، و من المؤسف أنّ بعض أصحاب الأقلام الذين في نفوسهم شي‏ء تجاه أئمة أهل البيت عليهم السّلام، سعوا إلى إنكار هذا الموضوع، و حاولوا العودة إلى الجاهلية بالامتناع عن نسبة أبناء فاطمة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رفضوا إطلاق عبارة «ابن‏ رسول‏ اللّه» عليهم إحياء للتقاليد الجاهلية.
و هذا الموضوع نفسه كان قد عرض للمناقشة على عهود الأئمّة، فكانوا يجيبونهم بهذه الآية باعتبارها الدليل الدامغ و الردّ الحاسم على ما يفترون؛
من ذلك ما جاء في «الكافي» و في تفسير العياشي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال: «و اللّه لقد نسب اللّه عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم عليه السّلام من قبل النساء ثمّ تلا: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ … إلى آخر الآيتين، و ذكر عيسى.
و في (عيون أخبار الرضا) في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر عليه السّلام مع هارون الرشيد و مع موسى بن المهدي حديث طويل بينه و بين هارون و فيه … ثمّ قال: كيف قلتم: إنّا ذريّة النّبي، و النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يعقب، و إنّما العقب للذكر، لا للأنثى و أنتم ولد لابنته، و لا يكون لها عقب، فقلت: «أسألك بحق القرابة و القبر و من فيه إلّا ما اعفيتني من هذه المسألة» فقال: لا، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي، و أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم، كذا أنهى إلي، و ليست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب اللّه، و أنتم تدعون معشر ولد علي أنّه لا يسقط عنكم منه شي‏ء لا ألف و لا واو، إلّا تأويله عندكم، و احتججتم بقوله عزّ و جلّ: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ و استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم، فقلت: «تأذن لي في الجواب؟» قال: هات، فقلت: «أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى‏ وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى‏ وَ عِيسى‏، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ قال: ليس لعيسى أب، فقلت: «إنّما الحق بذراري الأنبياء من طريق مريم عليها السّلام، و كذلك ألحقنا بذراري النّبي من قبل أمنا فاطمة عليها السّلام»(1).
يلفت النظر أنّ بعض المتعصبين من أهل السنة تطرقوا إلى هذا الموضوع عند تفسيرهم لهذه الآية، منهم الفخر الرازي في تفسيره حيث استدل بها أن الحسن و الحسين من ذرية النّبي، لأنّ اللّه ذكر عيسى من ذرية إبراهيم مع أنّه يرتبط به عن طريق الأم فقط(2).
و صاحب المنار الذي لا يقل تعصبا عن الفخر الرازي يقول: بعد أن ينقل‏كلام الرازي، أنّ في هذا الباب‏ حديثا كره البخاري في صحيحه عن أبي بكر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال‏ مشيرا إلى الحسن بن علي عليه السّلام: «إنّ ابني هذا سيد».
و في تفسير العياشي عن أبي الأسود قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن معمر قال: بلغني أنّك تزعم أنّ الحسن و الحسين من ذرية النّبي تجدونه في كتاب اللّه، و قد قرأت كتاب اللّه من أوّله إلى آخره فلم أجده، قال: أليس تقرأ سورة الأنعام:وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ‏ حتى بلغ‏ يَحْيى‏ وَ عِيسى‏ أليس عيسى من ذرية إبراهيم و ليس له أب؟ قال: صدقت.
