22 نوفمبر، 2024 5:41 م
Search
Close this search box.

متى تقرر القيادة الايرانية حيازة سلاح نووي ؟!

متى تقرر القيادة الايرانية حيازة سلاح نووي ؟!

السلاح النووي لايشبه في تداعيات حيازته او استخدامه اي سلاح اخر ، بفعل حجم الدمار الذي يلحقه بالخصم ، اضافة الى اثاره بعيدة المدى وواسعة النطاق ؛ اثار قد تطال مستخدمه نفسه اذا مالجأ اليه في ساحات المواجهة العسكرية المباشرة . وتتراوح قوة هذا النوع من الاسلحة من القنابل الهيدروجينية الى القنبلة التكتيكية التي ترميها المدفعية .

بفعل خواص هذا السلاح فانه ارتبط بمفهوم الردع لدى مالكيه ، وباعتباره الملاذ الاخير حين يتعرض كيان الدولة لخطر وجودي .

في دولة مثل ايران ، حيث يمتزج في عقيدتها العسكرية كيان الدولة بالنظام السياسي المؤسس على عقيدة دينية – رسالية ، فانه يعتبر سلاحاً للدفاع عن هذا المزيج ، الذي يعتبر قيمة وجود الدولة مستمد من كونها اداة لنشر الرسالة التي يؤمن بها النظام في بيئتها الجيوسياسية ، ووفقاً لذلك فان الدولة ، بحكم وظيفتها كأداة بيد النظام ورسالته ، تجد نفسها في حالة اشتباك دائم ، قوامه الخصومة ، مع الخارج ؛ بدءاً بالمحيط المباشر الذي يمثل الخصم العقائدي ، مرتكب المظلومية التاريخية ، الذي لامجال للتوافق معه الا من خلال الثأر او الهيمنة ، او مع القوى الاقليمية الاخرى او الدولية الكبرى ؛ رغم ان التجربتين الوحيدتين اللتين شهدتا اختباراً لهذا النوع من المزج الوجودي بين كيان الدولة والنظام السياسي والتسلح النووي قد شهدت احداهما التضحية بالنظام لصالح الدولة مع الحفاظ على السلاح النووي ، فيما شهدت الاخرى التضحية بالبرنامج النووي لصالح المحافظة على الدولة والنظام . الاولى هي تجربة انهيار الاتحاد السوڤيتي التي تظهر لنا ان احد طرفي معادلة التوازن النووي الدولي قد قام بفك الارتباط بين الدولة والنظام ، وفضل الحفاظ على كيان الدولة وسلاحها النووي والتضحية بالنظام ، حين بدأت الدولة وقوتها النووية تنوء بأثقال النظام ، بدلاً من خوض مواجهة نووية تنهي الدولة والنظام . اما التجربة الثانية فهي التجربة الليبية التي انتهت بالتضحية بالبرنامج النووي للحفاظ على الدولة والنظام ، ولكن ينبغي ان نأخذ بالاعتبار ، عند رسم السيناريو المتوقع لايران ، خصوصية تجربتيها ، السياسية والنووية .

ايران دولة تحكمها عبر تاريخها اوليغارشية دينية ، اما بصورة غير مباشرة من خلال مشاركة المؤسسة العسكرية سواء عبر تاريخها القديم قبل الاسلام ، او منذ تأسيس الحكم الصفوي ، وإما مباشرة من خلال رجال المؤسسة الدينية كما هو حالها اليوم ؛ تتشارك هذه الاوليغارشية في معتقداتها مع غالبية الشعب الايراني ، وبالتالي فهي ليست في وضع يشبه وضع الحزب الشيوعي السوڤيتي ، كما انها لاتشبه نظام الحاكم الفرد الذي كان يحكم ليبيا ؛ ورغم ان مبدأ ولاية الفقيه لبس موضع توافق عام ، الا ان الخطوط العامة لأيديولوجيا النظام الدينية – الرسالية ، الهادفة للثأر من مظلومية تاريخية ، تتماشى مع معتقدات قطاع كبير من الشعب الايراني ، وهي تشكل جزءاً جوهرياً من الادراك الشعبي الديني العام “ Religious common sense “ ، وتقع في قلب مصالح القيادات الاجتماعية الايرانية التقليدية المتمثّلة بتحالف البازار من جهة ، وآيات الله ومراجع التقليد من خارج مؤسسة الحكم الدينية من جهة اخرى ؛ إن قوة ايران العسكرية ، التقليدية او النووية ، وفقاً للقناعة السائدة ، هي قوة للمذهب في قلب العالم الاسلامي ، حيث لايمثل اتباع العقيدة الشيعية ( الاثني عشرية وبقية تفرعات المذهب الشيعي ) في ايران وبقية العالم اكثر من ٨-١٢٪‏ من اجمالي عدد المسلمين ( وفق احصاء مركز Pew الامريكي )، والى شرق ايران تقع واحدة من اكبر الدول الاسلامية ” السنية ” المسلحة نووياً ، ونعني بها الپاكستان بعلاقاتها المعروفة مع السعودية مركز التيار الاسلامي العام ، لذا يكتسب امتلاك السلاح النووي اهمية معنوية واعتبارية تتعلق بالهيبة واضافة جوهرية للقوة الناعمة للدولة ، اكثر من كونه اضافة نوعية للقوة الصلبة التي يضيفها السلاح ذاته بحكم طبيعته الردعية وقيود استخداماته ، اي انه سيكون العامل الحاسم الذي يدخل تغييراً على الواقع الجيومذهبي في قلب العالم الاسلامي ويضيف تغييراً جوهرياً في نوعية القوة الدبلوماسية لايران .

