“لشهدائنا الرحمة , انهم كانوا اكثر نفعآ وأقوى بسالة ,
اللهم تقبلهم برضاك فإنهم لم ينصرفوا الى احد سواك ” .
قد تكون وجهة نظر البعض من المراقبين صحيحة من ان لجوء الحكومة الى قرار إقالة فرسان في العربة الأمنية يتوجب الإنتباه من مغبة الانسياق وراء العدالة الفطرية وعلى طريقة” الفلسفة الكلبية ” * الموروثة من جهل الحكومات السابقة , إذ كانت من دون اي فعل نقدي تضطلع به اي لجنة قضائية مدنية او عسكرية يحال اليها امر التحقيق في خروقات الفساد أو الخروقات الأمنية لكي تبحث بجذور الفساد أو الخرق وتقدم الاسباب للمحاسبة أو للإقالة , وغياب ذلك الفعل يعني إطفاء لجوانب كبيرة من انجازات هذه العربة من ناحية ,
وإن كان ذلك المسار في إطار الأستراتيجية المنهجية التي تعمل عليها الحكومة السابقة من دون قصد هو إزاحة لمؤسسة القضاء المختصة بآليات تنفيذ هذه الإقالة وعدم الأكتراث بها وتدخّل في طريقة معاينة الخرق الأمني وتحديد القرار الذي يتمخض عن اللجنة ضد المقصرين الحقيقيين في حال اضطلاعها بذلك , ولكن ينبغي الإنتباه من تسلط هذا المسار على عمل السياسيين بشكل عام , والطامة ان يكون قراراللجنة القضائية فيما بعد على خلاف من قرار الإقالة الحكومي من ناحية اخرى ,
اذن يجب على أي حكومة ان تتحلى بنوع من الاستقلالية عن القضاء العسكري وتكريس ذلك لإلفات الإنتباه الى جوهر الأمور التي تشتغل عليها وخاصة في الجانب الأمني الذي يمثل جوهر اهتمام الشعب وان تكون الحكومة في ذلك محسوبة على نصوص الدستور مئة بالمئة , إذ ما الفرق بين التدخل بالقضاء وبين إزاحة آلياته عن مهامه الدستورية ؟
ومن هنا يتوجب على اسلوب عمل الحكومة ان يتمتع بدرجة عالية من الهيبة والتماسك العضوي بتشكيلاتها وخاصة في الجانب الأمني وذلك بالعمل على استقراء الخطط الامنية وتحليلها والغوص في امتداد اخر حلقة واجب لها قي قائمة الواجبات للبرهنة على وجوب تعيين اطار اخر يكون بديلآ في حال اكتشاف مناطق مظلمة فيها تحتاج الى تدخل حكومي , عند ذلك يصبح امر البديل خير مثال عن ايفاء الحكومة لمتطلبات وعيها الأمني ,
او على الأقل يكون وجوب تعيين هذا الاطار الجديد من قبل الحكومة بوصفها ذات صلة بالمهام الحرفية التي ادت الى الخرق الامني بالتعاون مع القضاء العسكري لتبرهن ان من حق اللجنة القضائية ان يكون مفهومها عن الخرق عام وشامل وواسع لتتعمق تجربة القضاء العراقي في مجال العمل القضائي الخاص بالأرهاب بشكل مستقل وصرف . وبهذا تكون الحكومة لا تشبه سواها في صياغة او تحديث اي هيكل جديد لعضوية عربتها الامنية على اساس هذه الثنائية ; تعاون الحكومة مع القضاء .
اما في جانب عمل الخلايا الارهابية في المرحلة الراهنة فيرى المراقبون أنها تركز على ملء الصحف والإعلام بأخبار تفجيراتها لإحياء معنويات خلاياها النائمة الداعمة لها في الداخل لاسيما انها مراكز قوى فعلية متخفية , لأنها ليست في حرب مواجهة فعلية كما كانت في الموصل بل كما يبدو انها في مرحلة التحشيد والأستقطاب للإعداد لهجمات لاحقة ,
وبذلك تحرص دائمآ في اولوياتها على ارباك عمل الحكومة على الأقل بإثارة انفعالها من اجل التخلص من القوالب الامنية الموجودة على الارض التي ربما كانت اكثر انسجاما واشعاعا عليها او اكثر تماسكا لكي تتحرر من ضغطها أو ربما كانت متراخية وهذا يستدعي الأستفسار عن جوانب عديدة ربما اسهمت بهذا التراخي اهمها :
أولآ ; ضرورة النظر الى مبدأ التوازن السياسي فيها لأن لامناص من ذلك في ضوء المحاصصة المتيقظة في العملية السياسية وثانيآ ; مبدأ الضبط وهو اظهار صورة الواجب المنفّذ بشكل كامل في ميدان الواجب وثالثآ ; حب العراق وحضوره في وعي المنتسب بإعتباره مصدر حياتنا مثلما الله خالقنا ,
لذلك فالخلايا الإرهابية تقترح العمل الذي يحدث الصدمة من ناحية لتعويضها عن انطفاء جمرها في المدن العراقية بالإستفادة من جائحة كورونا وشلل الاوضاع الاقتصادية لترى فضاء اخر تتشكل فيه قوى امنية اخرى على اساس نتائج إقالة فرسان القوى السابقة من قبل الحكومة لتحلّق غربانها الارهابية فيه على امل ان تجد اختراقا جديدا تتسلل منه الى الذات الوطنية العراقية لتزيد من ازماتها من ناحية اخرى .
