خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أن كل المؤشرات تشير إلى عودة الحياة إلى تنظيم (داعش) الإرهابي، بعدما قام بتفجيرين متزامنين بـ”بغداد”، يوم الخميس الماضي، والذي قُتل على إثره 32 شخصًا وجُرح 110 آخرين، وهو أكبر عدد من الضحايا لم يشهده “العراق”، منذ ثلاث سنوات، ولم يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل قُتل 11 عنصرًا في قوات (الحشد الشعبي) العراقي، وأصيب 10 آخرون، مساء السبت، في كمين نُسب إلى تنظيم (داعش)، شمالي بغداد.
وفي “سوريا” أيضًا، حيث توالت العمليات العسكرية لهذا التنظيم في مناطق البادية السورية الممتدة بين أرياف محافظة “الرقة وحماة وحمص ودير الزور”، وأحدث تفجيرات وكمائن واغتيالات وهجمات خاطفة، واستهدف الجيش السوري أو التنظيمات الإيرانية أو الخبراء الروس، وأحيانًا القوات الكُردية.
وهذه العمليات هي الأوسع؛ منذ الإعلان الأميركي عن تصفية تنظيم (داعش)، في ربيع 2019، ونجاح “واشنطن” في قتل زعيمه، “أبوبكر البغدادي”. وهو ما يؤكد أن هذا التنظيم ما زال “حيًا يُرزق”، وعاد إلى نشاطه العسكري، معتمدًا أسلوب “حرب العصابات”، ومستقويًا بقدرة عناصره على الانتشار والتخفي ضمن الطبيعة الجغرافية للبادية السورية المترامية الأطراف، والمتصلة مع الحدود العراقية والأردنية والتركية.
وأثار توقيت الانفجارين بـ”بغداد” وما تبعهم من ضحايا لـ (الحشد الشعبي)، العديد من التساؤلات حول صدق التوقعات التي كانت تنبيء بعودة (داعش) من جديد عبر “الذئاب المنفردة”؛ أو ربما تطور الأمر إلى أكثر من ذلك، فأصبح “العراق”، وبجانبه “سوريا”، في خطر من مواجهة نفس المصير السابق مع التنظيم.
تحذيرات سابقة من عودة التنظيم !
وسبق للجانب الفرنسي أن حذر، على لسان وزيرة الدفاع الفرنسية، “فلورنس بارلي”، من إمكانية عودة تنظيم ما يسمى “الدولة الإسلامية”، الذي قد يعود إلى الظهور مجددًا في “سوريا” و”العراق”.
وقالت “بارلي”؛ إن: “فرنسا ترى أن (داعش) الإرهابي لا زال موجودًا. حتى أنه يمكن الحديث عن شكل من أشكال عودة ظهوره في سوريا والعراق”.
وأضافت أنه: “منذ سقوط بلدة الباغوز، في وادي الفرات، حيث كان المعقل الأخير للتنظيم، يمكن أن نلاحظ أن (داعش) تستعيد قوتها في سوريا”.
وأكدت “بارلي” أن التنظيم: “يُعيد بناء صفوفه في العراق أيضًا”، معتبرة أن تنظيم الدولة الإسلامية: “لم يتم إجتثاته بالكامل في بلاد الشام. لذا نحن لا نزال هناك عبر مهمات تدريبية وعبر مقاتلاتنا”.
3000 مقاتل داعشي..
تقرير لـ”المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب”، كشف أن توقيت ظهور التنظيم الآن يُثير الكثير من الاتهامات حول “إيران”، وذلك ومع خطوات اتخذها رئيس الحكومة العراقية، يمكن وصفها بأنها خطوات جريئة، تثير حفيظة الجماعات المسلحة العراقية.
وأضاف التقرير، أن التنظيم الإرهابي في “العراق”، قام بمهاجمة أهداف ليست رخوة، مواقع للجيش ولـ (الحشد الشعبي)، واستخدم فيه أسلحة وذخيرة كثيفة، ما يعني أن التنظيم مازال يحصل على الدعم اللوجيستي والتمويل.
وكشفت مصادر المعلومات من داخل “العراق”، عن حصول تنظيم (داعش)، فقط من الإتاوات وقطع الطرق، بما يعادل 3 ملايين دولار سنويًا، إلى جانب ما يملك التنظيم من استثمارات تجارية ومالية تحت “واجهات” في العراق.
