تعرض العراق الى العديد من الأزمات الأقتصادية خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث أثبتت الوقائع على اٍن الدولة العراقية لم تكن لها القدرة في مواجهة هذه الأزمات بالرغم من ما تمتلكه من أمكانيات هائلة من مواد وعناصر الأنتاج كانت مادية او بشرية. أعتمد النظام السابق على النظام الأقتصادي المركزي الريعي، وتفاقمت الأزمة الأقتصادية العراقية بعد الغزو الأميركي عام 2003 لأسباب عديدة، وتغيرحينها النمط الأقتصادي الى النظام الأقتصادي الريعي ـ الليبرالي، بحيث أعتمد في نتاج عائداته النقدية على المصدر الوحيد الطبيعي وهو الريع النفطي، في ظل تلاشي الفعاليات الأنتاجية الأقتصادية الأخرى، بحيث يكاد يكون الناتج الأجمالي القومي صفراً خارج المجال النفطي.
بعد تدمير البنى التحتية للعراق بعد عام 2003 ومن خلالها أنهارت المنظومات السياسية، الأقتصادية، الأدارية، المالية،الخدماتية وكذلك المؤسسات الأمنية، أصدر حينها المحتل عدد من التشريعات والقوانين لتمشية أمور الدولة طبق مواصفاته، بحيث خلق من بعدها أزمة حقيقية وهي غياب مفهوم الوطنية، والذي أستطاع أن يجسد مفهوم التباين بين أبناء المجتمع الواحد، ووضعت البلد تحت نيران النزاعات الدينية، الطائفية والعرقية، وأمسى العراق بلد المكونات خلال دستوره اللاوطني. وأنعكس نتائج الوضع أعلاه على معيار توزيع الثروات الأقتصادية العراقية على شكل معيار طائفي مقيت خاصة بعد جلاء قوات الجيش المحتل عام 2011، وأنعكس بدوره على آداء الأقتصاد العراقي. حيث عمدت الولايات المتحدة الأميركية الى عملية تحرير شامل للأقتصاد العراقي وأستخدام التجارة الحرة بدون وجود أسس وضوابط معينة يستطيع مواجهة اقتصاديات دول الجوار والعالم، بحيث سمح بفتح الأسواق العراقية بمصراعيها أمام البضائع الأجنبية، وأدت هذه العملية الى تدهور القطاع الصناعي والزراعي الوطني.
أزدادت العائدات النقدية العراقية مابين عام 2003 ـ 2010 وذلك بسبب أرتفاع أسعار النفط ، وأثبتت الوقائع بأرتفاع مؤشر النمو الأقتصادي فقط بدون أي أثر فعال في مجال التنمية و ذلك تبين الأحصائيات اٍن العائد النقدي العراقي تجاوز الــ 900 مليارد دولار من العائدات النفطية فقط، ولكنها تلاشت في النظام الأداري والمالي الفاسد من خلال أكبر عملية فساد منهجية ظهرت في تاريخ العراق المعاصر، والذي أعتبر العراق خلالها من أسوأ الدول المتعاملة في مجال التجارة والأستثمارات، واٍن مجمل أستثمارات الدولة لاتذهب الى مشاريع التنمية الوطنية بسبب هذا الفساد ضمن الأقتصاد المنفلت ،وهذا ما أكدته منظمة الشفافية الدولية في تقاريرها الدورية، وتم خلالها تصنيف العراق في المرتبة 170 من بين 175 دولة أكثر فساداً في العالم، وكذلك تم تصنيف العراق بالمرتبة 156 من بين 185 دولة سيئة في مجال ممارسة الأعمال التجارية والأستثمار.
ونود التطرق الى أهمية عامل الأستثمار في دفع عجلة التنمية الأقتصادية الى أمام، حيث يعمل على زيادة السلع والخدمات المنتجة، يعمل على تخفيض نسبة البطالة، رفع المستوى المعاشي، وتوفير العملة الصعبة وغيرها. ومن هنا عندما يشهد العراق أي أزمة أقتصادية، نلاحظ هرولة النظام السياسي نحو الحديث عن ضرورة جلب الأستثمارات الأجنبية والمحلية من تصحيح الوضع الأقتصادي، ودعواتهم هذه تكاد فاشلة وليس لها أرضية خصبة بفضل تضاربات القانونية، العامل الأمني والفساد البيروقراطي الأداري والمالي. وكما هو معلوم بأن العراق أقرعام 2006 قانون الأستثمار رقم ( 13 )، والتي تأسست من خلاله الهيئة الوطنية للأستثمار، والتي نصت أهم بنوده على تشجيع القطاع الخاص المحلي والأجنبي والمختلط للأستثمار في العراق، من خلال توفير كافة السبل والتسهيلات للمشاريع الأستثمارية، ومن ثم تنمية عوامل الأنتاج وتوفير فرص العمل للعراقيين.، وبالنتيجة توسيع الصادرات وتعزيز عملية التبادل التجاري و أخيراً توفير الحماية الكاملة لأمن وحقوق وممتلكات المستثمر.
