لعل أبرز مشاكل أداء الجهاز الحكـومـي بكافة تشكيلاتـه و مستوياته هو سوء الأدارة .. ويشمل ذلك أيضاً القطاع الخاص مـُمثلاً بالشركات و المقاولين .. و سوء الأدارة في الواقع ليس وليد اليوم ، بل يمتد الى سنين طويلة سابقـة ، من ناحية أخـرى نجد أن أداء مؤسسات الدولة الخدمية يشوبه الفوضـى و الأجتهادات و كـُـثرة الحلقات الأدارية و الروتين و أحيان كثيرة الفساد و الرشوة ..! مما يـُـشكـّل عبئاً ثقيلاً و معاناة كبيرة على المواطنين عند أحتياجهم لهذه الخدمات .
ما السبيل لتحسين الأداء ” الأنتاجي والخدمي ” لمؤسسات الدولة ودوائرها وشركاتها أبتداءاً من أصغر مرفق خدمـــي أو انتاجي مروراً بالمصارف والبنوك والجامعات ودوائر الدولة المختلفة الى المنشـــئأت والشركات الصناعية الكبيرة .. و كذلك شركات و مؤسسات القطاع الخاص …؟؟
الحل هو ” حُســــــن الأدارة ” والذي هو نقيض ” ســــوء الأدارة ” .. وحُســـن الأدارة يتأتى من أتباع أساليب العمل الأداري الحديثة أو ما يُطلق عليه ” نظام أدارة الجودة ” وهو نظام مُتّبـــع في جميع أنحاء العالم المتقدم ، وهو ما يلمسه المرء عند تعاملـه مع أي جهة أنتاجية أو خدمية في هذه البلدان حيث كل شئ مٌنَظم ومنضبط ويجري في سياقات مُرتّــــبة مما يؤدي الى زيادة أنتاجيتها وكفائتها في الأداء وبالتالي زيادة أرباحها ، و تتسابق الجهات المذكورة للعمل بموجب” نظام أدارة الجودة ” وذلك للمنافع والمكاسب الكثيرة التي يوفرها لها العمل بموجبه وهذا ما سنتطرق له لاحقاً. ونُظم أدارة الجودة تشمل القطاع العام والقطاع الخاص .. لافرق ما دام الهدف واحد وهو كفاءة الأداء وجودة الأنتاج.
• ماذا نعني بسوء الأدارة : هي سوء أستخدام الموارد المُتاحة …!!
والموارد المتاحــة هي :
1- الموارد المالية ( ميزانية ، قروض ، هِـــبات ، تبرعات ).
2- الموارد البشرية ( أداريين ، مهندسين ، موظفين ، فنيين ، عمال )
3- الموارد المادية ( معدات، مكائن، عدد عمل، وسائط نقل، وسائل أتصال، أجهزة مكتبية ، مخازن ، مواد أحتياطية، مواد أولية …الخ ).
4- الوقـــــــــــت.
ففي حالة سوء أستخدام كل أو جزء أو أحــد من هذه الموارد يؤدي الى تلكوء أداء أي مرفق صناعي او تجاري او خدمي ، أن لم نقل فشله وخسارته ، ولكي يُـــــصار الى الأستخدام الأمثل لهذه الموارد ، على الجهة المعنية وضع ” نظام أدارة جودة ” خاص بها وحســــب طبيعة نشاطها.
• ماذا نعني بـ ” نظام أدارة الجودة ” : ( Quality Management System – QMS )
– هو مجموعة السياسات والأجراءات والسياقات والنُظم التي تضعها الجهة المعنية لأدارة عملها بما يؤدي لتحقيق أعلى كفاءة في الأداء وأفضل جودة في الأنتاج، والأنتاج هنا ( صناعي ، تجاري ، خدمــي ) ، والمقصود بالجودة هو ( تحقيق متطلبات الزبون) لأن الهدف النهائي لأي نشاط صناعي أو تجاري أو خدمي هو رضى الزبون ، والزبون هنا قد يكون فرد (مواطن ) أو جهة رسمية أو شركة أو منظمة أو ما شابه ..!