وتابع التقرير، أن تقديرات الاستخبارات العراقية، وكذلك (البنتاغون)، كانت تُقدر عديد تنظيم (داعش) في “العراق” و”سوريا”، لا يتجاوز ستة الآلاف مقاتل، ما بعد خسارة “الباغوز”، في آذار/مارس من عام 2019، تقول تقارير استخباراتية أخرى؛ أن عدد مقاتلي (داعش)، في “العراق”، يُعتقد أنه يتراوح بين 2500 و3000.
وتابع التقرير، أن تنظيم (داعش) يعمل بشكل متزايد مثل سلفه، (القاعدة) في العراق، ولم يُعد بحاجة إلى نفس الموارد التي كان يفعلها عندما كانت أيام “الخلافة”، وأضاف مسؤول الخزانة أن المصدر الرئيس لدخل المجموعة؛ هو إبتزاز خطوط إمدادات “النفط” عبر المنطقة. كما أن تنظيم (داعش) ما زال يعيش على المكاسب التي بنته خلال ذروة قوته.
الباعث سياسي..
عن هذا الموضوع؛ يرى الخبير العسكري والإستراتيجي، الدكتور “أحمد الشريفي”؛ أن: “المرحلة المقبلة ستشهد انتكاسة أمنية بسبب المتغيرات الدولية، فالانتخابات الأميركية ليست ببعيدة عن ذلك، فضلاً عن المتغيرات الداخلية والإقليمية، إذ سيُفعل دور الإرهاب، كي يعود العراق إلى دائرة الصراع، بسبب التوازنات الدولية والإقليمية”.
مضيفًا أن: “هناك خطأ في الإدارة الأمنية، كونها خضعت لفترات طويلة إلى المحاصصة الحزبية، التي أضعفت الأداء، لكن لماذا نشط الإرهاب الآن مع وجود نفس الخطط الأمنية، معنى ذلك أن الباعث سياسي لهذه التحركات الإرهابية”.
وأوضح “الشريفي”؛ أن: “الحكومة كانت مُحرجة جراء العملية الإرهابية في بغداد، واتخذت عدة خطوات، وهذه الخطوات لن تؤدي إلى انخفاض وتيرة الإرهاب، ذلك أن الأداء التقليدي نفسه موجود، في ظل ضعف القيادة والإشراف”.
يوظف لخدمة المشاريع المتصارعة بالعراق !
وقال موقع (الأنباء) الكويتية؛ أن عودة “الروح” إلى (داعش)، وعودة التنظيم الإرهابي إلى المشهد العراقي لا تأتي من فراغ ولا تمثل تطورًا معزولاً في المكان والزمان، وإنما تأتي من ضمن سياق عام يجري فيه استخدام (داعش) لأغراض وأهداف سياسية وتوظيفه في خدمة المشاريع المتصارعة على أرض “العراق”.. وبالإمكان وضع العمليات الإرهابية العائدة في عدة أطر؛ أبرزها :
٭ رفع درجة ونوعية الضغوط على حكومة، “مصطفى الكاظمي”، لإرباكها وإضعافها، وصولاً إلى إسقاطها في الامتحان الأمني، قبل الوصول إلى محطة الانتخابات، خصوصًا أن طبيعة المرحلة الجديدة بين “إيران” و”أميركا” تفترض حكومة جديدة بدل حكومة “الكاظمي”، التي قامت بأداء متوازن أقرب ما يكون إلى “الحياد السلبي”، وكانت بمنزلة منطقة سياسية عازلة.
٭ إعاقة مشروع الانسحاب الأميركي من “العراق”، سواء جاء هذا الانسحاب بناءً على رغبة وأجندة أميركية في “العراق” و”أفغانستان”، أو جاء بناء على رغبة إيرانية ظهرت إثر اغتيال، اللواء “قاسم سليماني”، وكأحد أوجه الرد على هذا الاغتيال، وتُرجمت في قرار “البرلمان العراقي” الداعي إلى انسحاب القوات الأميركية.. فهذا الانفجار، الذي ستليه سلسلة انفجارات، ستكون نتيجته الأولى إشاعة أجواء القلق والخوف من أن يكون الانسحاب الأميركي سببًا ومدخلاً لعودة تنظيم (داعش) وقيامه بتحرك ميداني واسع، وبالتالي التمسك بالوجود الأميركي والمطالبة بضرورة بقاء القوات الأميركية؛ وطي صفحة الانسحاب.