و فی مستدرك الصحيحين (ج 3 ص 164) روى بسنده عن عاصم بن بهدلة قال: اجتمعوا عند الحجاج فذكر الحسين بن على عليهما السلام فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النبى‏ صلى اللّه عليه (و آله) و سلم و عنده يحيى بن يعمر فقال له: كذبت أيها الأمير فقال: لتأتينى على ما قلت ببينة و مصداق من كتاب اللّه عز و جل أو لأقتلنك قتلا فقال: (وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى‏) إلى قوله عز و جل: (وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى‏ وَ عِيسى‏ وَ إِلْياسَ) فأخبر اللّه عز و جل إن عيسى من ذرية آدم بأمه، و الحسين بن على عليهما السلام من ذرية محمد صلى اللّه عليه (و آله) و سلم بأمه قال: صدقت‏ فما حملك على تكذيبى فى مجلسى، قال: ما أخذ اللّه على الأنبياء ليبيننه للناس و لا يكتمونه قال اللّه عز و جل: (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا) قال: فنفاه إلى خراسان. و رواه البيهقى أيضا فى سننه (ج 6 ص 166)
و ذکر المفسرون فى باب مباهلة النبى صلى اللّه عليه (و آله) و سلم بعلىّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام من الفخر الرازى و غيره جملة من الروايات المشتملة على قصة يحيى بن يعمر مع الحجاج غير أنها جميعا كانت فى الحسن و الحسين عليهما السلام و رواية المستدرك هنا هى فى خصوص الحسين عليه السلام؛
هذا مضافا إلى أن تمام ما ذکر فى باب المباهلة من الأخبار الواردة فيه كان دليلا واضحا و برهانا قاطعا صريحا فى كون الحسن و الحسين عليهما السلام هما ابنا رسول اللّه صلى اللّه عليه (و آله) و سلم.(3)
بينما كانت لفظة (ابن) عند عرب الجاهلية لا تطلق على ابن البنت .. ثمّ يضيف؛ لهذا السبب، اعتبر الناس أولاد فاطمة أولاد رسول اللّه و عترته و أهل بيته. (4)
ثم ورد روایات صرح علی أن ذرية النبي‏ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم کانت في صلب علي عليه السّلام‏:
الخطيب البغدادى روى بسنده إلى المنصور العباسى إلى عبد اللّه بن العباس، قال: كنت أنا و أبى العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول اللّه صلى اللّه عليه (و آله) و سلم إذ دخل علىّ ابن أبى طالب عليه السلام فسلم فرد عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه (و آله) و سلم السلام و بش به و قام اليه و اعتنقه و قبل بين عينيه و أجلسه عن يمينه فقال العباس: يا رسول اللّه أتحب هذا؟ فقال النبى صلى اللّه عليه (و آله) و سلم يا عم رسول اللّه و اللّه للّه أشد حبا له منى، إن اللّه جعل ذرية كل نبى فى صلبه و جعل ذريتى فى صلب هذا،(5) و ذكره المحب الطبرى أيضا فى الرياض النضرة (ج 2 ص 168) و قال: أخرجه أبو الخير الحاكمى (و فى ص 213) و قال: أخرجه أبو الخير القزوينى، و ذكره ابن حجر أيضا فى صواعقه (ص 93) و قال: أخرجه أبو الخير الحاكمى و صاحب كنوز المطالب فى بنى أبى طالب، ثم قال: زاد الثانى فى روايته: أنه إذا كان يوم القيامة دعى الناس بأسماء أمهاتهم سترا عليهم إلا هذا و ذريته فانهم يدعون بأسمائهم لصحة ولادتهم.(6) و زاد بعض: و قال النبى صلى اللّه عليه (و آله) و سلم لعليٍّ ع إِنَّك قسيم النَّار و إِنَّك تقرع باب الجنَّة و تدخلها بغير حساب‏.(7)
و الهيثمى فى مجمعه (ج 9 ص 172) قال: و عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه (و آله) و سلم: «إن اللّه عز و جل جعل ذرية كل نبى فى صلبه و إن اللّه تعالى جعل ذريتى فى صلب على بن أبى طالب»؛ قال: رواه الطبرانى.
و كنز العمال (ج 6 ص 152) و المناوى فى فيض القدير (ج 2 ص 223) فى المتن، و ابن حجر فى صواعقه (ص 74) قالوا جميعا: أخرج الطبانى عن جابر و الخطيب عن ابن عباس أن النبى صلى اللّه عليه (و آله) و سلم قال: «إن اللّه جعل ذرية كل نبى فى صلبه و جعل ذريتى فى صلب على بن أبى طالب».
(1) . تفسير (نور الثقلين)، ج 1، ص 743.
(2) . تفسير الفخر الرازي، ج 13، ص 66.
(3) . فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج‏3، ص: 267
(4) . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏4، ص: 366
(5) . تاريخ بغداد، ج 1 ص 316.
(6) . صواعق المحرقة، ص 93.
(7) . كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، ص420.

كما كتب الشيخ محمد صالح المنجد( وهو من أهل السنة والجماعة) قائلاً :

أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم وذريته الموجودون الآن كلهم من نسل ابنته فاطمة رضي الله عنها ، ولكون الرسول صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأشرفهم والنسبة إليه شرف بلا شك ، صارت ذريته ينتسبون إليه ، ولا ينسبون إلى آبائهم ، وقد ذكر العلماء أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم .
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة ، منها :
قوله صلى الله عليه وسلم : (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي) رواه البخاري (3714) ومسلم (2449) .
قال الشريف السمهودي :
“معلوم أن أولادها بضعة منها ، فيكونون بواسطتها بضعة منه صلى الله عليه وسلم ، وهذا غاية الشرف لأولادها” انتهى .
