17 نوفمبر، 2024 5:46 م
Search
Close this search box.

حرب العبوات وبطاقة الناخب

حرب العبوات وبطاقة الناخب

بين فترة واخرى تفاجئنا حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بقرارات تثير علامات الاستغراب والعديد مِن التساؤلات عن الامكانيات العقلية وطريقة تفكير مِن يقترح تلك القرارات على مجلس الوزراء، لكونها تخالف في اغلبها، الحديث عن الديمقراطية وحرية اتخاذ القرارات، وتعكس صورة واضحة عن مدى تاثير اصحاب القرارات بالديكتاتوريات السابقة وطريقة تفكيرها، فمرة تقول بان التغيير بالعملية السياسية بيد “عُبَّاد الله” عن طريق صناديق الاقتراع، ومرة تجبرهم على مواقف محددة باستخدام اساليب الخداع، التي يمكن من خلالها استغلالهم لتحقيق غايات مخطط لها مسبقا لتكون بوابة لتزوير الانتخابات.
ولعل.. واحدة من اساليب الخداع، قرار الحكومة باعتبار بطاقة الناخب الالكترونية وثيقة رسمية تستخدم في جميع المعاملات، في مخالفة واضحة لجميع القوانين والاعراف التي ترفض اجبار المواطنين على اتخاذ موقف من الانتخابات بالمشاركة من عدمها، والتي لم تتوقف عند هذا القرار لتخرج علينا بعدها وزارة النقل بكتاب رسمي لجميع دوائرها، وجهتها بعدم صرف رواتب الموظفين قبل تحديث بطاقاتهم الانتخابية، وهذا لا يمكن تفسيره بغير “النوايا المبيتة” من قبل القوى السياسية التي تسعى كل جهة منها لاستمالة الناخبين لجانبها سواء كانت بالترهيب او الترغيب، والذي سيكون على حساب “الفعالية الديمقراطية”، فاجبار المواطنين على تحديث بطاقاتهم الانتخابية يؤكد بما لا يقبل الشك بوجود مخطط لرفع نسبة المشاركة في الانتخاب من خلال حساب عدد البطاقات المحدثة، وبالتالي تقاسم اصواتها بين القوى السياسية التي تفرض سيطرتها بقوة المال والسلاح لتحديد الفائز بالاقتراع، كما ينقل لنا مؤسس الاتحاد السوفيتي السابق جوزيف ستالين في مقولته المعروفة، “يكفي أن يعلم الشعب أنه كان هناك انتخابات، والشعب الذي يدلي بصوته لا يقرر شئ، ولكن من يقوم باحتساب الأصوات يقرر كل شئ”.
وفي حادثة تؤكد وجود ما يهدد نزاهة الانتخابات المقبلة، تلقيت قبل ايام اتصالا من احد الاطباء العاملين بمستشفى تقع في جانب الكرخ من العاصمة بغداد، ابلغني عن تحركات للجهة السياسية التي تقود وزارة الصحة للتأثير على نتائج الانتخابات، بعد اصدار الوزارة كتابا رسميا يلزم الكوادر الطبية بتسليم بطاقاتهم الانتخابية لادارة المستشفيات التي يعملون فيها، مِن دون معرفة الاسباب، فهل تعلمون ياسادة، ماهو الهدف مِن الحصول على بطاقات الناخبين بهذه الطريقة؟، غير الاستعداد للتزوير، قد يعاتبنا العديد مِن القراء، ويتهمنا اخرون بالتشاؤم، ويتحدثون عن قرارات تتخذها الدول الديمقراطية المتقدمة ضد المواطنين الذين يرفضون المشاركة في الانتخابات او تحديث بياناتهم.. نعم.. مِن حق الدول الديمقراطية التي توفر الامن وجميع مستلزمات نجاح العملية الانتخابية وتمنع المال السياسي والسلاح المنفلت الذي يؤثر على خيارات الناخبين، باستخدام تلك العقوبات، لكن في بلادنا التي تعجز فيها الحكومة عن تامين ابسط درجات الامان لعملية الاقتراع وحماية الناخبين، تصبح المقارنة في هذه الحالة جريمة لا تغتفر.
كيف تريد الحكومة ان نؤمن بدعواتها للمشاركة في الانتخابات ويوميا تفجر منازل الناشطين والمتظاهرين في مدينة الناصرية، لانهم اختاروا الاستمرار بالاحتجاج واعلنوا عن مشروعهم بتغيير العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة، كيف تريد منا الحكومة المشاركة والكشف عن طموحاتنا باستبدال الوجوه “الفاشلة”، وهناك “سلاح منفلت” تمتلكه القوى السياسية لمعاقبة مِن ينتقدها ويحاول الخلاص مِن سطوتها، فمحافظة ذي قار سجلت لوحدها منذ شهر كانون الاول الماضي وحتى بداية كانون الثاني الحالي، نحو احدى وعشرين عملية تفجير واغتيال استهدفت ناشطين ومدنيين، فشلت القوات الامنية حتى الان في تحديد الجهة المسؤولة ومعاقبتها، في وقت تستمر باصدار مذكرات الاعتقال “الكيدية” التي تقدمها القوى السياسية بحق المتظاهرين، فمن يشاهد طريقة الاعتقالات التي لا تختلف كثيرا عن ممارسات الانظمة القمعية، كما حصل خلال اقتحام الاعدادية المركزية في ذي قار، واعتقال احد طلبتها بعد الاعتداء عليه بالضرب بطريقة “مهينة”، وبدلا من معاقبة القوة الامنية التي ارتكبت هذه الافعال، ظهر علينا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بحركة ” استعراضية”، يتصل فيها بمدير الاعدادية المركزية للاعتذار عن تصرفات تلك القوة، بطريقة تثير “الضحك والاستغراب” لعدة اسباب في مقدمتها “ضعف” القائد العام للقوات المسلحة الذي لا يمتلك القدرة على معاقبة افراد بجهاز امني “اساءوا” الحكومة والعملية الديمقراطية.
الخلاصة:.. ان استخدام الحكومة اوراق الضغط على المواطنين لاجبارهم على تحديث بطاقاتهم الانتخابية جريمة لا تفرق كثيرا عن “اسكات” اصوات المعارضين باستخدام العبوات الناسفة وكواتم الصوت، فالحكومة تريد سرقة الاصوات بالترغيب، واصحاب السلاح المنفلت يستخدمون الترهيب، لكسب جولة الانتخابات لصالحهم، لكن من يرغب بالتغيير عليه ادراك، بانه من دون توفير الاجواء الملائمة لحماية اصوات الناخبين وابعاد وسائل الترغيب والترهيب، فان عدم المشاركة والامتناع عن تحديث بطاقات الناخبين هو الحل…. اخيرا… السؤال الذي لابد منه…. متى تتوقف الحكومات عن ممارسة اساليب الخداع؟.

أحدث المقالات