ويمكن القول أيضاً أن الجودة تعني : تحقيق المواصفات المطلوبة للمُنـــــتَج والتي تلبّي أحتياجات الزبون…! والذي يضع السياسات العامة لأدارة الجودة هي الأدارة العليا للجهة المعنية..!
ولغرض قيام أية جهة بوضع ” نظام أدارة جودة ” لها يجب أن يتوفر عنصرين مُهمّين :
1- الأيمان بضرورة وأهمية أتباع ( نظام أدارة الجودة ).
2- توفر الكادر البشري الكفوء والقادر على وضع ( نظام أدارة الجودة ) بما يتلائم وطبيعة النشاط الذي تقوم به الجهة المعنية حيث أن نظام الجودة في البنوك والمصارف مثلاً يختلف عنه في الجامعات أو الشركات … وهكذا.
• كيفية تأسيس نظام أدارة جودة :
لكي تبدأ الجهة المعنية بوضع نظام أدارة جودة لها ( مع أفتراض توفر العنصرين المُشار اليهما أعلاه)، عليها أتباع الخطوات التالية :
1- تحديد أهدافها وطبيعة عملها الحالي ، والأهـــداف المستقبلية التي تروم تحقيقها.
2- تحديد وتعريف الأنشطة والفعاليات التي تمارسها الجهة المعنية والتي يــــتطلبها تحقيق ألأهداف الحالية والمستقبلية
3- وضع سياقات عمل لكل فعالية أو نشاط ( procedures ) تُمارسه الجهة المعنية ضمن أختصاصها وطبيعة عملها، مثلاً سياق عمل للأيفادات, سياق عمل للمشتريات، سياق عمل للمخازن , سياق عمل للتوظيف … وهكذا.
4 – وضع أستمارات ( forms ) لتسهيل تنفيذ وتطبيق سياقات العمل.
5 – أعداد نظام رقابة داخلي ( Internal Auditing System ) للتحقق من تطبيق نظام أدارة الجودة بشكل صحيح.
• ولكي نضع سياق عمل لكل فعالية أو نشاط يجب أتباع الخطوات التالية :
1- وضع نظام ترقيم وأرشـــفة خاص بالجهة المعنية يستعمل في جميع المراسلات والمخاطبات والأوراق المُتعلقة بالأنشطة الداخلية والخارجية لها ( Documents Controlling System ).
2- تحديد الغرض من الفعالية.
3- تحديد أهداف الفعالية.
4- تحديد الأشخاص الموكل اليهم تنفيذ الفعالية مع توصيف مسؤولية كل واحد.
5- تعريف تفاصيل الفعالية.
6- تحديد الأستمارات الخاصة لتطبيق الفعالية.
7- تحديد توقيتات المراجعة والتحديث لسياق عمل الفعالية بمجمله وحسب الملاحظات المتولدة عن التطبيق ( Updating ).
8- تحديد طريقة حفظ الوثائق والمراسلات والخرائط الخاصة بالفعالية وأين يتم حفظها ( documentation ).
بعد أتمام أعداد نظام أدارة الجودة ( QMS ) ونظام المراقبة الداخلي ( IAS )، تبدأ الجهة المعنية بالعمل على تطبيقه في تفاصيل نشاطاتها وحركة العمل فيها، ويعتبر هذا النظام بمثابة البوصــــلة التي توجّه فعالية وحركة الجهة المعنية بأتجاه تحقيق أهدافها، أما بالنسبة لشركات المقاولات والمشاريع فعليها وضع خطة ضمان الجودة وخطة سيطرة نوعية لكل مشروع على حِـــــدَه أستناداً الى سياسة الجودة التي وضعتها في نظام أدارة الجودة وحســب طبيعة المشروع، وهو ما يطلق عليه :(Quality Assurance / Quality Control- QA/QC Plan) ويمكن تعريفه بأنه خطة لضمان جودة الأداء والتنفيذ لمشروع ما ، بما يتوافق مع المواصفات المطلوبة من قبل الزبون , وكذلك للسيطرة النوعية على مفردات التنفيذ المقررة للمشروع أستناداً الى خطة ضمان الجودة ، أي أن الـ ( QA ) هي خطة ضمان الجودة للمشروع و الــ ( QC ) هي خطة تنفيذ للـ ( QA ) ، وتتطلب خطة التنفيذ أعداد خطة للكشف والفحص ( Inspection & Test Plan ) لجميع مفردات المشروع المُــــزمع تنفيذه.