حين تتمركز العلاقة بين عمل الحكومة في ميدان الارهاب على هذا النحو , أي بالإقالات بمعزل عن القضاء العسكري , سيصبح عند ذلك من السهل على المواطن العراقي الساذج ان يطالب الحكومة بأن تعيد النظر في منهاج الاصلاح ومحاربة الفساد لتنجزه بطريقة إغفال القضاء نفسها لكي تتوازن الامور امام عينيه .
ولكن ليس لمنهاج الإصلاح ومحاربة الفساد والإقالة التي تربي المواطن الساذج على سهولة الحياة الخالية من روح القضاء أي صلة بالعمل الحكومي الرصين إذا لم يتم عبر بوابته المدنية أو العسكرية ,
اي محاسبة اي خلل بالواجب من اجل التدارس المشفوع بالأسئلة التي تهدف الى الحصول على الأجوبة وخاصة في موضوعة الخطط والثغرات التي اتاحت للإرهاب ثغرة هنا تسللت منها او ثغرة هناك , وفي هذا درس اساسي للساذجين في الحياة لدقة مهام المسؤولية التي تفرق بين حكومة واخرى امام الشعب للاستمرار عليها في عملها ,
ويطالب المراقبون في هذا الإطار القانوني بضرورة اجهاض اي ولادة لأي صراع بين الحكومة وبين أي قوة سياسية تظهر عدائها وان كان سلميآ للوصول الى سلام ثابت معها , إذ ان صدى اي صراع بينها وبين اي قوة سياسية يخلق المناخ الايجابي لقوى الارهاب وبيسر لتضاعف الاسى في قلوب المواطنين , وهذا من اخطر المحاور الذي تلعب عليه قوى الارهاب وهو محور تعميق فجوة الثقة بين الاطراف السياسية المتصارعة .
كما وان اجهاض اي صراع محلي ليس معناه الاستجابة لمنطقه او التعاطف معه , بل بالشفافية العالية للحوار والإقناع بنصوص الدستور والإنصياع لبلاغته القانونية التي تدعو الأطراف السياسية جميعآ الى إقتسام مهمة الأمن الوطني بشكل موحد وليس بإنفصال تلك القوى عن القوى الأمنية الحكومية ,
وتدعو النصوص كافة القوى السياسية الى فهمها بشكل تام ومطلق وخاصة في قضية رفض كل صراع بينها وبين اي طرف خارجي على حساب المصالح الوطنية لكي لا يدفع في نهايتها الوطن والمواطن فاتورة ذلك الحساب ,
ولا ينبغي ان يتم الأجهاض لأي صراع داخلي او خارجي بالقوة الإرغامية وعلى نفقة خزينة الشعب المتهالكة , بل بالحوار على نحو يهيأ مناخ سياسي يقوم على رفض الشك ويشترط ان ينبثق عن ذلك الحوار الشفاف اعلانآ اخلاقيآ او عهد اقتسام موحد يدعو الى جعل السلاح في قبضة الحكومة لإبعاد الشبهة عن القوى السياسية في اي خرق امني يرتبط بهذا المحور الذي تستند عليه قوى الإرهاب .
ومن دون ذلك فإن إنتماء بعض القوى السياسية المطلق لنفسها فحسب او الى قوى خارجية فذلك يعني ان مسار الحكومة لا يحفظ لها اي منجز في اي جانب وخاصة في الجانب الأمني الذي يسهم بشكل رئيسي في بناء مستقبل البلاد .
ولابد من الإشارة الى ضرورة التأسيس لسياسة المرونة مع القوى السياسية لخلق المناخ الخصب لإنضاج العمل الحكومي , لكن بشرط ان يكون بآليات عمل قائمة على المزاوجة وليس الإنشطار وتعمل لمصلحة البلاد العليا بشفافية خصبة ومن دون وسائل ارغامية خارج حدود المباديء المعروفة التي صنعت الجميع ومنطق العقل لتكون عضوية الجميع متينة داخل عمل الحكومة ,
وكل عمل أو آلية عمل خلاف ذلك فإنه لايضيف شيئآ الى اداء الحكومة وخاصة إذا تم بالسياقات المعمول بها سابقآ في مجابهة هذا النمط من الإرهاب ,
وينبغي على الحكومة التي ورثت هذا النمط أن تفكك القيود التي تتيح الخروج من هيمنته الى افق جديد يغيّر ليس فقط المشهد السياسي بل يحرّض الوارثون للعمل الحكومي من ان يواصلوا جهدهم الإيجابي بعيدآ عن مخلفات اسلافهم الذين افرغوا العربات الأمنية من الكثير الى حد لم يجدوا فيه متسعآ من الوقت- وهو الآن عليل – لتهيئة فرسان آخرين يقودونها لتقرع جرس الرعب في آذان الإرهاب , وهذا سيكون هو التأسيس الذي يسترد دهشة المواطن امام اعمال الحكومة التي تنبأ بعودة العراق المجيد ثانية .
* الفلسفة الكلبية : فلسفة قائمة على عدم الاكتراث بمؤسسات المجتمع والدولة وآليات مسارها وتجابهه المفترس والأليف بالود والحب والنصح الذي يهذب الجميع وتحتج بعمق على كل خطأ سياسي بوصفه متأسسآ على الإنحطاط الذي اصاب قيمه وروحه , اصحابها ينشدون دولة مثالية لاقوانين فيها ولادساتير ولامؤسسات امنية والسلطة فيها هي سلطة العدالة الفطرية الآنية .