سيناريو مُعد للمنطقة..
من جهته، يقول المحلل السياسي العراقي، الدكتور “عادل الأشرم”، إن المعطيات الموجودة على الأرض في “العراق” توحي بأن هناك سيناريو مُعد للمنطقة، وبات معروفًا اليوم أن هذا السيناريو مرتبط بأجهزة إقليمية ودولية، “وبالتالي فإن تنظيم (داعش) الإرهابي له علة لدى الجهات الدولية، التي صنعته، لتحقيق مصالحها وإرباك الوضع في العراق والمنطقة، حيث تستخدم (داعش) كورقة للضغط على بعض الجهات أو الدول وهذا ما يبدو للمراقبين الآن”.
وأضاف “الأشرم”، لـ (سبوتنيك)، أن توقيت ظهور التنظيم الآن والعمليات الإجرامية له، ويتم الإعلان في الإعلام أن التنظيم موجود، يعطي إنطباع واضح عما يتم التدبير له، حيث كان يعمل على التنظيم من خلال الميليشيات، طوال الفترة الماضية، والتي ثبت بالدليل القاطع من خلال عمليات تحرير “العراق”، أنها كانت تتواطأ مع الكثير من عناصره، لذلك هي اليوم تحرك تلك العناصر من أجل إرباك الوضع، خصوصًا أن “العراق” مقبل على انتخابات؛ وهناك تذمر من بعض الجهات الإقليمية.
تتشابه مع أجواء 2014..
وأوضح “الأشرم”؛ أن: “السيناريو الذي حدث قبل عدة أيام، من تفجيرات كبيرة في العاصمة بغداد، كان مهيأ له من قبل، كالحالة التي سبقت ظهور التنظيم، في العام 2014، حيث شوهد بالدليل القاطع أن هناك تحركات مريبة لبعض العناصر الإجرامية، كانت تؤكد أن هناك عملاً ما يتم الإعداد له في هذا التوقيت، وذلك قبل حدوث الانفجارات”.
وأشار “الأشرم”: “إلى أن الأجواء الحالية شبيهة بما حدث، في العام 2014، من خلال المعطيات على الأرض، ونعني بتلك المعطيات أن هناك تواطؤ حكومي وميليشياوي وأيضًا تواطؤ دولي من جانب الجهات الفاعلة على الأرض مع تلك التنظيمات الإرهابية، وهي من تسمح لها بأن تتوغل داخل النسيج المجتمعي والجغرافي، وأيضًا من ناحية دخولها إلى النسيج الأمني، وتلك هي الخطورة الأكبر”.
استخدام التنظيم من مصلحة إيران..
لافتًا إلى أن: “التنظيم على الأرض هو أضعف ما يكون، لأنه مرفوض شعبيًا وجغرافيًا واجتماعيًا، وهو ما يؤكد أن الجهات النافذة غير الرسمية المتواجدة على الأرض هي من تُحرك تلك الورقة وتهييء لها الأجواء، وبالتالي تسمح بعودتها مجددًا حتى تحقق كثيرًا من مصالحها، حيث استخدمت هذا التنظيم في ضرب الوحدة العراقية، وأيضًا في ضرب الوحدة السورية، واستخدمتها في تحقيق مصالح لدول إقليمية لكي تهيمن على الأرض العراقية السورية وهي إيران”.
وأكد “الأشرم”؛ أن: “استخدام التنظيم اليوم، على مستوى العراق، هو من مصلحة إيران إرباك الوضع وتعطيل الانتخابات وإعادة تدشين الواجهة السياسية بعد العام، 2003، وترسل رسائل للمجتمع العراقي من أجل عدم السماح بظهور وعي اجتماعي مشترك، والذي أرسته، ثورة تشرين، عن طريق تحريك هذا التنظيم وإرباك المجتمع”.
تكاتف عربي دولي للتصدي لإجرامه..