• فوائـــــــد نظام أدارة الجودة :
1- تحقيق أعلى كفاءة في الأداء وأفضل جودة في الأنتاج، مما يُحقق متطلبات الزبون ويحقق ربحية عالية للجهة المعنية.
2- سهولة تشخيص مواطن الخلل والضعف في الأداء وبالتالي سهولة تجاوزها.
3- سهولة تشخيص الموظفين الكفوئين والمخلصين في العمل عن الموظفين المتكاسلين وقليلي الكفاءة ، وبالتالي معالجة هذا الخلل أما عن طريق التبديل أو عن طريق التدريب.
4- الأستخدام الأمثل للموارد المتاحــــــــة .. وبالتالي لن يحصل هدر فيها .
5- – زيادة أمكانية تطوير نشاطات الجهة المعنية وأضافــــة فعاليات جديدة لها والتخطيط للمستقبل بشكل صحيح ، مما يؤدي الى توسيع أعمالها وبالتالي زيادة أرباحها.
6- – تحقيق نظام توثيق مُحكم لكل الأوراق والمراسلات وبالتالي يمكن الرجوع بسهولة لأي وثيقة أو مُراسلة ( Documents Controlling
7- القدرة التنافسية العالية على المستوى المحلي والدولي.
8- تحقيق ســـمعة مُحتــــــــرمة في الداخل والخارج.
9- تضييق الخناق على منافذ الفساد و الرشوة من خلال ألغاء الحلقات الزائدة في العمل الأداري.
والحديث عن ” نظام أدارة الجودة ” لابـــد أن يقودنا الى الحديث عن ” الآيزو ” ، ويجب التأكيد هنا أن هدف كل جهة أقتصادية أو تجارية أو خــــدمية هو الحصول على ” شهادة الآيزو ” من أجل تأكيد أفضليتها وتُمييّزها عن أقرانها، وهذا لا يتأتى ألاّ من خلال وضع نظام أدارة جودة فعال وناجح ، وهنا لابد من تأكيد نقطة هامـــة هي أن نظام الآيزو شئ وشهادة الآيزو شئ آخر .. كما سنوضح ذلك لاحقاً .
( ISO الآيزو ) ( International Organization for Standardization ) أو المنظمة العالمية للتقييس وهي أتحاد عالمي مقره جنيف، تأسس عام 1947 ويضم حالياً 158 هيئة تقييس وطنية ، تعمل في مجال توحــــيد نُظم التقييــــــس العالمية لمُختلف السلع والمنتجات والخدمات من خلال أصدار سلسلة من المقاييس التي تُغطي مختلف الأنشطة الأقتصادية ، وضع معايير عالمية مقبولة من أغلب الدول والمنظمات وذلك لتوحيد القياس العالمي في مختلف مجالات العمل ، و العمل على تحسين وتطوير المعايير الدولية ، و الاسهام في تحرير التجارة العالمية وصياغة منتج وخدمة عالمية منافسة والاسهام في تقارب ظروف العمل ورفع مستوى جودة العمل العالمي وتقليل التكاليف و تسهيل تطبيق نظم الجودة في مختلف التخصصات.