نقله الألوسي في “روح المعاني” (26/165) .
ومنها : قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما : (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِين) رواه البخاري (2704) .
فسمَّاه “ابنه” وهو ابن بنته فاطمة رضي الله عنهما .
قال ابن القيم رحمه الله :
“المسلمون مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم المطلوب لهم من الله الصلاة ؛ لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها ، فمن انتسب إليه صلى الله عليه وسلم من أولاد ابنته فإنما هو من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته : (إن ابني هذا سيد) فسماه ابنه ، ولما أنزل الله سبحانه آية المباهلة : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) آل عمران/61، دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وخرج للمباهلة ….
إلى أن قال :
وأما دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم والوالد الكريم ، الذي لا يدانيه أحد من العالمين ، سرى ونفذ إلى أولاد البنات لقوته وجلالته وعظيم قدره ، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسري حرمة إيلادهم وأبوتهم إلى أولاد بناتهم ، فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم ، ويكادون يضربون عن ذكر آبائهم صفحا ، فما الظن بهذا الإيلاد العظيم قدره ، الجليل خطره ؟ ” انتهى باختصار.
” جلاء الأفهام ” (ص/299-301) .
وجاء في “مغني المحتاج” (3/63) :
“فَائِدَةٌ : مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ ، وَهُمْ الْأَشْرَافُ الْمَوْجُودُونَ ، وَمِنْهُمْ الْهَاشِمِيُّونَ” انتهى .
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (2/640) :
“ممّا اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون النّاس جميعاً أنّ أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إنّ ابني هذا سيّد)” انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي :
“ثم معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم : أنه يطلق عليه أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، حتى يعتبر ذلك في الكفاءة ، فلا يكافئ شريفة هاشمية غير شريف .
ثم قال ابن حجر : وقولهم : “إن بني هاشم والمطلب أكفاء” محله فيما عدا هذه الصورة .
وحتى يدخلوا في الوقف على أولاده والوصية لهم ، [ وهذه مسألة افتراضية ، لو أوقف الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً أو أوصى به وقال : هذا لأولادي ، دخل في أولاده صلى الله عليه وسلم أولاد فاطمة وأولاد الحسن والحسين رضي الله عنهم، وهذا من فوائد أنهم ينسبون إليه] .
وأما أولاد بنات غيره فلا تجري فيهم مع جدهم لأمهم هذه الأحكام .
نعم ، يستوي الجد للأب والأم في الانتساب إليهما من حيث تطلق الذرية والنسل والعقب عليهم . ومن فوائد ذلك أيضاً : أنه يجوز أن يقال للحسنين : أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أب لهما اتفاقا ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن : (إن ابني هذا سيد)” انتهى باختصار .
“الصواعق المرسلة” (4/462) لابن حجر الهيتمي .
وقد استدل السيوطي رحمه الله على ذلك بأحاديث أخرى في كتابه “الخصائص الكبرى” (2/381) ، غير أنها ضعيفة ، كما بَيَّن ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في “التلخيص” (3/142) ، والألباني في “السلسلة الضعيفة” (801 ، 4104 ، 4324) .
ثانياً :
هذا الحكم ، وهو أن أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم ينسبون إليه ، إنما هو لأولاد بناته ، ثم أولاد الحسن والحسين ، أما أولاد بنات بناته فإنهم لا ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم ، وإنما ينسبون إلى آبائهم .
قال السيوطي رحمه الله :
“هل يشاركون – يعني أولاد زينب بنت فاطمة – أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ؟
والجواب : لا . وإن كانوا جميعاً يدخلون في “ذرية النبي صلى الله عليه وسلم” وفي “أولاده” .
وقد فَرَّق الفقهاء بين مَن يُسَمَّى ولداً للرجل ، وبين مَن ينسب إليه :
ولهذا قالوا : لو قال : وقفت على أولادي : دخل ولد البنت .
ولو قال : وقفت على مَن يُنسب إلي مِن أولادي : لم يدخل ولد البنت .
وقد ذكر الفقهاء من خصائصه صلى الله عليه وسلّم : أنه ينسب إليه أولاد بناته ، ولم يذكروا مثل ذلك في أولاد بنات بناته ، فالخصوصية للطبقة العليا فقط ، فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه ، وأولاد الحسن والحسين ينسبون إليهما فينسبون إليه ، وأولاد زينب وأم كلثوم [بنات فاطمة] ينسبون إلى أبيهم عمر وعبد الله ، لا إلى الأم ، ولا إلى أبيها صلى الله عليه وسلّم ؛ لأنهم أولاد بنت بنته ، لا أولاد بنته ، فجرى الأمر فيهم على قاعدة الشرع في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه ، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد الحديث بها ، وهو مقصور على ذرية الحسن ، والحسين ….