بالرغم من مرور أكثر من 14 عاماً على أصدار هذا القانون اٍلا اٍنه لم يرى النور وبقي حبراً على الورق ولم يتم اٍكمال اٍلا الجزء الضئيل في بعض المناطق. ويرجح عدد من الأسباب التي أدت الى عدم تفعيل القانون أعلاه :
1 ـ عدم وجود شروط الدولة السيادية في العراق، والتي من خلالها يمكن فرض سيطرتها على مجمل الأمور، فغياب القانون ومن ثم سيطرة الميليشيات والأحزاب الطائفية والعرقية على القرار السياسي والأقتصادي للبلد، مجمل العوامل أعلاه سوف تعرقل بدورها مشاركة اي مستثمر بالدخول الى السوق العراقية المظطربة.
2 ـ تفشي الفساد داخل بدن الدولة العراقية والمسبب الرئيسي له هو الأحزاب المسيطرة على القرار الأداري والمالي ضمن الدوائر والوزارات المتعلقة بهذا الشأن ،والتي تنتج حالة تضارب القوانين مابين الدوائرالمعنية ومن ثم كثرة الأتاوي والرشاوي والذي يؤدي الى نفور الشركات المستثمرة الدولية التي تؤدي بدورها يدفعها المستثمر للأحزاب المسيطرة على الدوائر والوزارات المختصة ضمن مجال الأستثمار.
3 ـ قانون الأستثمار العراقي المرقم 13 لعام 2006 لايوفر البيئة المناسبة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية ولم يواكب أسس الأستثمار والتشريعات المطبقة في أغلب بلاد العالم، مثال الضمانات والتسهيلات المالية والخدمية، الأعفاءات الضريبية والكمركية المقدمة للمستثمر الأجنبي، حيث يترنح المستثمر بسبب بيروقاطية القوانين والتشريعات والتي تسيطر عليها الأحزاب والميليشيات المتنفذة وتسييرها حسب هوائها، وبهذا لم تتكن الدولة العراقية في حماية المستثمر من الناحية الأمنية، المالية والأدارية.
4 ـ عدم وجود نظام مصرفي مثالي ومؤهل لخلق أرضية خصبة يمكن من خلالها جذب رؤوس الأموال المستثمرة، حيث تبين الأحصائيات بأن العراق لديه حوالي 45 بنك خاص، اٍضافة الى 7 بنوك حكومية وغلبيتها لاترتقي الى المستوى والكفاءة المطلوبة من مواكبتها للتطور التكنلوجي المتوفر في المصارف العالمية، بالأضافة الى المشكلة الأكبر والمتمثلة بعمليات الفساد الكبري والتي يؤديها البنك المرطزي العراقي من عملية غسيل الأموال وتهريبها.
5 ـ عدم الأستقرارالأمني والسياسي وسوء واقع الخدمات المتمثلة بعوامل الأنتاج كالكهرباء والماء والطرق وغيرها.
علماً بان الدولة أنفقت الملياردات من الدولارات على عمل الهيئة الوطنية للأستثمار ودوائرها الفرعية في المحافظات وايفادات الكثيرة لوظفيها داخل البلد وخارجه، ولم تنجز الحد الأدنى من المشاريع ، لذلك وبذلك وفق العراقيل أعلاه، تبين بأن العراق خسر العديد من فرص الأستثمار والتي كان يمكن أن تؤدي الدور الكبير في أعادة بناء العراق .
لذلك يواجه العراق اليوم في ظل حكومة الكاظمي أزمة أقتصادية خانقة من خلال تفشي جانحة كورونا وهبوط أسعار النفط، مع تفشي الوضع السياسي الهش من خلال عدم قدرة الدولة في فرض قبضتها على زمام الأمور وتواصل هيمنة الميليشيات التابعة للأحزاب الطائفية بكافة تلاوينها المذهبية على القرار السياسي والأقتصادي والتي خلقت من خلاله أقتصاد مريض والذي أدى بدوره على تراجع كبير في نسبة الخدمات المقدمة للمواطن العراقي، وارتفاع قياسي في نسبة البطالة وخاصة في شريحة الشباب، والتي أدت الى زيادة الأحتجاجات والمظاهرات السلمية في جميع أنحاء العراق. وتظهر الأحصائيات الأقتصادية بحصول أنكماش في الريع النفطي بنسبة 12% ، يقابله أنكماش في الناتج الوطني الغير نفطي بنسبة 5% ، ومن خلاله أنكمش معل النمو الكلي للناتج الوطني بنسبة 10 % لعام 2020 وهو الأسوأ منذ عام 2003، وبذلك أدى التراجع الأقتصادي أعلاه بحدوث أزمة أجتماعية ألقت ظلالها على الأسر العراقية بحيث أزداد معدل الفقر الى نسبة 14 % ليصبح أجمالي عدد الفقراء اليوم تقريباً 10 مليون شخص.