سلسـلة الآيزو (9000 ) هي الأكثر شيوعا ، هي ليست مواصفات خاصة بمنتجات،،، بل هي مجموعة من المواصفات تعطي متطلبات و إرشادات ضرورية لتأسيس أنظمة إدارة للجودة تهدف إلى تقديم منتجات أو خدمات تطابق متطلبات محددة …
في بادئ الأمــر أصدرت منظمة الايزو منذ تاسيسها عام 1947 لغاية عام 1997 اكثر من 10900 مواصفة في المجالات الاتية : الهندسة الميكانيكية , المواد الكيمياوية الاساسية , المواد غير المعدنية , الفلزات والمعادن , معالجة المعلومات , التصوير , الزراعة , البناء , التكنلوجيات الخاصة , الصحة والطب , البيئة , التغليف والتوزيع .
ثم اصدرت منظمة الآيزو سلسلتين من المواصفات هما : ايزو 9000 صدرت عام 1987 وتم تطويرها سنة 1994 وفي عام 2000 اخذت شكلها الحالي وهي سلسلة مواصفات ذات علاقة بانظمة ادارة الجودة .. والثانية آيزو 14000 وهي مختصة بانظمة ادارة البيئة , وتكمن اهمية سلسلة ايزو 9000 في انها أصبحت وسيلة لتحقيق الجودة الشاملة والتي تعتبر لغة العصر ومفتاح النجاح وهاجس كل الجهات المعنية والتي تسعى للحصول على شهادة الجودة، وتتكون سلسلة ايزو 9000 من 4 اجزاء هي : 9001 ,9002 , 9003 , 9004 , وجميعها عبارة عن مجموعة متناغمة من مقاييس تاكيد الجودة .
ان تحرير التجارة الدولية يتطلب من جملة المتطلبات نظاما موحدا او مقبولا من كل الاطراف لتقييم جودة المنتجات والخدمات المتبادلة وهذا مانسمية ( نظام الايزو ) الذي تتولى منظمة الايزو اصداره لغرض توحيد معايير التقييس العالمية لمختلف السلع والمنتجات والمواد والخدمات , وقد جاء اصدار سلسلة ايزو 9000 بهذا الاتجاه لغرض توحيد معايير انظمة أدارة الجودة , وتقييم اداء وكفاءة الشركات والمؤوسسات والمنظمات وما شابه، أذن ( نظام الأيزو هو نظام عمل ومنظومـــة أدارية متكاملة يؤدي الى جودة الأنتاج ) ويمكن القول أيضا أن الـ ( ISO ) هي جودة نظام وليس جودة مُـــنتَج …!!.
أما شهادة الآيزو فهي شهادة يمنحها طرف ثالث وليس منظمة الآيزو يُشـــــير فيها الى أن الجهة المعنية تُــــــطَبّق معايير الجودة التي وضعتها منظمة الآيزو , وهذا الطرف الثالث قد يكون جهة دولية معترف بها أو مؤسسة معنية بالأمـــر .
وتبلغ مـــدة صلاحية الشهادة من 2 – 3 سنوات ، يتم بعدها مراجعة الأداء ومُطابقة مواصفات المُنتَج مع معايير الجودة التي وضعتها منظمة ( الآيزو ) وحســـب الأختصاص وطبيعة المُنتَج.
وهنا لابد من التنويه أن حصول أية جـــهة على شهادة الآيزو لايعني نهاية المطاف أو الكمال، وانما هناك حاجة ضرورية ومستمرة للمراجعة وتشخيص العوائق وبالتالي تطوير نظام الجودة والذي يؤدي الى تحسين المُنتَج وتطويره وربما أضافة منتجات اخرى .
وأخيراً لابد من الأشارة الى أن بعض شركات القطاع الخاص وبعض الجهات الحكومــــية في العراق قد بدات العمل على أِعداد أنظمة أدارة جودة خاصة بها وهذه خطوة رائدة باتجاه التطوير وتحسين الأداء الأداري و الخدمي و الأنتاجــي .. واللحاق بركب التطور والذي فاتنا منه الكثير، وأخص بالذكـــر هنا جامعة بابل .
[email protected]