وفق هذه المعطيات يعتبر امتلاك سلاح نووي في ايران ، رسمياً وشعبياً ، على انه ضمانة وجود ، وعاملاً مرجحاً في صياغة التوازن الجيو – مذهبي في الاقليم ، وفِي العالم الاسلامي .

في ذات الوقت ، فان موقف ايران داخل العالم الاسلامي ومنافستها على موقع قوة مؤثرة في إطاره ، ان لم يكن موقع القيادة ، يملي عليها ان تلتزم من جهة بأم القضايا في هذا العالم وهي القضية الفلسطينية ، وهو ماتقوم به فعلياً ، وخاصة بعد ظهور موجة التطبيع مع الكيان الصهيوني في العالم العربي ، اضافة الى مساهمته في صياغة محور استقطاب شيعي – اسلامي على المستوى الدولي والذي يجسده شعار ” لاغربية ولاشرقية ، جمهورية اسلامية ” ، وان تسعى من جهة ثانية لتعزيز مركزها الجيوستراتيجي داخل الاقليم المحيط بها مباشرة بما يؤمن لها منفذاً برياً حتى سواحل المتوسط استجابة لنزعتها التاريخية المتأصلة للتوسع باتجاه الغرب للهيمنة وبسط النفوذ على منطقة المشرق العربي .

وفقاً لذلك فان امتلاك سلاح نووي يعتبر من وجوه عديدة قضية وجود بالنسبة لايران وبعكسه لن تزيد عن كونها رقماً في عدد الدول الاسلامية ، ولذلك اكتسبت القضية النووية الايرانية بعداً قومياً ، ويرصد الباحثون في الشأن الايراني ظهور وتبلور مايمكن تسميته ” القومية النووية ” في ايران .

مع هذه المعطيات فانه يتعين الأخذ ايضاً بالاعتبار نوعية القيادة الايرانية الحالية وميلها بشكل واضح الى التسويات السياسية مادامت تؤمن لها اقتراباً ولو نسبياً او غير مباشر باتجاه الهدف ، وهي لعبة يجيدها قادة ايران مع خلفية تمتد عدة قرون من الخبرة في هذا المجال .

فاين تقف ايران اليوم وماهي احتمالات امتلاك السلاح النووي ؟!

وفقاً لافضل التقديرات ، وما يترتب عن المعطيات التي قدمناها في مقالات سابقة عن القدرات النووية الايرانية من الناحية الفنية ، فان القرار الايراني الستراتيجي بامتلاك السلاح النووي قد تم اتخاذه منذ زمن طويل يمتد الى عهد الشاه ، ثم تم تأجيل السعي نحوه بسبب تعقيدات العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية ، المصدر الاساس لقدرات ايران النووية حتى سقوط الشاه ، ثم تمت اعادة تقدير الموقف اثناء الحرب التي شنتها ايران على العراق في الثمانينات وقررت القيادة الايرانية اعادة الحياة لبرنامجها النووي . ساعدتها في ذلك الظروف التي أفرزتها عملية تفكك الاتحاد السوڤيتي وضعف الهيمنة المركزية السوڤيتية على المواد النووية خلال سنوات التفكك التي استغرقت الفترة بين اعلان استقلال بعض الجمهوريات الاسلامية وامتدت طوال عهد يالتسين . من المؤكد ان ايران قد تمكنت من الحصول على الكثير من المواد والتجهيزات والخبرات النووية في اطار عمليات تجارية وتعاون رسمي اضافة الى ماتم تحت الطاولة ، والذي قد يكون الجزء الاهم ، وقد يسرته ظاهرة تفشي الفساد في سلطات الدول الجديدة ، فضلاً عما تم تأمينه من خلال السوق السوداء الدولية .