ولفت المحلل السياسي إلى أنه تم الإبقاء على الكثير من عناصر التنظيم بعد عملية التحرير، والتي تمتلك تاريخ أسود من الإجرام وتم زجها في الحشود العشائرية والحشود الرديفة والجهات الأمنية المسؤولة، حيث أن بعض الموالين للتنظيم مسؤولين، كما أن وزراء كبار لديهم الكثير من الإرتباطات مع هذه العناصر الإجرامية، إذا هم أبقوا تلك العناصر ليحركوها وقتما شاؤوا، وخلال السنوات الأربع الماضية؛ كان هناك تحجيم لهذا التنظيم والدور الإيراني المرادف له، والآن تبدلت الإدارة الأميركية، ويبدو أن هناك توافق كالذي حدث في عهد “أوباما”.
ودعا “الأشرم”، الشعب العراقي والدول العربية والمجتمع الإقليمي والدولي المحب للسلام وجميع من يريد التصدي لهذا الإجرام؛ أن يأخذ هذا الأمر بعين الجِد، وتكون هناك نظرة عربية جماعية مدعومة بقرارات دولية مهمة للتصدي لهذه الظاهرة التي تريد نسف تلك الدول من أساسها.
واستطرد: “عودة التنظيم، هذه المرة، ربما لا يكون بنفس الشكل السابق، فقد يتم استخدام بعض المسميات والعناوين، لكن تظل الأداة والهدف واحدة من حيث التدمير والاستهداف، الخطور ليست في تغيير الأسماء والأشخاص بقدر تعلقها بالهدف من هذا الإجرام، علاوة على أن قوة التنظيم وضعفه مرتبط بالأجهزة العامة للدولة والمكونات التي تعمل خارج نطاق الجيش والشرطة”.
يعمل على استمرار تواجده في الميدان..
من جانبه قال المحلل السياسي العراقي، “أياد العناز”، إن: “سياسة وتوجهات تنظيم (داعش) وأساليبه تعمل دائمًا على استمرار تواجده في الميدان، واستخدام جميع الأدوات والوسائل التي تساعده في تنفيذ عملياته، ونعلم أن تلك المجاميع لديها القدرة على التحكم والانتشار ومعالجة الإخفاقات التي تصادفها، حيث أن طبيعة التنظيم أنه يتمكن من استعادة قدراته والتحرك بحرية في المناطق المفتوحة”.
مضيفًا أن: “التنظيم استطاع أن يكتسب خبرة جيدة في التعامل الميداني على الأرض العراقية، ويستغل الثغرات الأمنية وضعف الإجراءات المتخذة والأساليب المتبعة من قِبل القوات الأمنية والعسكرية، ويدرس ويلاحظ طبيعة الانتشار لهذه القوات، ومدى إمكانياتها وأساليب مواجهتها، وطبيعة الوسائل المتبعة في تنفيذ عملياتها وخططها، ولهذا نراه ينشط في الأماكن الرخوة أو في المقرات البعيدة عن المركز، وبعض التجمعات أو نقاط المراقبة الميدانية للقوات الأمنية”.
مسارات العمل المستقبلي للتنظيم..
وتابع المحلل السياسي، “العناز”: “يعمل التنظيم على دراسة الأوضاع السائدة في البلاد، واستغلال حالة فقدان التوازن السياسي والخلافات والمناكفات بين الأحزاب والكتل السياسية وحكومة بغداد وطبيعة العلاقة بينهما، إضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية القائمة الآن في العراق، وانخفاض سعر العُملة العراقية تجاه العُملات الأجنبية، وعدم وجود ملامح حقيقية لانتشال الاقتصاد الوطني من محنته، وفقدان المشاريع التنموية والقدرة على بناء تنمية اجتماعية ترفع المعاناة عن كاهل المواطن العراقي، الذي يعيش حالة اقتصادية متردية، بعد أن وصلت نسبة البطالة في البلاد إلى 40%، مع عدم وجود أدوات حقيقية لمواجهة الأزمات التي تعصف بالمجتمع العراقي”.
وأشار “العناز”؛ إلى أن: “تلك المجاميع الإرهابية من الدواعش سوف تستمر في القيام بعملياتها هنا أو هناك، حسب المعلومات التي تتوفر لها والمتابعة الميدانية من قبل عناصرها والحدود والإمكانيات المتوفرة لديها حاليًا وتتناسب طرديًا مع طبيعة الإجراءات والخطط الاستخبارية التي تقوم بها القوات الأمنية والعسكرية في الميدان، هذا يحدد مسارات العمل المستقبلي للتنظيم، مع الأخذ بالاعتبارات أن الأحداث التي وقعت في السنوات السابقة لا تتشابه والأوضاع والوقائع الميدانية الآن”.