ولهذا جرى السلف والخلف على أن ابن الشريفة لا يكون شريفاً ، ولو كانت الخصوصية عامة في أولاد بناته وإن سفلن لكان ابن كل شريفة شريفاً تحرم عليه الصدقة وإن لم يكن أبوه كذلك كما هو معلوم .
ولهذا حكم صلى الله عليه وسلّم بذلك لفاطمة دون غيرها من بناته ، لأن أختها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم تعقب ذكراً حتى يكون كالحسن والحسين في ذلك ، وإنما أعقبت بنتاً ، وهي أمامه بنت أبي العاصي بن الربيع ، فلم يحكم لها صلى الله عليه وسلّم بهذا الحكم مع وجودها في زمنه ، فدل على أن أولادها لا ينسبون إليها لأنها بنت بنته ، وأما هي فكانت تنسب إليه بناء على أن أولاد بناته ينسبون إليه ، ولو كان لزينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولدٌ ذكر لكان حكمه حكم الحسن والحسين في أن ولده ينسبون إليه صلى الله عليه وسلّم .
هذا تحرير القول في هذه المسألة” انتهى باختصار .
“الحاوي” (2/31) .
ومثل ذلك قاله الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي في “الفتاوى الحديثة” (ص 67) .

ويروي السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الفصول عن شيخه المفيد رحمه الله أنه قال : روى أنه لما سار المأمون إلى خراسان وكان معه الرضا علي بن موسى عليهما السلام فبينا هما يسيران إذ قال له المأمون : يا أبا الحسن إني فكرت في شئ فنتج لي الفكر الصواب فيه ، فكرت في أمرنا وأمركم ونسبنا ونسبكم فوجدت الفضيلة فيه واحدة ، ورأيت اختلاف شيعتنا في ذلك محمولا على الهوى والعصبية ، فقال له أبو الحسن عليه السلام : إن لهذا الكلام جوابا إن شئت ذكرته لك ، وإن شئت أمسكت ، فقال له المأمون : إني لم أقله إلا لا علم ما عندك فيه ، قال له الرضا عليه السلام : أنشدك الله يا أمير المؤمنين لو أن الله بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وآله فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الآكام يخطب إليك ابنتك كنت مزوجه إياها ؟ فقال : يا سبحان الله وهل يرغب أحد عن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ! فقال له الرضا عليه السلام : أفتراه كان يحل له أن يخطب إلي ؟ قال فسكت المأمون هنيئة ثم قال : أنتم والله أمس برسول الله صلى الله عليه وآله رحما .
قال الشيخ : وإنما المعنى في هذا الكلام أن ولد عباس يحلون لرسول الله صلى الله عليه وآله كما تحل له البعداء في النسب منه ، وأن ولد أمير المؤمنين عليه السلام من فاطمة عليهما السلام ومن أمامة بنت زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله يحرمن عليه ، لانهن من ولده في الحقيقة ، فالولد ألصق بالوالد وأقرب وأحرز للفضل من ولد العم بلا ارتياب بين أهل الدين ، وكيف يصح مع ذلك أن يتساووا في الفضل بقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فنبهه الرضا عليه السلام على هذا المعنى وأوضحه له . (1)
—-
(1) البحار ج10 ص 349
السلام على فاطمة الزهراء بضعة رسول الله (ص) ..أمُّ أبيها ـ كما كنّاها صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأطهارـ لعلمه بأنها هي التي ستحمل ذكره وأسمه ، وإنها هي (الكوثر) فهو ليس (الأبتر) وفاطمة عليها السلام تحمل بولديها الحسنين عليهما السلام ذكره وعقبه ونسله الرسالي النبوي الطاهر المطهّر ، وأبنائهم الأئمة من بعدهم حتى يردوا الحوض على جدهم الرسول الأعظم والنبي الخاتم للأنبياء والرسل بعد ظهور آخر ولده من ولد فاطمة الزهراء(ع) لبعلها أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (ع).. الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر أرواحنا له الفداء ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجور بسبب الدكتاتوريات والسلطات التي حكمت الأرض والعباد دون أمر من الله تعالى ودون تفويض مطلق .. فإلى ذلك نسترعي انتباه البشر الكرام !!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات