23 ديسمبر، 2024 10:33 م

السعودية بين نارين ( الاصلاحيين والاخوانجية )

السعودية بين نارين ( الاصلاحيين والاخوانجية )

ابدت الجهات المسؤولة في السعودية مخاوفها من احتمالات حصول تظاهرات سياسية خلال موسم الحج الحالي مما طرح تساؤلات حول جدية هذه المخاوف السعودية ومدى صدقيتها وتفريعا : لماذا تم تشكيل قوات طوارئ لمواجهة اية تظاهرات للحجاج ولماذا حذرت الرياض الحجاج المصريين تحديدا من اي عمل سياسي في موسم الحج ولماذا اجلت السلطات حملة اعتقالات معدة للاصلاحيين السعوديين الى مابعد انتهاء مراسم حج هذا العام .لقراءة هذه الهواجس السعودية لابد من القول ان السلطات السعودية تعاني من انفصام في هوية الشخصية اذا جاز التعبير فهي على الرغم من طلبها من الحجاج بتنحية السياسة جانبًا خلال شعائر الحج، واتخذت لذلك اجراءات مشددة وتوعدت غير المتجاوبين مع دعوتها هذه بالطرد من موسم الحج الا انها وعبر بعض اتباعها من مسؤولي مايسمى بالامربالمعروف يقومون بحملة دعاية لصالح النظام السعودي ولصالح النظام العسكري في مصر ويقول عدد من الحجاج انهم استغربوا تلك الدعوات كما استغربوا تكفير الاخوان ومن يتظاهرون في مصر ضد السلطات العسكرية . ويرى هؤلاء وجود ازدواجية في الموقف السعودي الذي يحاسب على ممارسة السياسة بشكلها السليم والمنطقي فيما يسمح لاتباعه بالدعاية لبعض القضايا والانظمة والسياسات التي تلتقي معه على صعيد واحد.وعليه يرى بعض السياسيين ان الموقف السعودي من قضية الحج مازال متناقضا في الظاهر الا انه في حقيقة الامر متساوق مع المنهج الوهابي الذي يحرص على تجهيل الناس وعلى ابقائهم تحت رحمة الحكومات الديكتاتورية والاحتلالات الخارجية وراينا ان السعودية واجهت منذ البداية اي تحرك سياسي في موسم الحج ينسجم مع الحج الابراهيمي من اجل تفعيل هذه الفريضة وتوجيهها التوجيه المناسب بما يخدم امال وتطلعات الامة والتفاعل مع قضاياها المصيرية ودرء العدوان الخارجي عليها وتحصين الامة من المفاسد ومن الافكار والبدع المخالفة لعقيدتها واصالتها بيد ان الحكومة السعودية وجيوش الفكر الوهابي لايرغبون بذلك ويعتبرون اية صيحة حق في موسم الحج بدعة وتعكيرا لموسم الحج واعتداءا على حرمته لذلك حاربت هذا الاتجاه لدرجة ارتكبت مجزرة ضد الحجاج الايرانيين لخروجهم في احد الاعوام بمسيرات البراءة من المشركين مما اثار وقتها تساؤلات عن حقيقة وواقع التعاطي السعودي مع قضية الحج ومع حقوق الحجاج ومع اصالة الحج الابراهيمي ذاته. مايلاحظ ان موسم الحج العام الحالي وضع الحكومة السعودية امام اشكاليات عديدة فهي وعلى الرغم من تقليل اعداد الحجاج وابتكار تقنيات جديدة لمراقبة الحجيج والتجسس عليهم واقحامها لشركة صهيونية بذريعة حماية الحجاج والمقدسات الا انها مازالت تعيش مخاوف خروج اية جماعات تحت اي مظهر سياسي وتحت اي عنوان لايلتقي ومعتقداتها السياسية والفكرية .كما انها وضعت نفسها في خلاف حتى مع الجماعات الفكرية التي تلتقي معها عندما تدخلت في الشان المصري وتورطت مع تيار جماعة الاخوان المسلمين الذين يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع السعودي وهم يعتبرون من اوعى مكونات الدائرة الفكرية المرتبطة بالنظام السعودي.وبالتالي فالسلطات السعودية وتحت تاثير الضغط الامريكي الصهيوني دخلت في مرحلة من الانكشاف السياسي امام اهم مكون سياسي طائفي قديم ومنتشر في العالم لتدخل معه معركة العداء والذي قد يتحول الى انتقام متبادل .من هذه المرتكزات نكون قد توصلنا الى فهم واضح بان السلطات السعودية وقعت عبر سياستها المناهضة للاخوان المسلمين بين نارين كما يقولون فهي تخشى هذه الشريحة في الداخل والتي هي نتشربة بفكر الاخوان او على الاقل تتعاطف معهم  وبالتالي فهي ترفض تورط النظام السياسي السعودي بالشان المصري ودخوله على خط محاربة تيار الاخوان المسلمين وتسليط نظام السيسي عليهم لدرجة اراقة الدماء في ميدان التحرير وقبلها في رابعة العدوية  كما ان السلطات السعودية  تخشى من الحجاج المصريين والفلسطينيين وحتى الحجاج الاتراك لكون الكثير منهم ينتمون بشكل او باخر للتيار الاخوانى الذي هو بالاساس تيار عالمي وله امتدادات وانتشار عالمي مما يعني ان السعودية فقدت تيار مهم من الطائفة السنية الذي كان يتناغم معها ولو من باب العنوان الطائفي ومن هنا فهي امام خيارين احلاهما مرّ اما اعتقال اقطاب هذا التيار المتواجدين في الداخل مما قد يؤدي الى ردود افعال داخلية تشوه سمعتها امام الحجيج واما ان تتركهم ولكنها ستعيش هاجس الخوف حتى انتهاء موسم الحج .ومع انها اختارت الانتظار والتريث الا انها لجات الى الخيارات الامنية والرقابة المشددة مما سيترك بصماته السلبية على قناعات الحجيج ويعكس تصوراتهم المخدوعة نتيجة  الدعاية السعودية الممولة بدولارات النفط لتحسين صورتهم في الخارج. وازاء هذه المفردات يرى العديد من المتابعين ان الهرم الحاكم في الرياض مازال بعيدا عن واقع المتغييرات الجارية في العالم بل اثبت انه نظام ببغائي يتلقى اوامره من الخارج دون اي تمحيص او مردود ربما قد يؤثر على مستقبله السياسي او تراكماته الفكرية التي باتت تشكل ازعاجا حتى لمكوناته السياسية ان وقوعه تحت تاثير الازمات الاقليمية ودخوله على خط الاحداث الاخيرة في سوريا ومصر وتونس وليبيا كل ذلك جعله في دائرة تجاذبات اكبر من قدراته السياسية بل باتت هذه الاحداث تكشف عن فجواته الفكرية وعن مزاعمه الوطنية ولتسقط اوراق التوت التي كان يتخندق ورائها وبالتالي افرزت هذا التجييش الداخلي الذي بات يتململ وباتت مطالبه تظهر للعيان مما يشكل خطرا استراتيجيا على مستقبل بل ومصير النظام .كما ان النظام السعودي يعيش هاجس الخوف من موسم الحج باعتباره يرمز الى وحدة المسلمين والى التضحية والتعاون الاسلامي المصيري المشترك وضرورة التخلص من الواجهات الطائفية والقومية والمناطقية والخضوع لوحدة العقيدة ووحدة الفكر والمصير وهذه المفردات وحسب المراقبين فان هذه الافاق لاتروق للنظام ولاتتواصل مع منجهه التفريقي الطائفي التجهيلي ومن هنا فانه يتخذ كل وسائل الحيطة والحذر لمنع هذه التوجهات ويتوسل بكل الاساليب لرميها بشتى الاتهامات من اجل تفعيل ماكنته المنافية لذلك والمتناقضة مع هذه الحقائق .