القرار الستراتيجي بحيازة سلاح نووي وتحويل ايران الى قوة نووية كبرى تؤكده تركيبة ومخرجات البرنامج النووي الايراني التي تتجاوز وفق اي قياس علمي ومنطقي احتياجات برنامج نووي سلمي ، ويقدر الخبراء النوويون موقف البرنامج الايراني بانه برنامج عسكري كامن او مموه ، وتعمل ايران باستمرار على تقليص الفترة الزمنية الواقعة بين لحظة اتخاذ القرار السياسي التكتيكي بحيازة السلاح ، وحيازته فعلاً . وهنا ينبغي لهذه الفترة ان تكون متطابقة مع فترة احتواء واستنزاف زخم اي عمل عسكري هجومي مضاد وفق الستراتيجية التقليدية التي تعول على الجغرافية من جهة ، وان تكون هذه الفترة ، من جهة اخرى ، كافية لانتاج اكثر من شحنة نووية قابلة للتفجير لتجنب لحظة الفراغ النووي التي تلي الاستخدام الاول ، والتي من شأنها تنبيه العدو الى قدرة الردع الايرانية ان كان قد وقع في سوء تقدير او جهل نتيجة قصور استخباراتي ، وهذا مايفسر لجوء ايران الى توسيع عمليات تخصيب اليورانيوم واستثمار اي ثغرة ، مقصودة او غير مقصودة ، في الموقف الخارجي المعارض لامتلاك ايران قدرات نووية عسكرية الزيادة كمية ونوعية عمليات التخصيب ، على غرار ماحصل من جانب ادارة ترامپ في المُعلن من النوايا والاهداف ، او ماكان قد حصل من تجاهل امريكي للمساعي الايرانية في المجال النووي للفترة بين ١٩٩٠ لغاية ٢٠٠٥ رغم تنبه اكثر من طرف بما فيهم الطرف الروسي، حسب معلومات مؤكدة ، الى مساعي ايران تلك .

يمكن وفق ذلك اعادة تصنيف ايران نووياً بوضعها ضمن مجموعة الدول التي يسميها خبراء الانتشار النووي بدول ” التمويه او الكمون النووي Nuclear hedging ” ، والعنصر الاهم في هذا النوع من الخيار النووي الاستراتيجي للدول الواقعة ضمن هذا التصنيف هو ” امكانية الاشهار Latent “ او ” الاشهار الفعلي Virtual “ لقدرة الردع النووي في وجه الاطراف التي تمثل تهديداً وجودياً للدولة ، او نظامها الذي يفهم الدولة باعتبارها اداة للرسالة التي كرس النظام نفسه والدولة التي يحكمها من اجل تحقيقها ، ويوصف هذا الخيار الاستراتيجي بانه الوجه السلبي للتمويه او الكمون النووي ، كما يتيح للدولة ممارسة مايعرف بدبلوماسية ” الارغام Coercive diplomacy “ ، وهو الوجه الايجابي لهذه الاستراتيجية .

في الخلاصة العامة يمكن القول ان ايران قد حازت بالفعل على مستلزمات انتاج سلاح نووي ، وهي تسعى من خلال تعاملها الفعلي مع الموضوع الى تعميق الاعتقاد دولياً بقدراتها هذه ، في الوقت الذي تعلن فيه عكس ذلك ، وكأنها تمارس مايشبه ستراتيجية الغموض النووي التي تنتهجها ” اسرائيل ” ، فلا احد يستطيع الجزم بشكل قطعي ما اذا كانت ايران او ” اسرائيل ” تمتلكان او تقفان على حافة القدرة على امتلاك السلاح النووي خلال وقت قصير ، وهذا يعزز من مكانتهما الدبلوماسية ، ويرغم الاتباع والمناوئين ، على حد سواء ، للتعامل معهما على هذا الاساس .

أحدث المقالات